خدعة أم حقيقة.. ما قصة “الرقابة” و”الاشراف” على الانتخابات؟

كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة عن طلبات متكررة لدول غربية تقدمت بها منذ شهرين الى الحكومة…

كشفت مصادر دبلوماسية رفيعة عن طلبات متكررة لدول غربية تقدمت بها منذ شهرين الى الحكومة العراقية بضرورة إرسال الأخيرة طلبا رسميا الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لـ”الإشراف” على الانتخابات التشريعية المرتقبة، في ظل مماطلة الحكومة، وإعلانها عن تقديم رسالة الى مجلس الأمن الدولي لدعوته الى “مراقبة” الانتخابات، وفي عمق الفرق الكبير بين المصطلحين، أثار هذا الأمر حفيظة عدد من القوى السياسية، فبدأت بتحركات محلية ودولية كبيرة للحيلولة أمام أي محاولة لإشراف دولي ينال من حضورها السياسي، في حين حذر رئيس سابق للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات من “عقوبات دولية” في حال ثبوت “تزوير” الانتخابات.

وتقول المصادر، في حديث لـ”العالم الجديد” إن “دولا غربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، اقترحت على الحكومة العراقية قبل نحو شهرين، ارسال رسالة الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي من أجل الإشراف على الانتخابات المرتقبة، للمساعدة في إجراء انتخابات نزيهة، تشجع العراقيين على المشاركة“.

وتوضح أن “التوقيت مهم جدا من أجل أن تبدأ الأمم المتحدة باتخاذ الاجراءات اللازمة لإتمام عملية الاشراف، وأنها من دون هذا الطلب الرسمي لن تتمكن من التحرك إطلاقا، وأن هذه الدول تحاول الضغط على الحكومة لكسب الوقت، نظرا لقرب موعد الانتخابات، حيث يحتاج الاشراف الى تحضيرات تقترب من ثمانية أشهر، وتتمثل بتشكيل فريق يزور العراق يضع آلية انتشار وميزانية، ويقوم بتعاقدات مع شركات أو شخصيات لتوفير الاجهزة المستخدمة، فضلا عن الكثير من الأمور اللوجستية الأخرى”، لافتا الى أن “الحكومة العراقية ظلت تماطل منذ شهرين، وقد يعود ذلك الى معارضة القوى السياسية لمثل هكذا طلب، ما قد يضيع فرصة الإشراف الدولي“.

وقبل يومين، حصلت “العالم الجديد” على فحوى رسالة المرجع الديني الأعلى في النجف علي السيستاني التي وجهت الى زعماء للقوى السياسية الشيعية عبر مكتبه، حثهم فيها على “إجراء انتخابات ذات مصداقية لجميع العراقيين، تكون مقنعة لهم بالمشاركة فيها ولا يرفضون نتائجها، وأن يكون هناك دور للأمم المتحدة، في المراقبة والرصد، مع الحفاظ على سيادة البلد واستقلاله“.

ما الفرق بين الاشراف والمراقبة؟

يوضح رئيس مفوضية الانتخابات السابق والخبير بشؤون الانتخابات عادل اللامي في حديث لـ”العالم الجديد” الفرق بين المصطلحات التي برزت مؤخرا “المراقبة والاشراف“.

ويبين بصورة تفصيلية “بدايةً يجب التفريق بين الإشراف والمراقبة والمساعدة التقنية، فالأول (الإشراف) يعني التدخل المباشر بالعمل مثل الإشراف على مركز تجميع النتائج أو الإشراف على سجل الناخبين، أي لدى الخبير الدولي حق الاعتراض على اجراء او قرار من المفوضية إذا لم يكن متماشياً مع المعايير الديمقراطية الدولية او الدستور العراقي“.

ويتابع “الثاني (المراقبة) هو مراقبة سير العملية الانتخابية من حيث تطابقها مع المعايير الديمقراطية الدولية، مثل حضور عملية توظيف كبار الموظفين الانتخابيين أو مراقبة جدول العمليات الانتخابية او مراقبة بعض مراكز التصويت عشوائياً، وغالباً ما يصاحب هذه العملية تقييم لها وتسمى المراقبة والتقييم، فترفع الجهة المراقبة سواء كانت من الأمم المتحدة او اي منظمة مرخّصة تقرير يقيم العملية الانتخابية إيجاباً او سلباً“.

ويلفت الى ان “الوجه الثالث لدور الأمم المتحدة يتمثل بتقديم المساعدة الانتخابية الفنية، من خلال رفد المفوضية بالخبراء في مجال تكنولوجيا المعلومات او خبراء في تقسيم الدوائر او خبراء قانونيين وغيرها“.

ويستطرد، أن “الانتخابات الأولى التي أدرناها في انتخابات الجمعية الوطنية والاستفتاء على الدستور وانتخابات الدورة البرلمانية الأولى في عام 2005، كان دور الأمم المتحدة هو تقديم المساعدة الانتخابية الفنية وكان ممثل الأمم المتحدة العضو التاسع في المفوضية وغير مصوّت”، متابعا “من هنا يعترض بعض السياسيين او الكيانات السياسية على الإشراف وليس المراقبة، خوفاً من كشف الأمم المتحدة لحالات التزوير والخلل“.

