صواريخ المعرفة وقنابل الجهل

  يسافر الكاتب والصحفي المصري الراحل انيس منصور (18 أغسطس 1924 – 21 أكتوبر 2011)…

 

يسافر الكاتب والصحفي المصري الراحل انيس منصور (18 أغسطس 1924 – 21 أكتوبر 2011) وقلمه حول العالم في الستينيات فيطلق مقالاته او كما يعبر هو عنها في مقدمة الطبعة الاولى من كتابه حول العالم في 200 يوم (صواريخ  تنطلق الى الاعلى) ليترك لنا أطلساً لابأس به عن العادات والتقاليد الاجتماعية والطقوس الدينية لمجتمعات نجهل حتى اليوم الكثيرعنها في ظل هذا الزحام من المعلومات،  أخباراً وتقارير لاتستوعبها ادمغتنا.

 

الوصف سلاح الصحفي الذي ينقل من خلاله الصوت والصورة  وبدونه ستكون النصوص مجردة من الروح وستفقد التشويق الذي يشجع القارئ على التهام صفحة تلو اخرى يستزيد من المعرفة والاطلاع، وهو الامر الذي أجاده الكاتب معتمداً على سعة اطلاعه ومعرفته باللغة مامكنه من استخدام مفردات معبرة وسهلة قامت مقام الكاميرات الرقمية التي لم تكن قد عرفها العالم وقتذاك، حيث تجد ان صاحبنا كان مشبعاً للفضول وكريماً في الشرح ودقيقاً في تحديد الهدف الذي من أجله خططت المؤسسة الاعلامية (جريدة اخبار اليوم المصرية)، لتلك الرحلة انذاك، فلم ينس التركيز على اقتفاء اثار تركها المصريون في تلك البلدان وكيفية تعاطي تلك المجتمعات مع الرجال الذين مروا مجبرين او مختارين.

 

يشير منصور خلال رحلته الى جزيرة سيلان باحثاً عن عشرين عاماً قضاها احمد عرابي هناك الى ان صحيفة الأوبزيرفر الانجليزية ظلت تهاجم عرابي طوال اقامته هناك أبتداءً من كيفية نزوله وصولاً الى ماكان يأكله وتفاصيل دقيقة عن حياته ولكن الابرز في رحلة النبش في ارشيف الصحف هو ما نقله من ردود لعرابي أدهشت الصحف الانجليزية وجاء فيها:

 

هل الدين الاسلامي يحرم تعليم البنات؟ فأجاب عرابي.. لا

 

هل الدين الاسلامي يحرم تعليم البنات لغة غير لغة القران الكريم؟ فاجاب.. لا

 

هل الدين الاسلامي يتنافى مع الطب ؟ فأجاب.. لا

 

فسأل عرابي: حتى لو كان الطبيب الذي يكشف على زوجتك ليس من دينها ؟ فأجاب.. لا

 

ارث عرابي باشا كما يلقبه انيس منصور كان مازال حينها قائما وهو عبارة عن بيت مازال يحتفظ لوقتها بلوحة على الباب مكتوب عليها بالانجليزية (عربي باشا) دون الالف، وان جد الاسرة التي تمتلك المنزل اوصاهم بعدم تغيير شيء في البيت وتركه على حاله وهو ما يدل على الاعتزاز بذكرى وجود عرابي عندهم.

 

رغم أن الكاتب لم يكن معه سوى قلمه لكنه أستطاع ان يصور لنا المكان ورائحته ويُسمعنا اصواته ويُشعرنا بطقسه ويُفهمنا طقوسه وليس غريباً ان يكتب هذا الرجل مثلاً نصاً مازال يحتفظ  ببعض صفات الخبر رغم مرور 55 عاما على نشره وهو عبارة عن تدوين للقاء اجراه مع والدة الدلاي لاما في التبت بعد عدة حيل وتمثيليات للوصول للقاء أبنها اولاَ والتقاه فعلا ولكن الاكثر تشويقاً كان هو أسئلته التي وجهها الى ام الرجل المقدس: ماذا كانت تشعر بعدما صارت قدم ولدها مجلبة للبركة وكيف كانت تتكلم عن صغيرها وماذا كانت تلبس، كيف كانت تدخن؟ وغير ذلك من القصص والروايات وتفاصيل لقاءات كثيرة ومشوقة وهو ما يؤكد لنا ان المعرفة ينقلها رجالها مهما كانت الظروف المحيطة بهم صعبة ومعقدة فعدم توفركاميرات رقمية واجهزة ارسال متطورة لم يمنع من ان يكون المحتوى الذي نقل الينا كان دسماً وثراً وغزيراً بالمقدار الذي نحتاجه دون اسهابٍ ممل او ايجازٍ مخل.

 

كل هذه المتعة المعرفية التي يأخذنا فيها هذا الكاتب وغيره من كتاب جيله تم صياغتها بادوات بسيطة مايجعلنا ياسادة نسأل عن المتعة التي وفرتها لنا وسائل الاتصال الحديثة السريعة المتطورة التي وفرت لنا بث مباشر وتبادل فوري للرسائل ياتي الجواب لقد احسنا استخدامها افضل استخدام، نعم.. صنعنا بها افضل قنابل التحريض على الكراهية لانتاج الجهل.

 

إقرأ أيضا