قاتل صامت.. أدوية مغشوشة تهرب من دولة جارة وتباع بـ100 ضعف سعرها الحقيقي

تحوّل ملف الأدوية المهربة الى أزمة كبيرة في العراق، في ظل عجز المؤسسات الرسمية عن…

تحوّل ملف الأدوية المهربة الى أزمة كبيرة في العراق، في ظل عجز المؤسسات الرسمية عن صد هذه الموجة التي تضاعفت بعد تفشي فيروس كورونا، حيث نالت العقاقير الخاصة بعلاج الفيروس الحصة الأكبر من التهريب، إذ يُشترى أحد تلك العقاقير المغشوشة من تركيا بـ30 سنتا ليباع في العراق بـ35 دولارا، وفيما عزا مسؤولون الامر الى ضعف الرقابة الحدودية، كشفت مصادر أن عمليات التهريب تتم عبر منافذ إقليم كردستان.

 

ويقول نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “للنقابة جولات تفتيش متواصلة على الصيدليات، بلاضافة الى متابعة الدواء المستورد من القطاع الخاص عبر وزارة الصحة، لكن ضبط انتشار تلك الأدوية صعب جدا بسبب فتح المنافذ الحدودية على مصراعيها“.

 

ويضيف الهيتي، أن “هناك مافيات عالمية مختصة بالتهريب وتبييض الأموال، وبالتالي فمن الممكن جدا أن تدخل أدوية بهذه الطريقة، َلكن الحل لا يكمن في إيقاف شرطي أمام كل صيدلية أو مذخر“.

 

ويوضح “لقد اقترحنا على رئيس الوزراء مشروعا يسمى الدولار الدوائي، وهو يعني ان الدواء الذي يستورد من القطاع الخاص يبلغ 1200 دينار لكل دولار (السعر القديم)، بدلا من 1470 دينارا لكل دولار (السعر الجديد)، من أجل وضع حد للأدوية غير المشروعة التي ستواجه فرقا كبيرا بالسعر حينها“.

 

ويرتبط العراق عبر 24 منفذاً حدودياً بريا وبحرياً مع الدول الست المجاورة له، وهي الكويت، السعودية، الأردن، سورية، تركيا، وإيران، وبحسب عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، فقد صرح العام الماضي أن التقديرات التخمينية تشير الى ان ايرادات المنافذ الحدودية تتراوح من 12-16 مليار دولار سنويا، لكن ما يصل الى خزينة الدولة اقل من ملياري دولار اي فقدان اكثر من 10 مليارات دولار  على الاقل.

 

وفي 12 تموز يوليو الماضي، أعلن الكاظمي، أن “الحكومة ستلاحق الأشباح التي كانت تنقل شاحنات البضائع من دون دفع رسوم جمركية”، وأمر بإطلاق النار عليهم، وذلك خلال زيارته الى منفذ مندلي الحدودي مع ايران، في محافظة ديالى شرقي العراق، وبعدها بثلاثة أيام زار الكاظمي محافظة البصرة، وأعلن منها أن موانئ العراق ستكون تحت سلطة الدولة، مشيرا إلى أن الجيش سيحمي المنافذ.

 

ويعود ملف الأدوية المهربة الى العام 2003، حيث نشطت مافيات تهريب الدواء للعراق، وبيعه بأسعار منخفضة، بالاضافة الى الأدوية المغشوشة، وباتت تباع في المناطق الشعبية في “البسطات” من قبل أشخاص وباعة جوالين، لا علاقة لهم بالطب او الصيدلية.

 

ويوم أمس السبت، سلطت “العالم الجديد”، الضوء على ملف انهيار الانتاج الزراعي العراقي، في ظل وفرة المنتوج المستورد، وبحسب وزارة الزراعة فانها حملت اقليم كردستان مسؤولية دخول المنتجات الزراعية عبر منافذه الحدودية، رغم وجود قرار بمنع الاستيراد.

