\”همرات\” تحرس منازل سُنة البصرة.. والبصري: لن أغادر الحي الذي لعبت فيه كرة القدم

ترابط مفرزة عسكرية صغيرة عند مدخل زقاق صغير في ضاحية القبلة غرب مركز البصرة، لحماية رجل دين \”سُني\” شاب، يعمل كواعظ في جامع الشيخ يوسف الحسان (جامع البصرة الكبير سابقا)، بعد ان تلقى تهديداً بالقتل من مجموعة مجهولة.
وفيما يلعب اطفال الزقاق في الشارع الترابي وغير المبلط الى جانب شق طويل في الارض، عبارة عن مجرى لتصريف للمياه الاسنة بسبب غياب شبكة مجار حكومية حديثة، يراقب جنود عراقيون ويلبسون خوذا وسترات واقية ثقيلة، من قمرة مركبة \”همر\” المارة دون ان يتفحصوا هوياتهم، غير انهم يؤدون مهمتهم بارتياح لكونهم بالقرب من سكان مدنيين ولا يخشون الاستهداف.
ولا يبعُد منزل الشيخ السني الشاب والذي لا يتجاوز عُمره الثلاثين ربيعاً كثيراً عن نقطة الحراسة، غير ان \”رافع البصري\” يخشى ان يقتل حين يذهب الى الجامع الكبير في منطقة البصرة القديمة دون حراسة، وهو مالا تستطيع الشرطة المحلية توفيره على نطاق واسع.
قبل سنوات عدة كان رافع البصري، يلعب مع اصدقائه الشيعة في الزقاق ذات لعبة كرة القدم كما يفعل الاطفال اليوم في الحي نفسه، وفيما ينظر من امام بيته الى الشارع يقول لـ\”العالم الجديد\”، ان \”جيراننا اغلبهم من الشيعة، ولم يسبق ابدا ان حصلت مشكلات طائفية معهم\”.
خلال شهر محرم، يواظب اهل الحي على اقامة مواكب عزاء كثيرة استذكاراً لمقتل الامام الحسين في كربلاء قبل 1400 عام، ويحرص رافع وعائلته على المشاركة في تلك الشعائر، فيما يُجهز اخوه منتصر وهو عازف \”أورغ\” ويشارك في فرقة موسيقية شعبية، تلك المواكب بالطبول الكبيرة واجهزة الصوت \”المونتاربو\” مجانا، واحيانا يشارك في حلقات اللطم.
ويرتبط منتصر واخوه الشيخ رافع البصري، بعلاقات جيدة مع اهل الحي، غير انهم وعائلتهم حيث يعيشون في منزل بسيط وصغير اشتروه في تسعينيات القرن الماضي، تعرضوا الى تهديد بالتهجير او قتل من قبل ميليشيا غير معروفة، ويشدد البصري \”اين من الممكن ان اذهب، عانيت كثيرا في الحرب الطائفية التي حصلت في العام 2006، اضطررت الى الاختفاء عدة واشهر، وفي اخرى ذهبت الى سورية، لكن الان بعد تلك التجربة لا يمكن لي ان افعل ما فعلته سابقا، اشعر ان عليّ البقاء مهما كلف الأمر\”.
ويرفض سكان الحي وغالبيتهم من الشيعة، اعمال تهجير السنة في البصرة، وهو الامر الذي يرفضه اغلب سكان المحافظة التي يبلغ عددهم نحو 3 ملايين نسمة.
تهجير او قتل السُنة في البصرة، لم يكن عملاً محبذاً لدى السكان، لكن مجموعة اطلقت على نفسها (لواء أنصار المهدي)، ولا يعرف من يقف وراءها، قامت في 9 ايلول الحالي بتهديد (اهل السُنة) على خلفية استهداف هجمات مفخخة تعرض لها الشبك وهم يعتنقون المذهب الشيعي في نينوى.
وفي ردة فعلٍ على الاستهداف، أعلنت مديرية الوقف السني في المنطقة الجنوبية في 16 أيلول الجاري، عن إغلاق المساجد التابعة لها في البصرة، مبررة ذلك لجهة عدم حمايتها واستهداف أئمتها ومنتسبي الوقف. 
وقبل ان تعلن تلك الجماعة السرية والمتشددة عن مسؤوليتها عن الاعمال المرفوضة وغير المسؤولة التي طالت مواطنين بصريين على اساس الانتماء المذهبي، وقعت حوادث قتل مريبة تمثلت بقتل الشيخ عبد الكريم مصطفى إمام وخطيب جامع التقوى في منطقة ضاحية الحيانية ذات الغالبية الشيعية، في الثالث من ايلول الحالي، رافقته قتل ثلاثة اشخاص اخرين شيعة احدهم معلم.
