بوليتكو الأمريكية: عقوبات ترامب ضد ايران جاءت بنتائج عكسية على العراق

ما أن فرضت إدارة ترامب عقوباتها على ايران في السابع من شهر آب الجاري، حتى…

ما أن فرضت إدارة ترامب عقوباتها على ايران في السابع من شهر آب الجاري، حتى قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إن بلاده ستلتزم بالعقوبات على مضض. وبعد مرور أسبوع على اعلان العبادي، غرق السياسيون العراقيون في كيفية الحفاظ على العلاقات التجارية مع طهران.

والسبب، أن العراق يتقاسم مع إيران بحدودٍ طولها 1485 كيلومترا، ويمكن ان يتضرر العراق من العقوبات. حيث يعتمد البلد على جارته الشرقية في كل شيء، من امدادات الغاز الى الكهرباء مروراً بالمواد الغذائية.

ويبدو ان الولايات المتحدة قدمت خدمة مجانية الى ايران حين غزت الأخيرة بمنتجاتها الأسواق العراقية منذ عام 2003 وحتى اليوم. وتبدو هذه العقوبات شبيه بالعقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على الرئيس العراقي السابق صدام حسين مع إعفاء الأردن المجاورة له.

الأمم المتحدة اعفت الأردن من العقوبات التي مكنت العراق من ارسال نفطه اليها، فهناك حديث عن إعفاء العراق من العقوبات الإيرانية. واذا لم يحدث ذلك، وانتهك العراق شروط الالتزام بالعقوبات، فمن المرجح ان يكون البلد في دائرة النفوذ الإيراني وهذا ما يحذر منه البيت الأبيض الذي اتهم طهران في إشعال القتال بالشرق الأوسط.

العبادي الحائر بهذا القرار اكثر من ايران نفسها، والمؤيد بالوقت نفسه لامريكا، لا يمكنه تحمل فرض العقوبات، التي جاءت بنتائج عكسية عليه الأسبوع الماضي. ففي 13 آب الجاري قال في مؤتمره الصحفي الأسبوعي “لم اقل اننا سنلتزم بالعقوبات، وانما قلت اننا سنلتزم بعدم استخدام الدولار في التعاملات بين المصارف، وليس لدينا خيار آخر”.

وفرضت الولايات المتحدة العقوبات على إيران منها المعادن النفيسة مثل الذهب وصناعة السيارات وشراء الدولار الأمريكي، وهو ابعد عما أعلنه العبادي عن التجارة بالدولار. وتقول حكومة بغداد انها لم تتوصل لاتفاق بشأن ما إذا كانت ستلتزم بعقوبات أخرى او لا، فلا يزال الامر شائعة بعدم الالتزام بالعقوبات.

وواجه العبادي رداً معاكساً من السياسيين العراقيين والإيرانيين، بمجرد البدء في الامتثال للعقوبات. ووفقاً لتقارير إعلامية عراقية، فإن مسؤولي وزارة الخزانة الامريكية زاروا البنك المركزي في تموز الماضي وقالوا إن الولايات المتحدة ستعاقب أي بنك عراقي يقوم بتعاملات مالية مع ايران.

وبحسب صحيفة الوول ستريت جورنال، فإن لدى الحكومة العراقية حسابات مصرفية لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، وهذه يمكن الاحتفاظ بها من قبل واشنطن، فهذه الدولارات العراقية يعتمد عليها الاقتصاد العراقي ويمكن تجميدها اذا خالف العراق العقوبات. على الرغم من هذه الصعوبات المحتملة، ليس أمام العراق من خيار سوى انتهاك العقوبات، لعدة أسباب.

اولاً، يحتاج العراق الى غاز ايران المكرر. فقد قال وزير الكهرباء العراقي في شهر تموز من العام 2017 إن “العراق يعتمد على الغاز الإيراني لتوليد الكهرباء منذ سبع سنوات على الأقل”.

وينتج العراق الغاز الطبيعي من تلقاء نفسه، لكنه يفتقر الى التسهيلات اللازمة لمعالجته كوقود استهلاك محلي. ويشكل الغاز الذي يستقلبه العراق من ايران حوالي 20 بالمائة من الكهرباء الذي ينتجه العراق.

ولا يستوفي العراق سوى 70 بالمائة من الطلب، فقد ارسل العراق النفط الإيراني لدفع ثمن وارداته من الغاز لسداد ديون الكهرباء.

ثانياً، تعتمد امدادات المياه في العراق على تدفقات نهري دجلة والفرات حيث يحصل البلد على 98 بالمائة من مياهها السطحية، واذا اختار أن يلتزم العراق بالعقوبات الامريكية، يمكن لإيران تحويل سوى 13 في المائة من موارده المائية للعراق.

وكان وزير الموارد المائية العراقي قال لصحيفة “كولف نيوز” في نيسان إن “ما بين 20 الى 30 من مياه نهر دجلة في العراق تنبع من ايران”. وهذا يعني اذا امتثل العراق للعقوبات، يمكن لإيران بسهولة ان تقطع التدفقات المائية كما فعلت مع كردستان، بحسب تصريح وزارة الزراعة في حكومة إقليم كردستان. وهذا يعني أن حلّ موسم الجفاف الشديد بالعراق، فهذا التهديد الإيراني سيكون ليس خاملاً.

ثالثاً، غمرت ايران السوق العراقية عن عمد بواردات رخيصة مثل المواد الغذائية. وقد أدى هذا الى تقويض الزراعة العراقية من خلال تقليل الطلب على المنتجات المحلية الأكثر تكلفة.

وحتى لو توقف العراق عن شراء هذه السلع، فلن يتمكن المزارعون من انتاج ما يكفي من الامدادات في عموم البلاد، فعلى مدى السنوات الماضية، فر المزارعون العراقيون الى المناطق الحضرية بسبب نقص الطلب على محاصيلهم، وظهور تنظيم داعش في الوقت الحالي، مما شكل انخفاضاً في اعداد المزارعين.

 ولدى ايران نفوذ سياسي، فمنذ انتخابات 12 أيار الماضية، لم تتمكن النخب السياسية في العراق من تشكيل حكومة جزئية بسبب الضغوط الهائلة من طهران لتركيب سياسيين يعملون لصالحها. واذا نجح الموالون الإيرانيون في السيطرة على الحكومة الجديدة، فإنهم سيتخذون بالتأكيد قرارات تدعم المصالح الإيرانية.

وتبدو دول الخليج وتركيا، بديلاً منطقياً للتجارة الإيرانية، ومع ذلك، خففت ايران القيود العراقية ضدها من خلال تشذيب اذرع مسؤولي الحدود منذ سنوات.

 وبشكل عام، فإن دول الخليج لم تقدم لحكومة بغداد الكثير من المساعدة لتصبح اكثر استقلالية. فلم يأت مؤتمر إعادة الاعمار الذي رعته دولة الكويت لمساعدة العراق الذي انعقد في شهر شباط الماضي، بنتائج واضحة ولم يقدم ملايين الدولارات التي كان ينتظرها العراق من المؤتمر.

المصدر: بوليتيكو الأمريكية

إقرأ أيضا