 

من جانبه، يوضح الطبيب الاختصاص أحمد جواد في حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك تهريبا كبيرا للأدوية يتم عبر منافذ العراق، ومنها دواء ريمديسيفير الذي يدخل في علاج فيروس كورونا، الذي يدخل للعراق عبر التهريب بعد ختمه من قبل تركيا“.

 

ويبين أن “هذا الدواء علاج ثانوي لفيروس كورونا، لكنه بالأساس مغشوش، حيث يتم شراؤه بـ30 سنتا من تركيا، ويباع في العراق بمبلغ يصل إلى 35 دولاراً”، مبينا “حصلت حالات وفيات كثيرة نتيجة لهذا الدواء وغيره من الأدوية المغشوشة المهربة لداخل العراق من قبل تجار كبار“.

 

يذكر أن الجهات المعنية، دائما ما تعلن عبر بيانات رسمية عن إحباط عمليات تهريب الأدوية من خارج الحدود، وخلال العام الماضي فقط، اعلن عن ضبط 100 طن من الأدوية المهربة.

 

يشار الى أن النائب باسم خشان، كشف في وقت سابق، أن ما يدخل إلى العراق من أدوية بشكل رسمي لا يتجاوز 30 بالمائة فقط، وبقية النسبة هي أدوية مهربة.

 

وحول هذا الأمر، يشير المتحدث باسم هيئة المنافذ الحدودية علاء القيسي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، الى أنه “بالنسبة للادوية التي يتم ضبطها في المنافذ الحدودية، فيتم تشكيل لجنة بخصوصها من قبل الجهات المعنية والساندة ويتم اتلافها فوراً“.

 

ويؤكد أن “المنافذ الاتحادية تحت السيطرة بشكل تام، بل حتى ان الادوية المهربة التي تأتي مغلفة يتم فصحها وكشفها وبعد احباط عملية التهريب تتم إحالة الاشخاص المسؤولين عليها للقضاء”، موضحا أن “لقاحات كورونا يتم ادخالها عبر منفذ رسمي واحد وهو من مطار بغداد الدولي، وبعدها تنقل إلى وزارة الصحة وتوزع إلى المواطنين في جميع مناطق العراق“.

 

وينوه الى أن “الرقابة مشددة بشكل تام وجميع المواد المهربة هي تحت سيطرتنا، ويتم التصرف بها، وفقا للضوابط القانونية والكل يتم إحباطها واتلافها حتى وان كانت مخبأة“.

 

وكان المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر، أكد في تصريح صحفي بكانون الاول ديسمبر 2020، انه “لا نستطيع إنكار وجود عمليات تهريب للأدوية إلى البلاد، فتهريب الأدوية ملف خطير يواجه الدولة ويعرضها للدخول في قضايا حساسة تتعلق بحماية أرواح الناس وانتهاك حقوق الانسان، لكن يجب على الرأي العام أن يفهم عمل وزارة الصحة، فهي غير مسؤولة عن ضبط المنافذ الحدودية“.

 

الى ذلك، يؤكد مصدر مطلع في هيئة المنافذ الحدودية خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “اغلب الادوية المهربة في السوق العراقية تدخل عبر منافذ اقليم كردستان التي لا تخضع إلى سلطة الحكومة الاتحادية“.

 

ويشير المصدر، الى ان “عمليات التهريب بين محافظة وأخرى ايضا موجودة، حيث يتم تمريرها بسهولة للانفتاح الموجود في الحدود بين المحافظات”، متابعا ان “اغلب عمليات التهريب تجرى من تركيا للعراق عبر منافذ الاقليم“. 

 

يشار الى ان ملف منافذ اقليم كردستان لم يحسم لغاية الان بين حكومتي بغداد واربيل، رغم انه كان أساس الجدل الذي أثير خلال اقرار موازنة العام الحالي، حيث طالبت العديد من القوى السياسية بإخضاع المنافذ في الاقليم لسيطرة الحكومة الاتحادية، وهو ما تم رفضه والاكتفاء بمنح الاقليم إيرادات المنافذ للحكومة الاتحادية، وهو ما لم ينفذ ايضا لغاية الان.

