المحكمة الاتحادية.. دور متعاظم فهل يضبط إيقاع النظام السياسي أم..؟

تعاظم دور المحكمة الاتحادية داخل النظام السياسي مؤخرا، ليأخذ دورا ضاغطا على مساره السياسي وضابطا…

تعاظم دور المحكمة الاتحادية داخل النظام السياسي مؤخرا، ليأخذ دورا ضاغطا على مساره السياسي وضابطا لإيقاعه، بموازاة كتل وأحزاب سياسية فاعلة، الأمر الذي شكل علامة فارقة في عملها الذي بدأ في 2005، وعلى الرغم من حجم التفاؤل الذي أبداه مراقبون في التعويل عليها بحسم الخلافات المستقبلية، إلا أنهم لم يخفوا قلقهم من خضوع قضاتها للضغوط والتهديدات التي قد تمارسها الكتل السياسية المتضررة من قراراتها. 

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “طبيعة النظام السياسي الذي يندفع باتجاه الفصل ما بين السلطات الثلاث من جهة، والصراع السياسي ما بين السلطات والمؤسسات من جهة أخرى، حتم على كاتبي الدستور الذهاب نحو المحكمة الاتحادية لمراقبة دستورية القوانين والفصل ما بين النزاعات التي يمكن أن تحدث بين المؤسسات والمحافظات والإقليم”.

وكان مجلس النواب، صوت في آذار مارس 2021، على تعديل قانون المحكمة الاتحادية بعد فشله بتمرير قانونها الجديد لما تضمنه من بنود خلافية، أبرزها الحديث عن وجود فقهاء بالشريعة الاسلامية عن المذهبين السني والشيعي.

وجاء تصويت البرلمان السابق في حينها، متزامنا مع تصويته على قانون الموازنة وقانون الانتخابات، ليختم دوره الرقابي عبر تشريع هذه القوانين، قبل أن تجرى الانتخابات المبكرة في 10 تشرين الأول أكتوبر الماضي.

ويضيف الشمري، أن “المحكمة الاتحادية، لا يمكن أن تكون الحاكم الأول في العراق، بقدر ما هي هيئة قضائية تعتمد على الدستور وآلياته، لكن العراق بحاجة إلى المحكمة الاتحادية كجزء يلعب دور الضابط ما بين هذه السلطات والمؤسسات، فهي قوة ضابطة أكثر من أن تكون قوة متسلطة، ومن الصعب جدا أن نتحدث عن تسلطها فهي تسير وفقا للقانون، ولذلك فمن الصعوبة أن يذهب هذا التشكيل خارج إطار القانون، فالمحكمة تمارس عملية ضبط ما بين القوى السياسية أو ما بين المؤسسات والسلطات”.

ويستدرك “دورها في المشهد السياسي يختلف الآن، فلا يمكن النظر الى المحكمة الاتحادية بشكل يتطابق مع طبيعة قراراتها وتدخلها عام 2010، فهناك اختلاف كبير جدا، كون المحكمة الحالية تريد أن تنأى بنفسها عن طبيعة العاطفة السياسة أو الانحياز السياسي، ولا تريد أن تصدر قرارات ذات بعد سياسي لأنها ذات تكلفة كبيرة”. 

وبشأن مدى قبول القوى السياسية لدور المحكمة الاتحادية الحالي، يوضح الشمري، أن “القوى السياسية تخضع لقرارات المحكمة الاتحادية عندما تتطابق المصالح مع قرار هذه المحكمة، لكن ما تزال هناك قوى سياسية تجد نفسها أعلى من القانون ومؤسساتها أعلى من المحكمة الاتحادية، وترفض أن تخضع لقراراتها، وهذا خلل كبير جدا يجب أن يعالج قانونيا”، متابعا أن “ما أصدرته المحكمة الاتحادية من قرارات بعيدة عن أهواء الزعماء والقوى السياسية، سيدفع هذه القوى التقليدية الى محاولة تحجيمها بما لا يقبل الشك أو محاولة الضغط عليها، من خلال التلاعب بقانون المحكمة الاتحادية مثلا، ولكن في النهاية لا سلطان على المحكمة الاتحادية إلا القانون”.

ومنذ إجراء الانتخابات، برزت المحكمة الاتحادية كجهة عليا لإدارة الأزمات في البلاد، وذلك بعد بلوغ الخلافات السياسية ذروتها نتيجة لما أفرزته نتائج الانتخابات من فرق شاسع بين مقاعد الكتل السياسية.

