السمنت العراقي.. تعهدات “أوقفت” المستورد والنفط تستحوذ على 25% من أرباحه

تسلط “العالم الجديد” الضوء على صناعة السمنت العراقي، والمعوقات التي تقف خلف تطويره وتخفيض ثمنه…

تسلط “العالم الجديد” الضوء على صناعة السمنت العراقي، والمعوقات التي تقف خلف تطويره وتخفيض ثمنه محليا، في ظل ذهاب 25 بالمائة من قيمة انتاجه الى وزارة النفط لقاء تزويد المعامل الحكومية البالغ عددها 18 معملا بالنفط الأسود، وذلك عقب نجاح المساعي بإيقاف السمنت المستورد.

ويقول رئيس جمعية مصنعي السمنت ناصر ادريس في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “معامل صناعة السمنت في كل دول العالم، تحصل على النفط مجانا لدعم الصناعة، لكن في العراق، يتم احتساب النفط بمقابل مادي، ويبلغ سعره للمعامل الحكومية 150 دينارا للتر الواحد، وهذا السعر كان اقل بـ50 بالمائة في الاعوام الماضية”.  

ويضيف أن “استهلاك معامل السمنت من النفط، يبلغ 500 مليون لتر سنويا، وعليه يكون السعر الاجمالي الذي تسلمه المعامل لوزارة النفط هو 75 مليار دينار (نحو 50 مليون دولار)، أي ما نسبته 25 بالمائة من نسبة الانتاج، وعليه في حال تم اعطاء النفط مجانا للمعامل، فان سعر طن السمنت سيبلغ 70 الف دينار بدلا من 90 الف دينار”.

ويشير الى تقديمه بـ”طلب إعادة سعر النفط الأسود الى ما كان عليه، لكن وزارة النفط ترفض وتتذرع بارتفاع بأسعار الدولار”، مبينا أن “إنتاج الطن الواحد من السمنت، يستهلك ما كلفته 15 الف دينار من النفط الأسود”.

ويلفت الى أن “انتاج السمنت كحصيلة سنوية للعام الماضي، بلغ 30 مليون طن، بينما كان للستة اشهر الحالية 15 مليون طن، بالوقت الذي كان فيه خلال السنوات السابقة وتحديدا في 2012، نحو 12 مليون طن”.

يشار الى ان السنوات التي تلت عام 2003، شهدت السوق العراقية انتشار العديد من انواع السمنت المستورد، وابرزها الايراني، خاصة وان ثمنه أرخص من ثمن السمنت المحلي.

وحول ما تعرض له السمنت المحلي، والمراحل الي سبقت صدور قرار منع السمنت المستورد، والتعهدات التي قدمت مقابل هذا القرار، يكشف مصدر مطلع لـ”العالم الجديد”، عن تلك الخفايا، قائلا إن “دخول السمنت المستورد الى العراق بكلفة أقل من السمنت المحلي، هدد الصناعة الوطنية بالانهيار، وخاصة السمنت الايراني، فهو أقل كلفة بكثير من العراقي، الامر الذي ادى الى توجه المواطنين نحوه”.

ويبين “منذ عام 2012 لغاية 2016، سعت الشركة العامة للسمنت، بجمع المصانع الحكومية الـ18 مع مصانع القطاع الخاص والبالغ عددها 8، والتي أنشئت بعد 2003 وتنضوي تحت عنوان جمعية مصنعي السمنت في العراق”، مبينا ان “الشركة ضمت القطاعين الخاص والعام، وأجرت كشوفات لمعرفة الطاقات الانتاجية للمعامل مجتمعة لتقديمها للجنة الشؤون الاقتصادية في العراق لكي يحاججوا وزارة التخطيط والتجارة باعتبارهم يملكون الطاقة الانتاجية الكافية للبلاد من الاسمنت، ولا توجد حاجة للمستورد”.

