من كركوك الى “الدرعية”: مهندس فض النزاعات رجل دولة محتمل

يحاول الدكتور هشام داود الباحث في الانثربولوجيا السياسية بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في باريس،…

يحاول الدكتور هشام داود الباحث في الانثربولوجيا السياسية بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي في باريس، تفكيك الصورة التي جمعت أمس الأحد، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في منطقة “الدرعية” السعودية، والغور في دلالاتها السياسية والدينية والتاريخية، منطلقا منها الى وضع تساؤلات مهمة حول شكل المرحلة القادمة فيما يخص التحالفات العراقية المقبلة، وانعكاسها على الخريطة السياسية للبلاد.

يقول الدكتور هشام داود في حوار مع “العالم الجديد” أمس الأحد “قبل سنوات، كانت القناة الالمانية- الفرنسية الثقافية، آرته، تبث برنامجا شيقا باسم: وقفة على صورة، غايتها تفكيك حدث مهم عبر صورة. وبالامس، بثت الحكومة السعودية سلسلة صور نادرة عن زيارة السيد حيدر العبادي والسيد ابراهيم الجعفري والوفد المرافق لهما لموقع الدرعية (قصر العوجا!)”، لافتا الى أن “الدرعية كانت مقر آل سعود التاريخي وسط نجد قرب العاصمة الحديثة (الرياض)، وارتبط اسمها بالحلف (او الاتفاق) الذي ابرم بين الامير بن سعود والداعية الشيخ محمد بن عبد الوهاب (سنة ١٧٤٤). إذ يعيد المؤرخون ولادة الوهابية كنهج وتصور ديني ومجتمعي، لهذا التاريخ، ولو أن للسياقات التاريخية جذورا واسبابا اكثر تعقيدا وتشابكا. عليه، أن يزور رئيس وزراء عراقي ما بعد  ٢٠٠٥، وأحد زعماء حزب الدعوة الاسلامية، الدرعية لهو تطور لافت يستحق الوقوف عنده والتساؤل عن ابعاده”.

Image

وكان العراق والسعودية، قد اتفقا أمس الأحد، على فتح المنافذ الحدودية وتطوير الموانئ والطرق والمناطق الحدودية، ومراجعة اتفاقية التعاون الجمركي بين البلدين، ودراسة منطقة للتبادل التجاري، بموجب جلسات مجلس التنسيق السعودي العراقي، الذي وقع في الرياض، برعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي، وبحضور وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون.

كما اتفق الجانبان أيضا على العمل على تنمية الشراكة بين القطاع الخاص في البلدين، وإتاحة المجال للتعرف على الفرص التجارية والاستثمارية، وتسهيل عمليات الاستثمار، إضافة إلى تشجيع تبادل الخبرات الفنية والتقنية والبحث العلمي بين البلدين.

Image

ويستطرد داود في حديثه بالقول “ما معنى أن يزور رئيس وزراء شيعي عراقي، الدرعية؟ هل نحن امام نضج سياسي وبراغماتية باتت تحكم العراق وبعض دول المنطقة دون التمترس دائما خلف رموز مذهبية متحاربة، وهل يعني بان السعوديين قد وعوا بان الحرب المذهبية أكلت الاخضر واليابس وحان وقت التهدئة؟ أو أنها سياسة ميكيافيلية تقضي بتحييد الدول ذات القيادات الشيعية الوطنية دون الانصياع (كما يقولون) لطهران؟ وهل هي رسالة عراقية لمن يهمه الأمر بأن خياراتها (مشروع الحكومة العراقية التي أعلن عنها العبادي في الرياض)، باتت الانفتاح على كافة دول الاقليم خصوصا الأكثر أهمية، مثل المملكة العربية السعودية، وان الزيارة الثانية للسيد العبادي الى الرياض في أقل من شهرين دليل واضخ على هذه الرسالة”.

ويردف أن “اللقاء كان عراقيا- سعوديا، ولكنه ليس بمعزل عن الضغوطات الامريكية (أو كما يعبر البعض عنها بالجهود). يكفي النظر لحضور وزير خارجية الولايات المتحدة تيلرسون للرياض، ومشاركته في الاجتماع بين الزعيمين ليتحول الى لقاء عمل وتنسيق ثلاثي”، مشيرا الى أن “التطورات الحالية في المنطقة، وسيناريوهات ما بعد داعش ستغير دون شك من طبيعة العلاقات والاتفاقات بين العراق ومحطيه الاقليمي والدولي، من جهة، ومع بقية الأطراف المؤثرة في العالم من جهة أخرى، وهذا أمر لا أحد ينكره”.

وبالعودة الى الصورة المذكورة يؤكد الباحث في الانثربولوجيا السياسية بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي أن “صورة العبادي والجعفري في الدرعية تؤكد مرة اخرى عدم صحة الادعاء بأن التصنيف المذهبي والديني والاثني هي الحاسمة في مجتمعاتنا وكل زمان”، مذكرا بأن “ايران اقرب الى أرمينيا المسيحية منها لآذربيجان المسلمة الشيعية، وسوريا البعثية- القومية أقرب لايران من بلدان الخليج وبقية الدول العربية”.

Image

وحول الخريطة السياسية للبلاد وموقع العبادي منها بعد كل هذه التطورات يقول الباحث هشام داود “بعد تحرير الأراضي العراقية من داعش، واعادة فرض موازين قوى جديدة في العلاقة بين المركز الفيدرالي واقليم كردستان (للاسف دون تقديم مقترحات للخروج من الازمة)، واكتساب شرعية إقليمية ودولية، التفكير بشكل الحكومة القادمة.. الخ، أمام كل هذه التطورات البنيوية، يكون من الطبيعي أن يفكر رئيس الوزراء بآليات تميزه أكثر ليس فقط عن خصومه السياسيين، بل عن حلفاء اليوم أيضا”، مؤكدا على أن “إحدى مهمات السيد العبادي القادمة هو تحويل رأسماله الرمزي المكتسب كرجل تحرير وفرض هيبة الدولة الى ناصية جديدة تعينه في انتزاع شرعية حقيقية لادارته القادمة”.

 

ويكمل الباحث داود حديثه عبر تساؤلات “ماذا يعني أن يكون العبادي رجل دولة، وماذا يستلزم ذلك من تحالفات؟ هل لدى رئيس الوزراء الرصيد الكافي لإحداث هكذا انتقال؟ هل أن مشروع العراق الجديد الذي تحدث عنه رئيس الوزراء في المملكة العربية السعودية قادر على أن يقدمه برداء متسامح”.

وبشأن الاختلاف بين العبادي والمالكي يشير الى أن “الثاني (صاحب صولة الفرسان) في ولايته الاولى (٢٠٠٦-٢٠٠٩)، بدأ ببسط مفهومه للدولة العابرة للمذهبية بتحجيم دور الميليشيات أولا. في حين يعمل السيد العبادي فعليا على تقوية شرعية الدولة العراقية، ولكن بمحرك سياسي ديني واضح”، مرجحا في ختام حديثه لـ”العالم الجديد” أن “يكون سبب التردد وعدم الحسم ناتجا عن شعور بان المحرك الحاسم للانتخابات القادمة ما زال هو الهويات المذهبية والمناطقية التي تعود الى ما قبل الدولة والمواطنة وقبل تشكل مفهوم للفرد”.

Image

إقرأ أيضا