الطلاق خارج المحاكم.. القضاء يتحرك و”المكاتب الشرعية” تهاجم: قانونكم وضعي

فجّر مجلس القضاء الأعلى، جدلا كبيرا بعد تقديمه مقترحات للحد من الطلاق خارج المحاكم، الأمر…

فجّر مجلس القضاء الأعلى، جدلا كبيرا بعد تقديمه مقترحات للحد من الطلاق خارج المحاكم، الأمر الذي لاقى ردا “حادا” من أصحاب مكاتب الزواج والطلاق “الشرعية”، فقد هاجموا القضاء بذريعة أن الشريعة الإسلامية “أسمى من القانون الوضعي”، وسط دعوات لإيجاد معالجات حقيقية لـ”اختلال” الوضع الاجتماعي قبل التوجه الى تلك الأمور “الثانوية”، وفيما عزا مختصون لجوء الأسر الى الطلاق خارج المحاكم الى سرعة الإجراءات، لاحظ آخرون أن الحالة زادت من ظاهرة “المطلقات شرعا والمتزوجات قانونا”، ما اعتبر “تعسفيا” من وجهة نظر القضاء.

ويقول الشيخ حازم الدراجي، وهو صاحب مكتب لإجراء عقود الزواج والطلاق، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القانون وضعي، كما أن أغلب مواد القانون تستنبط من الشريعة الاسلامية، والتي هي أقدم من القانون الوضعي، وعليه فإن الخلل بالقانون الموجود الحالي، ولا يجوز تحميل القضاء، لرجل الدين المسؤولية”.

يذكر أن مجلس القضاء الأعلى، وبحسب بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية أمس الإثنين، أكد على أن الحد من انتشار ظاهرة الطلاق يحتاج إلى جهد كبير وتعاون من جميع الجهات المسؤولة إلى جانب دور التشريعات، ولاسيما أن القانون العراقي لا يجرم الطلاق خارج المحكمة، لكن تجريمه خارج المحكمة هو أحد الحلول المساهمة في الحد أو إغلاق عدد كبير من حالات الطلاق، بالإضافة إلى تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته. 

ويضيف الدراجي “لو طبق هذا القانون، فإن الزواج سيفقد شرعيته، ومثال ذلك لو أن امرأة حصلت بينها وبين زوجها مشاكل ورفعت عليه دعوى تفريق قضائي، هنا كيف يحق للقاضي أن يطلقها، وهل طلاقها سيصبح شرعيا أم لا، وهل القاضي هو الحاكم الشرعي، الجواب هو كلا، وعليه فإن القانون الأساسي والأسمى هو القرآن والشريعة الاسلامية”.

وكان مجلس القضاء الأعلى، أصدر في منتصف الشهر الحالي، إحصائية بعدد حالات الطلاق خلال شهر كانون الثاني يناير الماضي، حيث بلغت 6486 حالة في جميع المحافظات عدا إقليم كردستان، وقد تصدرت بغداد حالات الطلاق بـ2390 حالة، فيما بلغت حالات الزواج 26000 حالة زواج، وجاءت بغداد بالمرتبة الأولى أيضا بواقع 6329 حالة زواج.

یذكر أن نسب زواج الفتیات قبل سن البلوغ في العراق، تشهد تصاعدا مستمرا، ففي الإحصائيات بین العامین 1997 و2004 كانت نسبة زواج الأطفال تقدر بنحو 15 بالمائة، إلا أنها ارتفعت إلى 23 بالمائة عام 2007، بحسب المسح الاجتماعي والاقتصادي للأسرة العراقیة الذي أجرته وزارة التخطیط.

وتؤكد إحصائيات مجلس القضاء الأعلى، أن عدد النساء المطلقات بلغ نحو 65 ألفا، أي حوالى 26 بالمائة من الزیجات المسجلة في عام 2019، الذي شهد تسجیل نحو 250 ألف عقد زواج. 

وتنتشر في بغداد وكافة المحافظات، مكاتب الزواج الشرعي، وهي بقيادة رجال يرتدون الزي الديني، وتعد هذه المكاتب هي السند الشرعي الأساسي لعقود الزواج والطلاق من قبل غالبية المواطنين، وتبرم هذه المكاتب عقود الزواج والطلاق مقابل مبالغ مالية مختلفة، لكن بالمتوسط تبلغ بين 60 – 80 دولارا.