وكان الإطار التنسيقي الذي يضم قوى شيعية اعترضت على نتائج الانتخابات، من أوائل الجهات التي توجهت صوب المحكمة الاتحادية، حيث قدم طعنا بالعملية الانتخابية وطالب بالغاء نتائجها، لكن المحكمة الاتحادية ردت الطعن، ومن ثم توالت القضايا والطعون والاستفسارات، ومنها الطعن بجلسة انتخاب هيئة رئاسة البرلمان التي ردت أيضا، فيما قبلت الطعن بتقديم الكتلة الأكبر، ونقضت قرارا صدر عن المحكمة الاتحادية عام 2010، وقررت تقديم الكتلة الأكبر لرئيس الجمهورية، بعد أن نص قرارها على تقديم الكتلة الأكبر في الجلسة الأولى للبرلمان.

كما قبلت المحكمة الاتحادية الطعن بترشيح هوشيار زيباري لرئاسة الجمهورية، عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ومنعته من الترشح، وبالإضافة الى هذا القرار، فإنها أقرت بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان ومنعته من تصدير النفط لصالحه دون علم الحكومة الاتحادية، وذلك بناء على طعن مقدم من وزارة النفط الاتحادية.

كما أصدرت المحكمة قرارا يقضي بإلغاء المادتين 24 و25 من قانون بيع وايجار عقارات الدولة، للحد من عمليات الاستحواذ على العقارات من قبل المتنفذين والأحزاب، وبالإضافة الى هذا القرار، فانها أصدرت قرارا يقضي بعدم دستورية بنود مقاعد الإيزيديين والكرد الفيليين والشبك في البرلمان وألزمت بمساواتهم مع حقوق المكونين الصابئي والمسيحي.

ومن المؤمل أن تصدر المحكمة قرارا منتظرا بشأن الطعن المقدم أمامها حول فتح باب الترشيح مرة ثانية لرئاسة الجمهورية، من قبل مجلس النواب. 

من جانبه، يوضح الخبير القانوني عدنان الشريفي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المحكمة الاتحادية بتشكيلتها الحالية تختلف عن السابقة، حيث كان قضاتها سابقا يتم اختيارهم من قبل الأحزاب السياسية، وذلك في عهد القاضي مدحت المحمود، الذي كان نفسه يمثل توجها سياسيا معينا، وكانت مهمتها آنذاك هي صياغة التوافقات الحزبية على شكل اراء قضائية، بمعنى أنها تقول للكتل السياسية اتفقوا على ما تريدون ونحن نصدر القرار وفق اتفاقكم”.

ويستطرد، أن “المحكمة الاتحادية الآن اختلفت اختلافا جذريا، لأن مجلس القضاء الاعلى هو من قام بالترشيح دون تدخل الأحزاب، وهي المرة الأولى الذي ينتج شيء دون تدخل هذه الأيادي الحزبية، وهو ما جعل قراراتها مهنية وعلمية وقانونية”، مبينا أن “دور المحكمة الاتحادية هو تحديد المهام والتصدي للقوانين والحكم بعدم دستورية بعض فقراتها أو القانون بشكل عام، اذا كان متعارضا مع الدستور، وهي محكمة تسمى في كل دول العالم بالمحكمة الدستورية، ولأن النظام العراقي اتحادي، ففقد سميت بالمحكمة الاتحادية”.

ويوضح أن “مهمة المحكمة الاتحادية الرئيسية مطابقة القوانين الصادرة أو التي ستصدر مع الدستور، وهي الجهة الوحيدة التي تملك الصلاحية بأن تحكم بعدم صلاحية القوانين، أي أنها الضابط للإيقاع والحارس للدستور وحاميته بالشكل الرئيسي، وليس رئيس الجمهورية، فهو لا يملك صلاحيات لحماية الدستور، وحتى القوانين التي تصدر من مجلس النواب وفيها مخالفة دستورية ولم يصادق عليها رئيس الجمهورية، فإنها تكون نافذة بعد 15 يوما من صدورها، وبالتالي فإن حامي الدستور حقيقة هو المحكمة الاتحادية”. 

وبشأن ما إذا ستستمر المحكمة الاتحادية بنشاطها الحالي أو تتعرض لضغوطات تجبرها على تغيير مسارها، يؤكد الشريفي، أن “كل شيء ممكن، والقاضي مهما يكن فهو إنسان قد يتعرض للتهديد والضغوط، ولكن لغاية الآن فإن المحكمة الاتحادية تسير بشكل صحيح نحو تطبيق الدستور ورفض القوانين المخالفة، ولذلك نشاهد الآن أن هناك نقلة كبيرة بأدائها، حيث باتت الجهة الوحيدة التي تحظى باحترام الشارع العراقي”.