وزارة الداخلية، وفي خطوة لاحتواء الموقف الذي قد يتفجر عن صراع طائفي، قررت في 22 أيلول الحالي \”تشكيل لجنة تحقيقية عليا في حوادث الاغتيالات في محافظتي البصرة وذي قار\”، وبينت أن الاغتيالات \”تحمل في بعض جوانبها دوافع طائفية\”.
وفي 26 أب الماضي، وضعت عبوة لاصقة في سيارة حكومية مملوكة لديوان الوقف السُني اسفرت عن اصابة موظف بالديوان في منطقة التحسينية.
رئيس ديوان الوقف السني في العراق احمد عبد الغفور السامرائي، تحدى محاولات تصفية الوجود السُني من قبل مجهولين، واعلن من جامع (الشهيد يوسف الحسان) بالبصرة، في 23 أيلول الجاري اعادة افتتاح جميع المساجد التابعة للوقف في المدينة والتي اغلقت لـ\”أسباب أمنية\”، مشددا على انها \”ستبقى مفتوحة ولن تغلق رغم حدوث عمليات الاغتيالات والتهجير لأبناء السنة في المحافظة\”.
الفاعليات الدينية والعشائرية في البصرة رفضت الاستهداف، بينما نظم اتباع المرجع الديني محمد اليعقوبي تظاهرة بعد صلاة الجمعة الاسبوع الماضي تنديداً باستهداف السُنة.
الاجهزة الامنية في البصرة، وضعت خطة امنية لحماية السُنة في المناطق التي يتواجدون فيها في المدينة، ولا سيما رجال الدين منهم كرافع البصري.
لكن مدير دائرة شؤون العشائر في وزارة الداخلية اللواء مارد عبد الحسن، عدَّ الحديث عن استهداف السُنة في البصرة \”مجرد تهويل اعلامي\”.
وقال عبد الحسن في كلمة القاها بمؤتمر عشائري عقد الجمعة الماضية في قضاء الزبير (وتقطن فيه اغلبية سُنية) غرب البصرة،  \”ان ما حدث من تهجير (…) هي حالات فردية لا يمكن ان تكون ظاهرة تسود في المجتمع\”.
وكشف ان \”عمليات ثار الشهداء ستشمل جميع المحافظات من اجل تجفيف بؤر الارهاب\”، في اشارة الى حملة \”ثأر الشهداء\” التي نفذت في حزام بغداد بدءاً من الاول من آب الماضي.
وبعد يوم واحد من حديث اللواء عبد الحسن، قتل مساء السبت الفائت، مؤذن جامع حمدان في قرية كوت ثويني على يد مسلحين مجهولين اطلقوا النار عليه جنوب قضاء ابي الخصيب.
في هذه الاثناء كشف مصدر أمني في البصرة، وعلى ذمة موقع \”شفق نيوز\” الاخباري عن \”اعتقال شخصين مسؤولين عن ترويج منشورات تحرض على تهجير العوائل السنية في قضاء الزبير\”، 
ولفت الى ان \”عملية الاعتقال جاءت على خلفية اعتراف عدد من المعتقلين\”، مضيفاً ان \”عمليات استجواب المعتقلين اسفرت عن التوصل الى خيوط للمسؤولين عن استهداف وتهجير السنة في البصرة\”.
القائد العام للقوات المسلحة نوري المالكي، قرر الاسبوع الماضي، خلع قائد شرطة البصرة فيصل العبادي من منصبه على خلفية خروق امنية، وتعيين اللواء الركن شاكر لفته الأسدي قائداً لشرطة المحافظة بالوكالة، والذي كان يشغل منصب قائد الفرقة الثانية لقوات الشرطة الإتحادية، فاعلن الاسدي بدوره عن اطلاق خطة امنية جديدة لحفظ الامن.
ويعلق مراقب امني في البصرة لـ\”العالم الجديد\”، ان \”الاسدي لم يزد على خردلة فيصل العبادي شيئا، خطته تمثلت بنصب ثلاث سيطرات جديدة في اماكن متفرقة من المدينة، مما زاد من الاختناقات\”.
رافع البصري، والذي يبدو صغيرا في السن، ربما بسبب وجهه الابيض النحيف وجسمه ضئيل الحجم، تخلى عن ارتداء الزي الديني والعمامة الصغيرة المحلاة بكشيدة حمراء، وفضّل ارتداء ملابس كالتي يرتديها من بعمره من الشبان، كاحتراز امني وعدم لفت الانظار اليه، ويقول لـ\”العالم الجديد\”.. \”هكذا ربما لا احد سيتعرف عليّ من القتلة المجهولين، جُلّ ما اتمناه ان لا الاقي مصير الشيخ يوسف الحسّان، بأن اقتل في طريق الى الجامع\”.
وقتل الداعية والشيخ يوسف الحسان في 16 حزيران العام 2006، في شارع بشار بن برد قبالة جامع البصرة الكبير ابان فورة العنف الطائفي في البلاد والتي طالت البصرة.

إقرأ أيضا