الى ذلك، يبين الخبير القانوني أحمد العبادي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الزواج والطلاق إذا تم عند رجل دين، فلا توجد مشكلة قانونية بهذا الأمر، لكن المشاكل التي تحصل الآن، هي عند حدوث الطلاق لدى رجل دين دون تصديقه أمام القضاء وتبقى المرأة معلقة، فهي قانونيا متزوجة، لكنها شرعيا مطلقة، وبالتالي فإن مجلس القضاء يريد السيطرة على هذه الحالة وتقليلها”.

ويتابع العبادي، أن “الطلاق خارج المحكمة يسمى طلاقا تعسفيا، أي بمعنى أن الشخص تعسف باستعمال حقه، والقضاء يريد أن يصعب موضوع الطلاق عبر المقترحات التي قدمها”.

وكان مجلس القضاء الأعلى، قد أكد أن عدد حالات الطلاق التي يعلنها هي المسجلة لديه فقط، بعيدا عن الحالات التي تجري في المكاتب الشرعية. 

يشار إلى أن أسباب الطلاق، وبحسب تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، تعود لمشاكل اجتماعية واقتصادية عديدة، بالإضافة الى زواج القاصرات.

وتعليقا على مجريات ما طرحه مجلس القضاء الأعلى من مقترحات، يؤكد الباحث الاجتماعي محمد المولى خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “موضوع الطلاق خارج المحاكم هو أمر مجتمعي قائم، والعقد المحكمي هو حديث ويعتبر ضمانة لحقوق الطرفين (الزوجين)، حيث جرى تطوير العقد الشرعي الى قضائي، لتكون هناك سلطة قضائية إضافة الى الدينية”.

ويضيف المولى، أن “الكثير من الأزواج، وخوفا من السلطة القضائية وقوة القانون، يلجأون الى استخدام الحق الشخصي الاجتماعي، وهو التوجه لرجل الدين، باعتباره أقل ضررا وأكثر فاعلية وأسرع عملا، علما أن هذه المكاتب مجازة شرعا وتصدق بأمر قضائي، ولكنها تعتبر بالدرجة الثانية بعد القانون”.

ويشير الى أنه “بالرغم من قوة القانون، ستبقى قضايا التصديق الشرعي بمختلف الأديان حاضرة ومستمرة، وعليه فإن حالات الطلاق لا تحتاج الى من يصدر أمر الطلاق، ولكنها بحاجة الى هيئة خاصة بها لرعاية الأسرة، وإيجاد علاج في ظل الاختلال المجتمعي وحالة عدم الانضباط التي يمر بها الآن، وعليه فإننا إن لم نعالج المشكلة من الأساس فالمعالجات الثانوية لا تصلح أبدا”.    

وبشأن إجراءات الطلاق وفق القانون، يوضح المولى أن “موضوع الطلاق يحتاج الى رجل دين بالتأكيد، والعقد المحكمي من دونه سيبقى ناقصا، وكل الطوائف تشدد على إمضاء رجل الدين، لكن تقديم طلب تفريق مباشر للمحكمة دون طلاق شرعي، فإن القاضي سيبحث أسباب التفريق، ثم يحيل الطلب للباحث الاجتماعي ومن ثم بعدها يصدر قرار الطلاق، وهذا كله يحتاج الى ما يقارب 6 أشهر تقريبا، لذلك يتجه الأزواج الى المكاتب الشرعية لسرعة إنهاء العلاقة”.

يذكر أن من الأمثلة التي عارضت تدخل القضاء بـ”المسائل الأسرية”، هو رفض حزب الفضيلة الإسلامي لمشروع قانون مناهضة العنف الأسري، الذي قدمته رئاسة الجمهورية عام 2019، حيث أصدر رئيس كتلة النهج الوطني عمار طعمة (القيادي في حزب الفضيلة الاسلامي) في حينها بيانا شديد اللهجة، أكد فيه أن مشروع القانون يدعو إلى أنّ أيّ خلاف أو إشكال يقع بين أفراد العائلة يتحوّل إلى موضوع في المحكمة، فهل تستقر العائلة المبنية علاقاتها على المودة والتراحم إذا استبدلت مساعي الصلح والإصلاح الأسري بشكاوى ومراكز الشرطة.

إقرأ أيضا