يشار إلى أن قرارات المحكمة الاتحادية مؤخرا، شهدت هجوما حادا وردودا من قبل الكتل السياسية المتضررة منها، وكان أولها هو تلميحات كتل الإطار التنسيقي الى أن “ضغوطا” مورست على المحكمة لرد الطعن المقدم بانتخاب هيئة رئاسة البرلمان، ومن ثم هاجم الحزب الديمقراطي الكردستاني قرارها بشأن استبعاد مرشحه هوشيار زيباري ووصفها بـ”المسيسة”.

وتلى هذا الهجوم، ردود تحمل حدة أكبر بعد قرار عدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، حيث هاجم المسؤولون في الإقليم، المحكمة الاتحادية وأكدوا أن القرار “غير قابل للتنفيذ”.

يذكر أن المحكمة الاتحادية في العام 2010، أصدرت قرارا شهيرا، بعد أشهر من أزمة سياسية خانقة، بسبب فوز كتلة أياد علاوي بـ91 مقعدا فيما فازت كتلة نوري المالكي بـ89 مقعدا، حيث قررت المحكمة الاتحادية آنذاك، بأن الكتلة الأكبر ليست الفائزة بالانتخابات، بل إنها من تتشكل داخل مجلس النواب في أول جلسة، وذهبت الحكومة لصالح المالكي الذي شكل الكتلة الأكبر بعد تحالفه مع خصومه من الكتل الشيعية الأخرى، ومن ضمنها التيار الصدري.

من جانبه، يرى المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التخبطات السياسية والتفسيرات المزاجية التي حصلت وخرق الدستور بشكل متكرر سواء كان متعمد أو غير متعمد والجهل بالقوانين، كل ذلك يحتاج إلى رادع قانوني لضبط إيقاع العملية السياسية بشكل عام وتصحيح مسار الأداء الحكومي في البلاد والتأكيد على احترام القانون، وهنا يأتي دور المحكمة الاتحادية”.

ويلفت إلى أن “المحكمة الاتحادية لا يمكن أن تمارس دورا سياسيا أو تحمل قراراتها بصمة سياسية، لأن هذا الأمر يؤدي الى خنق الأداء الحكومي والسياسي، لكن من جانب آخر، فإن للمحكمة الاتحادية بعدد قضاتها الـ9 يمكن أن تحكم البرلمان الذي يضم نحو 300 نائب والحكومة بكل وزرائها عبر القانون وتدير البلد بهذه الطرقة، وهذا نوع من السلطة شبه المطلقة، لكن إذا استخدمت سلطة سياسية، فسيكون هناك تضارب”.

وحول مدى قبول الكتل السياسية بدور المحكمة الاتحادية أو الضغط عليها لتغيير مسارها الحالي، يشير البيدر إلى أن “هذا الأمر يتوقف على مدى اكتراث المنظومة السياسية بالقرارات القضائية، فهي إذا وجدت أنها من مصلحتها أن تبقيها وأن يبقى دور المحكمة الاتحادية بنفس المستوى الحالي، فإن ذلك سوف يجعل من المحكمة سلطة فعالة في البلاد، وإن رأت القوى السياسية غير ذلك، فهي ربما تحاول تسييس المحكمة بالطريقة التي تريدها، لكن وفقا للصلاحيات الدستورية فإنه لا يمكن التجاوز على قرارات المحكمة الاتحادية بأي طريقة من الطرق، إلا في حالة القيام بتعديل دستوري، وهذا أمر يستحيل أن يحدث في هذه المراحل الحرجة التي يمر بها البلد”.

ويأتي الانسداد السياسي الحالي، في ظل تمسك زعيم التيار الصدري بشرطه على الإطار التنسيقي، بإبعاد زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، وإصرار الإطار على المضي بتمسكه فيه حتى النهاية.

وقد دخل التيار الصدري بتحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة المكون من عزم وتقدم، والذي اتضح جليا من خلال الجلسة الأولى لمجلس النواب، التي شهدت انسحاب الإطار التنسيقي ومضي التحالف الثلاثي بانتخاب هيئة رئاسة البرلمان، فيما تقارب الاتحاد الوطني الكردستاني من الإطار التنسيقي، وقاطعا معا جلسة انتخاب هيئة رئاسة البرلمان.

إقرأ أيضا