خبير: صالح في باريس لتعويض زيارة ماكرون الى بغداد.. واحتضان أربيل لـ(هولاند) يكشف الصراع الداخلي في فرنسا والعراق

وصف خبير في الشأن الدولي، اليوم الثلاثاء، زيارة الرئيس العراقي برهم صالح الى باريس للقاء…

وصف خبير في الشأن الدولي، اليوم الثلاثاء، زيارة الرئيس العراقي برهم صالح الى باريس للقاء نظيره الفرنسي ايمانوئيل ماكرون، بـ”الرمزية”، والمتناغمة مع الرغبة الفرنسية الآنية أكثر منها حاجة عراقية استراتيجية وملحة، وأنها جاءت بديلا عن زيارة كان من المقرر أن يقوم بها الرئيس الفرنسي الى بغداد، بسبب حركة الاحتجاجات المستمرة في عموم البلاد. وفيما كشف عن صفقة بين بغداد وباريس حول مصير “الجهاديين” الفرنسيين في العراق، رصد عدة ملاحظات بشأن المؤتمر الصحفي بين الرئيسين، أبرزها رغبة الإدارة الفرنسية الحالية بإيلاء أهمية أكبر لدور بغداد المحوري كمقرر لسياسة الدولة الفيدرالية، بالاضافة الى إظهار الموقف الفرنسي المغاير لنظيره البريطاني والامريكي من بعض قضايا المنطقة، ومنها الموقف من حزب الله اللبناني، مستغربا من تزامن المناسبة مع زيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الى أربيل، والتي عدها مؤشرا، ليس على التدافع السياسي الفرنسي الفرنسي، بل العراقي العراقي والكردي الكردي أيضا.

ويقول الباحث بالانثروبولوجيا السياسية في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية الدكتور هشام داوود، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الرئيس العراقي برهم صالح وصل مساء الاحد الى باريس في زيارة عمل، بدلا من تلك التي كان مزمعا ان يقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون الى بغداد في ذات التوقيت، بسبب استمرار التظاهرات والاحتجاجات في فرنسا، وعدم استقرار الأوضاع السياسية التي حالت دون ذلك”.

ويرى داوود، أن “الزيارة رمزية في العديد من أوجهها، حيث لا تجهل باريس ان مركز القرار الحقيقي في العراق هو بيد رئاسة الوزراء، لذلك لم تبخل في الآونة الاخيرة بارسال أهم وزرائها الى بغداد للقاء السيد عادل عبد المهدي مباشرة، أما محطة باريس في زيارة الرئيس العراقي، فما هي إلا الجزء الرمزي والاعتباري من العملية، والتي ستنتهي في المستقبل غير البعيد في بغداد بتوقيع مذكرة تفاهم استراتيجية بين العراق وفرنسا بحضور ايمانوئيل ماكرون وعادل عبد المهدي”.

ويضيف أن “هناك شقا آخر للزيارة أكثر براغماتية بالنسبة لباريس، وهو شرعنة تسليم الجهاديين الفرنسيين المعتقلين في سوريا لمحاكمتهم في العراق، ففرنسا قلقة من رجوع هؤلاء الجهاديين، وأن وجود برهم صالح ووقوفه الى جانب الرئيس الفرنسي في الايليزيه، وتصريحه بأن العراق هو الذي طلب تسليمه الجهاديين الفرنسيين، جاءت لإنقاذ باريس من حرج محقق، مقابل حصول العراق، حسب تسريبات عدة، على مساعدات لوجستية وتسهيلات، وتفهم فرنسي اكبر لمواقف بغداد في المنطقة”، مؤكدا أن “الزيارة تستجيب للرغبة الفرنسية الآنية أكثر من كونها حاجة عراقية استراتيجية وملحة”.

ويبين الباحث في المركز الفرنسي للبحوث العلمية “بالفعل، صرح ماكرون أمس الاثنين، في مؤتمره الصحفي بان من حق العراق ان يدافع عن موقفه الحيادي في المنطقة، وان تكون له علاقات مع سوريا وإيران، وأنه سيلعب دورا أساسيا في خريطة المنطقة، للتخفيف من الضغط الأمريكي على بغداد، وعدم ترك العراق مجددا كساحة للصراعات الاقليمية والدولية، لكن هل لدى فرنسا القدرة على إحداث هذا التحول، وخلق انفراج مرتجى في العلاقات المتوترة في المنطقة؟ العديد من المختصين يشكون في ذلك”.

ويستطرد “في سياق متصل، ذكر ماكرون تصريحا مهما آخر، حيث كرر موقف بلاده من جديد بشأن التفريق بين الجناح السياسي والعسكري لحزب الله اللبناني، إذ يعتبر الثاني إرهابيا فيما يعتبر الأول جناحا سياسيا، في مغايرة للموقف الامريكي والبريطاني الذي اعتبر حزب الله حزبا ارهابيا بكلا جناحيه، العسكري والسياسي”.