وفي وقت سابق من العام الماضي، أعلن القضاء العراقي عن إصدار أحكام بالسجن بحق متورطين بعمليات تهريب أدوية وتلاعب بأسعارها، من بينهم مسؤول بارز في هيئة الجمارك بأحد المطارات، أدين بالتورط في إدخال أدوية مهربة للعراق، كانت قادمة من سورية على أنها ملابس مستوردة، إلى جانب آخرين متورطين بإدخال أدوية مهربة عبر ميناء البصرة على مياه الخليج العربي جنوبي البلاد، فضلا عن متورطين آخرين بشبكات ترويج لتلك الأدوية.

وفي العام 2020، أعلنت السلطات عن حملات كبيرة لضبط الأدوية المهربة، وصل حجمها إلى نحو 100 طن، كان آخرها نهاية الأسبوع الماضي، حيث ضبطت 19 شاحنة أدوية من إيران في محافظة ديالى، شرقي البلاد، سلكت منافذ غير رسمية.

ويبلغ طول الشريط الحدودي بين العراق وإيران أكثر من 1400 كيلومتر، وهو أطول سلسلة حدود تربط العراق مع جيرانه، فيما تلعب الخلافات السياسية في البلاد دوراً في عدم ضبط الحدود، ما يساعد على رواج تجارة التهريب.

وأعلنت مديرية الاستخبارات العسكرية، في 14 تشرين الأول أكتوبر 2020، إحباط  ما وصفتها بـ “أكبر عملية تهريب للأدوية” في ديالى، محملة بـ19 شاحنة، إذ ذكرت المديرية في بيان، أنه “ضمن جهودها لتعزيز واردات الدولة وإحباط عمليات التهريب والإضرار بالاقتصاد العراقي بمعلومات استخبارية ومتابعة دقيقة، تمكنت مفارز قسم الاستخبارات العسكرية في قيادة عمليات ديالى واستخبارات الفوج الثاني من لواء مغاوير القيادة من إحباط أكبر عملية تهريب للأدوية محملة بـ 19 شاحنة“.

وكان وزير الصحة السابق جعفر علاوي، إن حجم أموال الأدوية التي تُهرَّب إلى العراق تُقدَّر بما بين 5 إلى 7 مليارات سنوياً. وأضاف في مقابلة تلفزيونية العام 2020، إن الوزير الذي سبقه (علاء العلواني) استقال من منصبه بسبب ضغوط ومساومات كبيرة.

وتحدثت مصادر في حينها عن أن استقالة علاوي بعد أقل من سنة من استلامه منصبه، أتت بسبب عقود الأدوية واللقاحات وخلافه مع “مافيات” حول طريقة استيراد الأدوية.

جدير بالذكر، فإن النائب باسم خشان، أكد في تصريح صحفي سابق، أن “عمليات تهريب الأدوية أحياناً تدخل من منافذ رسمية، لكن من دون علم وزارة الصحة، وأن ذلك يجري حين يتم إخفاء الأدوية المهربة مع مركبات أخرى، وحينها تدخل الشحنة بشكل رسمي“.

واتهم خشان في وقت سابق مافيات لم يسمها بـ”السيطرة على قطاع الأدوية الصحية في العراق“، مبينا أن “ما يدخل إلى العراق من أدوية بشكل رسمي لا يتجاوز 30 في المئة فقط”، محذراً من خطورة الأدوية الفاسدة على صحة العراقيين.

وكان جواد الموسوي، عضو لجنة الصحة والبيئة النيابية السابقة، قد قال في وقت سابق، إنه “لا توجد أية سيطرة نوعية على عملية صناعة الأدوية داخل العراق أو استيرادها إلى البلاد“، مشيرا إلى أن مصنع “أدوية سامراء” العراقي يُعدّ أحد أكبر المصانع في الشرق الأوسط، والأدوية المنتجة فيه رصينة وجيدة جداً لكنه “يعاني مشاكل عدة ومحاربة من بعض الشخصيات” التي لم يذكرها.

إقرأ أيضا