وينوه “بعد دراسة واحصائيات تبين ان انتاج العراق يصل الى 40 مليون طن، بينما حاجة البلد حسب وزارة التخطيط هي 20 مليون طن، وذلك في عام 2015 وبعد تقديم البيانات لمجلس الوزراء تمت المطالبة بمنع الاستيراد لهذه المادة والاعتماد على انتاج البلد، كما قدمت ايضا ورقة خاصة بكمية استهلاك العراق من السمنت المستورد، حيث تبين انه البلد يستورد سنويا 12 مليون طن وعند ضربها بـ50 دولارا، يكون الناتج النهائي 600 مليون دولار سنويا تذهب الى ايران بشكل مباشر، بينما يستطيع العراق توفيرها بكل سهولة لوجود نوعية التراب الافضل لديه وباقي المواد الاولية، كما ان الخبرات ايضا موجودة وعلى اثرها صدر قرار منع استيراد السمنت المرقم 409 لسنة 2015 وتم تنفيذه ورقيا عام 2016 وعمليا في النفس العام بالشهر التاسع”.

ويلفت الى ان “قرار منع الاستيراد قابلته شروط يجب على الشركة العامة للسمنت العراقية تنفيذها، حيث أعطت تعهدين لمجلس الوزراء اولهما ان اكتفاء البلاد من مادة السمنت، والثاني ان سعر الاسمنت بالنسبة للطن الواحد يجب ان لا يتجاوز 90 الف دينار، وقد تم الالتزام به لغاية ارتفاع الدولار، حيث اصبح سعر الطن الواحد الان 92 الف دينار”.

وعن تاريخ صناعة السمنت في العراق، يبين المدير العام للشركة العامة للسمنت العراقية علي زيدان في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “صناعة السمنت من الصناعات الاستراتيجية في العراق، حالها حال النفط، وكل موادها الاولية وخبراتها متوفرة محليا ولا نحتاج لاي شيء من خارج العراق، لاسيما وان عمر هذه الصناعة 85 عاما، حيث تأسس اول معمل بالعراق عام 1936 باسم معمل بغداد”.

ويضيف ان “الشركة العامة للسمنت العراقية، كانت عبارة عن 3 شركات قبل عام 2016 اي قبل اجراءات التقشف والدمج ما بين الوزارات، وهي الشركة العامة للصناعات الجنوبية والشركة العامة للسمنت العراقية والشركة العامة للسمنت الشمالية، ولكن بعد الدمج اصبحت هذه الشركات تحت مسمى واحد وهو الشركة العامة للسمنت العراقية وتضم 18 معملا، ستة منها في نينوى وواحد في كركوك و3 في الانبار و8 موزعة في المحافظات الجنوبية”.

ويتابع “تنتج هذه الشركة جميع انواع السمنت العادي والمقاوم”، موضحا ان “العراق كان في ثمانينيات القرن الماضي، من اوائل المصدرين بالشرق الاوسط للسمنت، حيث كانت تصل صادراته الى 7 ملايين طن قبل الحصار الاقتصادي، وكان يحقق اكتفاء ذاتيا، كما انه بعد حرب العام 1991، تمت إعادة بناء جميع الجسور والطرق المدمرة اعتمادا على السمنت العراقي، وهي الصناعة الاولى بالعراق التي حققت الاكتفاء الذاتي”.

وبشأن مادة الكلنكر، التي استوردها العراق مؤخرا بكميات كبيرة، فيبين زيدان ان “هذه المادة تسمى المادة النصف مصنعة من السمنت، حيث ان كلفة الايادي العاملة لاستخراجها مرتفعة، وعلى سبيل المثال فان معملا واحدا لانتاجها يحتاج الى 150 عاملا لتشغيله، وهذه كلها تضاف على كلف الانتاج”، مضيفا أن “الكلنكر يحتاج الى وقت وجهد اكثر لحين جاهزيته، وعليه فان بعض المعامل المستثمرة وبعض القطاع الخاص، ولكي يقللوا من التكاليف يقومون باستيراد هذه المادة بكلفة اقل، وبعدها يقومون بطحنها وحرقها لتصبح اسمنتا، في حين لا تستورد المعامل الحكومية هذه المادة نهائيا، بل لديها خطوط ومكائن لاستخراجها”. 

وأعلنت وزارة النقل، امس الاول الاثنين، عن استقبال ميناء ابو فلوس التجاري عدداً من الجنائب المحملة بمادة الكلنكر، التي تستخدم كمادة أساسية في صناعة السمنت، حيث بلغت عدد الكميات المستوردة أكثر من 15 ألف و700 طن.

إقرأ أيضا