كيف أدت القروض الحكومية لسقوط أهم مصرف عراقي؟ 

مخاطر كبيرة وعزلة اقتصادية، تنتظر القطاع المصرفي العراقي، بعد خفض تصنيف المصرف العراقي للتجارة TBI، من قبل وكالة “فيتش” الدولية، وفيما أرجع خبراء، هذا التخفيض “المؤذي” إلى لاقتراض الحكومي، بالإضافة للسلف التي تم منحها لإقليم كردستان من خلال المصرف، من دون إعادة لتلك السلف والقروض على المدى القصير، ما أدى لتراجع تصنيفه، مؤكدين على صعوبة عودة تصنيفه لوضعه الطبيعي.   

ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “وكالة فيتش للتصنيف الائتماني هي وكالة ائتمانية تأسست في العام 1913 على يد مؤسسها جون فيتش رجل الإحصاء المعروف في أمريكا”.

ويضيف حنتوش، أن “الوكالة تعمل على منح درجة من الائتمان للمصارف حول العالم، لذلك فإن المصارف العراقية تسعى لأن تكسب درجة في الوكالات الأقل من وكالة فيتش، مثل ستاندرد اند بورز وغيرها، ولكن فيتش تعتبر الأفضل لأن الدرجات التي تمنحها تمكنك مباشرة من الدخول إلى حسابات المصارف الكبرى مثل جي بي مورغان، وسيتي بنك غروب”.

وكانت وكالة “فيتش”، قد خفضت التصنيف الائتماني، للمصرف العراقي للتجارة على المدى الطويل (IDR) إلى CCC+ من B- وتصنيف الدعم الحكومي (GSR) إلى ccc+، بعد أن كان B-، كما خفضت الوكالة الدولية أيضا، تصنيف قدرة بنك TBI على الاستمرار (VR) إلى ccc+ من B- ثم سحبت التصنيف لاحقًا.

ويبين الخبير الاقتصادي، قائلا “بالنتيجة فإن المصرف العراقي للتجارة تأسس في عهد بول بريمر (الحاكم الأمريكي) عام 2004، وفق معايير أمريكية، وهو يمتلك تصنيفا تراوح بين B+ وB- على مدى الـ20 عاما الماضية، وهذه قد تكون المرة الأولى التي يهبط فيها المصرف إلى مستوى C و CCC+”.

ويعزو حنتوش، سبب انخفاض الدعم الحكومي للمصرف إلى “أخذ الحكومة قروضا وسلفا منه حسب تصنيف فيتش، مع صعوبة تسديد تلك المبالغ من قبل الحكومة، بسبب موازنتها الكبيرة أولا، وثانيا أن تمويل إقليم كردستان بتريليونين و100 مليار دينار على شكل سلف لمصرف كردستان المركزي، وهذه الديون هي شبه معدومة وتغطى من قبل الحكومة في موازنة 2024”.

ويستطرد أن “قلة استثمارات هذا المصرف، بالإضافة إلى ذلك بعض المعايير الأخرى الضعيفة فيه، هذا كله أدى إلى تخفيض التصنيف الائتماني بدرجة سيئة، كما أن الإدارات الضعيفة المتتالية لهذا المصرف كانت سببا أيضا، وهنا نحن نقف أمام المصرف العراقي الوحيد الذي يريد حوالات الحكومة واعتماداتها المستندية بنسبة 100 بالمئة، مع مصرف جي بي مورغان، وسيتي بنك، وبالتالي إذا حصل أي شيء وأعيد تقييم تصنيف المصرف فهذا يعني مشكلة كبرى إذ سنحتاج إلى مصرف وسيط للمصرف العراقي للتجارة والمصرفين المذكورين للقيام بالتحويلات المالية وهذا يؤدي إلى عزله مالية واقتصادية عن العالم”.

ويعكس تخفيض تصنيف VR، ضعف الملف التجاري والمقاييس المالية للمصرف العراقي للتجارة، كما يتضمن ذلك المخاوف بشأن هيكل الإدارة والحوكمة في المصرف، وتوقيت إعداد التقارير المالية وعمليات التدقيق، وضغوط الوضع المالي على وجه الخصوص الناشئة عن احتياجات المخصصات الإضافية، وتكاليف التقاضي.

