النجارة في العراق.. مواجهة صعبة أمام الأثاث المستورد

غياب الدعم الحكومي وفتح الاستيراد، أمران عصفا بمهنة النجارة العراقية وجعلاها تشق طريقها بصعوبة أمام…

غياب الدعم الحكومي وفتح الاستيراد، أمران عصفا بمهنة النجارة العراقية وجعلاها تشق طريقها بصعوبة أمام الاثاث المستورد، وخاصة التركي، وسط مطالبات باجراءات حكومية لانعاش أقدم المهن في تاريخ البشر.

البداية من تركيا، التي أعلنت قبل أيام أن صادراتها من الأثاث حققت نموا بنسبة 35 بالمئة خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من 2020، وقد تجاوزت صادرات القطاع ملياري دولار بحسب بيانات اتحاد مصدري منتجات الأثاث والورق، حيث تصدر العراق قائمة البلدان الأكثر استيرادا للأثاث التركي، تلته ألمانيا، ثم الولايات المتحدة.

وحول هذا الأمر، يقول حيدر الخزرجي، وهو صاحب معمل نجارة في العاصمة بغداد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الاثاث التركي يمكن أن يتفوق على العراقي من ناحية جماله وموديلاته المتعددة، إلا أنه لا يمكن مقارنته من حيث المتانة، إذ أن جودة النجارة العراقية تفوق التركية”.

ويضيف الخزرجي، أن “المواطنين الان بدأوا بالتوجه نحو النجارة العراقية، عكس السائد قبل 6 سنوات تقريبا، حيث غزت النجارة التركية السوق العراقية بشكل كبير”، مضيفا أن “تصميم الاثاث العراقي باشكال مشابهة للأوروبي هو ما ساعد على التوجه نحوها، وادخال الاصباغ وغيرها من الأعمال الفنية المتشابهة للمستورد”.

ويلفت الى أن “الدولة سابقا كانت تدعم النجار، على سبيل المثال بكمية من الواح المعاكس وهو طبقات الخشب الرقيقة او الاخشاب، اضافة الى السلف، اما الان فقد غاب الدعم الحكومي بشكل كامل، وهو ايضا ساهم في ارتفاع اسعار النجارة العراقية”.

ويوضح أن “لوح المعاكس بلغ سعره 5 آلاف دينار (3.5 دولار)، أما الآن فقد ارتفع الى 18 الف دينار (نحو 13 دولارا)”، مبينا “كان سعر المتر الواحد من لوح الخشب (سير) يصل الى 500 دينار (نحو 30 سنتا) اما الان يبدأ سعره من 900 دينار (نحو 60 سنتا) وهو من النوع الروسي”.

يشار الى ان مهنة النجارة في العراق، مرت بمراحل سيئة عديدة، بداية من تأثرها بفترة الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في تسعينيات القرن الماضي، حيث شحت الأخشاب وفقدت من السوق مادة (المعاكس) وبات من الصعب الحصول على المواد الأولية، وبعد عام 2003 غزا الاثاث المستورد السوق العراقية وتوجه المواطن الى اقتنائه بدلا من المحلي.

كما يواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوعة تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن دون تحقيق أي وعد، بل تستمر عجلة التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية. 

وفضلا عن القطاع الحكومي، فان مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا بل وإنهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للانتاج، من استمرار التيار الكهربائي او الحماية اللازمة، خاصة في ظل الاحداث الامنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول الى مستهلك للبضائع المستوردة.

الى ذلك، يبين الخبير الاقتصادي همام الشماع في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “لدى العراق نسب ضريبة كمركية على جميع البضائع، وتختلف هذه النسبة بين الاقليم والمركز، ولكن في جميع الاحوال تشكل ايرادا، وهذا الايراد منخفض بسبب الفساد، ولا يجنى منه اموالا كثيرة لخزينة الدولة”.

ويردف الشماع “لابد من اتخاذ اجراءات صارمة لحماية العراق وإنشاء سياج كمركي يحمي المنتجات الصناعية المتوفرة في العراق”، مضيفا “على سبيل المثال مهنة النجارة موجودة في العراق ولابد من حمايتها بفرض ضرائب عالية على الاثاث المستورد، لكي تنتعش هذه الصناعة وتشغل أيد عاملة كثيرة”.

ويلفت الى أن “الدعم ياتي من خلال حماية المنتج المحلي ومن خلال تقديم مساعدات مالية التي تساعد بدورها في التطور الصناعي، كما يجب حماية الصناعة لرفع اسعار المنتج المحلي، وهو ما يعود بالنفع على المنتج وتطوير صناعته”. 

وكانت مهنة النجارة، قد بلغت ذروتها في سبعينيات القرن الماضي، حيث اعتاد العراقيون على شراء الاثاث وغرف النوم والاستقبال، من محال النجارة المحلية، وكانت منطقة الصالحية وسط العاصمة، هي مركزا لمعارض الاثاث، التي لا تزال بعضها موائد الطعام المقتناة منذ ذلك الوقت، تتسوط صالات بعض المنازل البغدادية التي حافظت عليها، ونقلتها من جيل لاخر.

إقرأ أيضا