السياسات الإقليمية في الشرق الأوسط.. تكتيك أم استراتيجية؟ تركيا (1)

  دائماً ما كنت أتساءل مع نفسي, ألا توجد في دول الشرق الكبيرة والمؤثرة في…

 

دائماً ما كنت أتساءل مع نفسي, ألا توجد في دول الشرق الكبيرة والمؤثرة في المنطقة من حيث فعاليتها في البلدان المجاورة والإقليمية, مراكز بحوث سياسية – اجتماعية, تدرس [انعكاسات] السياسة الإستراتيجية الخارجية المتبعة من قبل الدولة على مستقبل الدولة الداخلي وسلمها الأهلي ورابطها الاجتماعي؟ أم إن بقائها في الحكم وأمنها الاقتصادي هو ما يشغل بال قادتها فقط؟. في منطقة مشتعلة مثل الشرق الأوسط, وحلبة إستقطابات طائفية وعرقية مثل مناطق غرب آسيا تحديداً, لا يُمكن أن يُهمل العامل البشري من حيث الدين واللغة والثقافة في رسم سياسات الدولة الفاعلة, بل من المحتم على هذه الدولة أكثر من غيرها أن تضع خارطة طريق واضحة المعالم بالنسبة لها على الأقل, أملاً بألا تواجه خطر الانزلاق في المحرقة التي قد تمتد نارها لتمس تلك الدولة وتُضيع بوصلتها في بحر الصراعات الداخلية. لا يُخفى على أحد إن الانقلاب السياسي الذي طرأ على السياسة الخارجية التركية, كان بسبب الانقلاب العسكري الفاشل الذي حصل في تركيا قبل مدة. وهذا ما يشي بأمرين مهمين يتعلقان ببعضهما تباعاً.

 

الأمر الأول هو إن هذا الانقلاب السياسي لم يجري بتخطيط مُسبق بل نتيجة الانقلاب العسكري. حتى إنه لم يكن مفاجئاً للمتابع السياسي فحسب, بل كان مفاجئاً ومُحبطاً لحلفاء تركيا من العرب أنفسهم.

 

الأمر الثاني, هو إن تركيا لا ترسم سياساتها الإستراتيجية وفق دراسة شاملة لمستقبل الدولة في المنطقة, فهي تماهت مع الوجود الداعشي وتعاملت معه بسياسة الاحتواء والتوجيه, علّها تلعب ألاعيب الكبار في تحريك الكيان المتفجر اجتماعياً للحصول على المكاسب. وهذا يدل على أن رسم السياسات يتعلق بما يتوافق مع المصلحة الحالية للسلطة الحاكمة أو الحزب الحاكم أولاً, وللدولة من حيث الاقتصاد والأمن في خطوة واحدة فقط للأمام ثانياً. اتجهت تركيا منذ صعود نجم حزب العدالة والتنمية وتولي أردوغان رئاسة الجمهورية إلى الدول العربية, حيث عمقها الاستراتيجي الذي يتناسب مع آيديلوجية الحزب الإسلامية.

 

وأصبح السوق العربي بمختلف صنوفه مصرفاً للبضاعة التركية حتى التلفزيونية منها, ولم تقتصر تلك التوجهات على الأنظمة السنية, بل إن التحالف التركي مع النظام العلوي السوري كان بمقدمة التحالفات التي أنتجت تبادل تجاري أغرق السوق السورية بالبضائع التركية. حصل التغيير الكبير بعد دعم ثورات ما يسمى بثورات الربيع العربي, ودعم تركيا للإخوان المسلمين تحديداً في مصر, الذي أنتج القلق الخليجي [عدا القطري] من ذلك الدعم, والحراك السوري المسلح متمثلاً بالجيش السوري الحر, ناهيك عن التسهيلات التركية والتعامل الفاضح مع كيان مسلح آخر يُدعى الدولة الإسلامية في العراق والشام. يبدو إن الانقلاب العسكري, هو الحدث الذي كشف لتركيا الغطاء عن تورطها غير المبرر في سوريا, حيث رأت نفسها وجهاً لوجه مع الروس في حادثة إسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية السورية, وانكشف لها التمدد الكردي السوري الذي يستمد قوته من تمدد النموذج الكردي العراقي تحديداً, والدعم الأميركي للتمددين.

 

ذلك النموذج المدعوم أو المسكوت عنه من قبل الأتراك طوال السنوات الماضية. إن التغيرات السريعة التي تطرأ على السياسات الخارجية للدول تدل على انعدام الرؤية المستقبلية لدول هي أحوج ما يكون للتخطيط بعيد المدى. تركيا الآن تُغازل المحور الروسي الإيراني, وتبعث برسائل لنظام الأسد, تعود بنا في الذاكرة لحقبة بداية الأزمة السورية, حينما كانت تركيا تبحث عن مخرج توافقي للأزمة يكون الأسد فيه طرفاً في اللعبة. إذن, فتركيا اليوم تخشى داخلياً, الوضع الكردي حالياً والعلوي مستقبلاً, وتسعى لسد ثغرات الأزمة التي قد تُسرب لها داخلياً خصوصاً مع حملات الاعتقال المجنونة التي تقوم بها السلطة لتصفية حساباتها مع أتباع عبد الله غولن والعلمانيين في الجيش والقضاء والتعليم وبقية مفاصل الدولة. فهل ستنجح تركيا في رسم سياسة إستراتيجية خارجية طويلة المدى تقوم على تقوية الحدود والتماسك الاجتماعي لمنطقة الهلال الخصيب؟ أم إنها ستبقى تدور في حلقة [ردات الفعل] الناتجة عن الأحداث المتسارعة والمفاجئة؟.

 

إقرأ أيضا