ويسجل الباحث العراقي في الأنثربولوجيا السياسية استغرابه من “التزامن بين زيارة برهم صالح الى باريس، وزيارة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند الى اربيل للمشاركة في نشاط تشرف عليه مؤسسة روداو للاعلام (القريبة من حكومة إقليم كردستان العراق)، فقد كان يمكن لهاتين الزيارتين ان تظهرا بشكل أكثر تنسيقا، بحيث لا نرى من خلالهما ملامح التدافع الفرنسي الفرنسي، أو الكردي الكردي، وأن لا يقلل من شأن العراق كدولة جامعة، وخصوصا في الوقت الذي تسدد فيه بغداد خدمة كبيرة لباريس عبر استيعاب جهادييها المطلخة أيديهم بدماء أبناء المنطقة”، لافتا الى أن “الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون حاول إزاحة مثل هذا الارتباك عندما صرح بان زيارة فرانسوا هولاند الى أربيل شخصية، حتى ولو جرت تحت حماية القوات الفرنسية (وهو عرف متبع وبقية الدول الغربية)، لأن باريس تعترف بان علاقاتها مع العراقيين تمر عبر بغداد، دون أن تتجاهل واقع المكونات الاخرى، وهو بذلك اظهر دعما أكبر لدور بغداد المحوري كمقرر لسياسة الدولة العراقية الفيدرالية”،

وفي قراءة معمقة للمفارقات التي صاحبت المؤتمر الصحفي للرئيسين، يشير داوود الى أن “كلمة ماكرون في المؤتمر الصحفي كانت مكتوبة ولم تدم سوى سبعة دقائق، أما كلمة برهم صالح فجاءت مرتجلة ومفككة بعض الشيء بالمقارنة بلقاءات رؤساء دول”، بل ان الرئيس العراقي وصل المؤتمر الصحفي ولم يعرف حتى بعدد الجهاديين الفرنسيين الذين سلمتهم القوات الكردية في سوريا لبغداد، الا بعد أن سال احد مرافقي الرئيس العراقي اعلاميا فرنسيا مشهورا كان حاضرا في المؤتمر الصحفي، هذا لم يمنع بطبيعة الحال الرئيس صالح من التصريح بعد دقائق بأن من حق بلده محاكمة هؤلاء المجرمين الملطخة أيديهم بدماء العراقيين، في حين كان الجميع في باريس يعرف بأن ذلك تم مقابل مساعدات وتسهيلات من الجانب الفرنسي للعراق”.

ويلاحظ، أن “ماكرون حين تلقى سؤالا محرجا حول موقف بلده من حزب الله اللبناني بعد تصنيف بريطانيا للحزب، بجناحيه العسكري والسياسي، كفصيل ارهابي، حتى سلم أحد مستشاري الرئيس الفرنسي ورقة تحمل بعض السطور المكتوبة باليد، لتساعده في صياغة اجابة رسمية تعبر عن موقف بلده، في المقابل، نلاحظ غياب العمل التخصصي حول الرئيس العراقي، كما هو الحال مع معظم المسؤولين العراقيين”، معربا عن أسفه لـ”اختزال دور رئيس الدولة، بما يشبه سكرتير دولة للشؤون الخارجية”.

وينوه الى أن “الرئيس برهم صالح طالب اليونسكو بالعمل على إرجاع الآثار العراقية المنهوبة اليه، ولكنه تجاهل قبل أكثر من شهرين دعواتنا للتدخل لدى الأمريكان لانقاذ جدارية نمرود التي بيعت في مزاد كريستي بنيويورك”.

ويستغرب داوود تحدّث صالح في المؤتمر الصحفي باسم “زملائه” في الوفد العراقي، وكأن الامر يتعلق بأكثر من رئيس في الوفد، أو أنه لا يشعر حتى اللحظة بنفسه رئيسا،  بفعل القاعدة الانتخابية الضيقة له، بالاضافة الى رفض أربيل المستمر له كممثل لجميع أبناء المكون الكردي، ما يترك اثره حتى على ادائه الخارجي واستقبال العالم له” موضحا ان “اربيل (وجزءا من السليمانية) تعمل بكل جهد لترى برهم صالح اقرب الى نسخة طه محي الدين معروف (نائب كردي لصدام) منه الى مام جلال (أول رئيس جمهورية دائم وكردي للعراق)”.

وكان الرئيس برهم صالح وصل، فجر الاثنين، إلى باريس تلبية لدعوة رسمية من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، حيث عقدا مؤتمرا صحفيا عقب لقائهما الأول، بعد أن كان مقررا للأخير القيام بزيارة رسمية الى بغداد.

وتأتي الزيارة بالتزامن مع مرور سنة على الإعلان عن تحرير جميع الأراضي العراقية من أيدي تنظيم “داعش” الإرهابي، فضلا عن أن العلاقات بين البلدين تمر بمرحلة جيدة، عّبرت عنها المشاركة العسكرية الفرنسية النشطة ضمن قوى التحالف الدولي ضد التنظيم، وأيضاً إشراف قوات فرنسية على تدريب وتكوين الجيش العراقي.

إقرأ أيضا