ويضيف “في ما يخص دور مجلس الأمن وطلب الحكومة من مجلس الأمن التدخل فهو غير واضح لحد الآن، هل هو طلب إشراف او مراقبة، وبكل الأحوال فهو طلب فريد من نوعه وقد يؤدي إلى وضع العراق تحت طائلة العقوبات او تحت طائلة اي اجراء عقابي اخر في حال ثبوت عمليات تزوير منظم من قبل كيانات سياسية او ربما في حالة مقاطعة شبه شاملة للانتخابات“.

وفي 27 كانون الثاني يناير الماضي، أعلن وزير الخارجية فؤاد حسين خلال لقائه رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى بغداد مارتن هيث، أن “الخارجية بعثت رسالة إلى مجلس الأمن حول طلب الرقابة الانتخابية”، فيما أشار هيث في وقتها إلى أن “بعثة الرقابة الانتخابية التي سيرسلها الاتحاد الأوروبي المكونة من 6 أشخاص ستنطلق من بروكسل الى بغداد وستستمر مهمتها في العراق لمدة أسبوعين“.

وكان مجلس الوزراء، وافق في 18 كانون الثاني يناير الماضي، على مقترح مفوضية الانتخابات لتمديد موعد إجراء الانتخابات من شهر حزيران يونيو المقبل شهر تشرين الاول اكتوبر، وحدد المجلس العاشر من اكتوبر موعدا لاجرائها، نظرا للأسباب التي قدمتها المفوضية والمتضمنة منح الفرصة لتشريع قانون المحكمة الاتحادية ومنح وقتا أطول للناخبين من تحديث بياناتهم، وبحسب المتحدثة باسم المفوضية جمانة الغلاي لـ”العالم الجديد” في وقت سابق فأن “القرار عملي وجاء حرصا على إجراء انتخابات متكاملة ونزيهة ودون أي تدخل للتوافقات السياسية“.

القوى السياسية.. رفض ومساع “منفردة

البداية من ائتلاف دولة القانون، الرافض الأبرز للإشراف الدولي، إذ يقول النائب عنه، كاطع الركابي، في حديث لـ”العالم الجديد” إن “أي دولة ذات سيادة ومستقلة سترفض إشراف الأمم المتحدة على انتخاباتها، فالعراق ليس تحت وصاية المنظمة الدولية، حتى يتم الاشراف على انتخاباته، إذ جرت العادة ان يكون دور الأمم المتحدة هو المراقبة، كسائر منظمات المجتمع المدني العراقية والمنظمات الدولية الاخرى“.

ويضيف الركابي، أن “الإشراف، هو اعتداء صارخ على الدولة”، مبينا أن “لقاء زعيم الائتلاف نوري المالكي مع السفير الروسي في بغداد هو بهذا الشأن“.

ويكشف أن “لقاء اخر سيجري مع السفير الصيني في بغداد، وهذا بهدف الحصول على فيتو روسي وصيني حول رقابة مجلس الامن الدولي على الانتخابات، حيث تم التوجه له مؤخرا“.

 

وكان زعيم الائتلاف نوري المالكي، التقى في 3 شباط فبراير الحالي، السفير الروسي في بغداد مكسيم ماكسيموف، وبحسب البيان الذي صدر عن مكتبه آنذاك، فان اللقاء شهد التأكيد على ان تحظى الانتخابات بالرقابة الدولية دون المساس بسيادة العراق، وأن “يكون لروسيا الصديقة موقفا داعما للعراق وحاميا لوحدته وسيادته في مجلس الأمن الدولي”، بحسب البيان.

وتعد هذه الانتخابات المبكرة، المزمع إقامتها في تشرين الأول اكتوبر المقبل، الرهان الأكبر للحكومة والقوى السياسية، كونها كانت المطلب الأهم والأبرز للاحتجاجات العراقية التي انطلقت في تشرين الأول اكتوبر 2019، وأدت الى استقالة الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، وتكليف مصطفى الكاظمي بتشكيل حكومة مهمتها الأولى التهيئة لإجراء انتخابات مبكرة.

وبالانتقال الى التيار الصدري، فقد دعا زعيمه مقتدى الصدر في 28 تشرين الاول اكتوبر 2018، عبد المهدي قبل تقديم استقالة حكومته، في تغريدة عبر حسابه بموقع تويتر “على الأخ عادل عبد المهدي الحضور تحت قبة البرلمان للإعلان عن انتخابات مبكرة، وبإشراف اممي، وبمدد قانونية غير طويلة“. 

وحول موقف تحالف سائرون، وهو الجهة السياسية المرتبطة بالتيار الصدري، في هذا الوقت بالتحديد، يقول النائب عن التحالف، بدر الزيادي في حديث لـ”العالم الجديد” إن “التحالف ليس مع الإشراف الأممي على الانتخابات بل المراقبة، وهناك فرق كبير بين الاشراف والمراقبة، فالاخيرة تمثل مساعدة أممية، والاولى تتعلق بالدول التي لا سيادة لها“.

ويلفت الزيادي، الى أن “الهدف من المراقبة الأممية على الانتخابات هو قطع الطريق على المشككين بوجود التزوير فيها، وكذلك كسبها دعما دوليا ويعطي اي حكومة مستقبلية ناتجة عن هذه الانتخابات دعما دوليا“.

وكانت “العالم الجديد” قد أشرت في وقت سابق، وجود تضارب رسمي بشأن أعداد الناخبين، ففيما ترى المفوضية أنهم يبلغون أكثر من 25 مليونا، أعلنت وزارة التخطيط بأن أعدادهم بلغت 22 مليونا، ويعود السبب الى ملف المتوفين والمهاجرين، التي لم تعالج لغاية الان.

إقرأ أيضا