يشار إلى أن المصرف العراقي للتجارة، أعلن في عام 2018، أن وكالة “فيتش” أكدت التصنيف الائتماني للمصرف العراقي للتجارة عند درجة –B  مع نظرة مستقبلية مستقرة، ليكون أول مصرف عراقي يحصل على تصنيف ائتماني رسمي من قبل وكالة تصنيف عالمية.

إلى ذلك، يبين الخبير المالي همام الشماع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “تغيير التصنيف الائتماني في وكالة فيتش يدل على ضعف قدرات المصرف الذي تغير تصنيفه، من ناحية إيفائه بالالتزامات، وهذا ما جرى مع المصرف العراقي للتجارة”.

ويضيف الشماع، أن “المصرف لديه قروض كبيرة، وهذه القروض في ظل الوضع الراهن غير قابلة للسداد، لذلك فإن المصرف ضعيف الثقة ومستحقاته لا تفي بالغرض في سد الالتزامات التي عليه، خاصة وأن المصرف معظم أمواله سلفها إلى الحكومة، ما يعني أن الديون التي عليه كبيرة جدا”.

ويشير إلى أن “طبيعة الوضع الذي يمر به المصرف لا تؤثر على عمله، ولكن المصرف ليس محل ثقة بالنسبة للمستثمرين الأجانب لذلك لا يستطيع التعامل مع المصارف الخارجية بثقة كاملة، أما داخليا فلا يتأثر”.

ويذكر الشماع، أن “المصرف تأسس بعد 2003 كمصرف للتجارة الخارجية، وعلى الرغم من وجود مصرفي الرافدين والرشيد إلا أنهما عليهما التزامات داخلية كتمويل الرواتب وغيرها، وليس لديهما تعاملات مع الخارج، لذلك الحكومة تعاملت مع المصرف العراقي للتجارة وبدأت تقترض منه بشكل كبير، وبالتالي إذا لم تغير الحكومة العراقية سياستها بالاقتراض الداخلي من المصارف العراقية فأنه من الصعب جدا أن يعود المصرف إلى الوضع الائتماني السابق”.

وتأسس المصرف العراقي للتجارة في العام 2004، ويعد المصرف الأول في البلاد، ويستحوذ على نحو 80 بالمئة من أعمال التمويل التجاري في العراق، ويحتل المرتبة الأولى بين المصارف العربية من حيث معدل التكلفة إلى الدخل والمرتبة 332 عالميا من حيث رأس المال من الدرجة الأولى، ولديه 25 فرعاً في جميع أنحاء العراق.

من جانبه، يلفت الخبير الاقتصادي قصي صفوان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “وكالة ساندلان كلفت من قبل البنك المركزي العراقي لسنوات، بتصنيف مسار الغرفة العراقية وتعتمد على آلية لمراقبة حركة الائتمان وتسديد القروض وإمكانية ان يكون للبنك العراقي مراسلين دوليين”.

وينبه إلى أن “المطالبة بعملية توسيع دائرة التعاون وتقديم خدمات للزبائن كان تصنيفها سلبي للمصرف العراقي للتجارة، ويعود ذلك إلى عدم إمكانية توفير مصارف دولية لديها تعاملات مع معظم مصارف العالم مثل، سيتي بنك، وجي بي مورغان، وبالتأكيد فإن نقاط القصور والضعف التي تحدد من قبل وكالة فيتش ستساهم في إعادة تسريع موضوع إدخال التحسينات على الخدمات المصرفية المقدمة للزبائن”.

ويشدد على أن “توسيع دائرة التعاون الدولية وفتح مصارف لها فروع بالخارج لكي تكون فعلا بوابة لضمان التجارة العراقية وتمويلها من مصادر مختلفة”.

ويخلص صفوان، إلى أن “حقيقة هذا التصنيف إذا كان دون المستوى، فإنه سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف مخاطر التعامل مع هذا المصرف الذي ليست لديه قروض دولية أو يسعى إلى الحصول على قروض دولية، وأكثر تعاملاته هي مع القطاع الحكومي العراقي، لذلك فإن هذا التصنيف لن يؤثر على ثقة القطاع الحكومي بالمصرف العراقي للتجارة، ولكن على المدى البعيد إذا كان المصرف يرغب بتمويل من مصادر خارجية فإنها ستكون بتكلفة عالية”.

إقرأ أيضا