بعد نصف قرن من التحليق.. سرب الشعراء يخسر “طائره الجنوبي”

بعد نصف قرن من الريادة في مجال الحداثة الشعرية العربية، توقف مساء أمس الإثنين، وإلى…

بعد نصف قرن من الريادة في مجال الحداثة الشعرية العربية، توقف مساء أمس الإثنين، وإلى الأبد، قلب الشاعر العراقي “الكبير” حسب الشيخ جعفر، ليكسر خبر رحيله الذي تصدر عناوين الأخبار وبيانات “الرئاسات”، عزلة اختيارية دامت نحو ثلاثة عقود في منزله بالعاصمة بغداد، تاركا خلفه إرثا أدبيا وافيا ومتنوعا، مكنه من رسم طريقه الإبداعي المختلف عن أبناء جيله “الستيني”، كما رأى نقاد وأكاديميون.

وتوفي مساء أمس، الشاعر العراقي حسب الشيخ جعفر عن عمر ناهز 80 عاما، مخلفا سيرة أدبية مليئة بالمنجزات، حيث نعاه كل من رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي.

ويقول الناقد فاضل ثامر، إن “حسب الشيخ جعفر اسم كبير في الشعر العراقي والعربي، إذ أن رحيله المفاجئ خسارة لا تعوض لنا جميعا”.

ويضيف ثامر، أن “الشيخ جعفر عاصر الكثير من الأجيال الشعرية منذ فترة الستينيات والسبعينيات ولغاية الآن، حيث قدم منجزا شعريا ضخما ومتنوعا، بداية من دواوينه المبكرة التي أصدرها في مطلع السبعينيات ومنها نخلة الله، والحائط في المرآة، والكثير من الدواوين اللاحقة التي قامت وزارة الثقافة مؤخرا بطبعها في ثلاثة مجلدات فخمة”.

ويؤكد أن “الشيخ جعفر أثرى التجربة الشعرية العراقية والعربية، من خلال خصوصية تجربته وبشكل خاص من خلال تطوير الشكل الشعري، من خلال القصيدة المدورة، وهي لأول مرة تأخذ هذا المدى الواسع، فضلا عن تقديمه دراسات وترجمات عديدة لشعراء وكتاب روس من ضمنهم اليكسدر بلوك، وسيركي يسينين، وفلاديمير ماياكوفسكي”.

يذكر أن للراحل تجربة حداثية فريدة، بحكم تجديده في جنس قصيدة التفعيلة بالتدوير، حيث ظلت بصمته في القصيدة المدورة، وقفاً عليه وإن تعددت مرجعياتها، إذ لم تنجح في مجاراته تجارب عدة.

ويدعو ثامر الأوساط الثقافية والأجيال الجديدة الى “تقديم شيئ من العرفان للشيخ جعفر، من خلال الاهتمام بأعماله واستذكاره وإدراجه في مشاريع ثقافية جادة”، مقترحا “تأسيس مهرجان كامل باسمه”.

ويوضح، أن “الشيخ جعفر، كان من ضمن الشعراء الذين يطلق عليهم الجيل الستيني، لكنه كان يختلف عن المجموعة الشعرية الكبيرة التي أصدرت البيان الشعري الشهير، ونشرته مجلة شعر (الصادرة في بيروت) عام 1969، بعد أن كتبه فاضل العزاوي ووقعه ثلاثة من زملائه الآخرين (وهم سامي مهدي، خالد علي مصطفى، فوزي كريم)، لذا يمكن القول أنه كان يغرد خارج السرب وعلى طريقته الخاصة”.

ويرى أن “الشيخ جعفر كان معبرا عن شعور ابن القرية القادم إلى عاصمتين ضخمتين مثل بغداد وبعدها موسكو، فهو دائما ما يعبر عن حاسة الخوف من الحضارة ويتذكر رموز الطفولة البدائية مثل الكوز والنخلة وذكريات الطفولة، فجميع هذه الأشياء بالنسبة إليه كانت ملاذا يستطيع أن يتمسك بها، لكي يواجه المدن المعاصرة”.

ونعى الراحل، رئيس الجمهورية برهم صالح، قائلا: “طائرُ الجنوب الذي حلّق في الشعر العربي لعقود، شاعراً ومترجماً ومجدّداً رحل عن عالمنا… بوفاة الشاعر العراقي الكبير حسب الشيخ جعفر يفقدُ الشعرُ إحدى أهم قاماتِهِ، وتنحني “نخلةُ الله” حزناً على ابن ميسان الذي أضاء الشعر بمدوّراته”، فيما نعاه رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، قائلا “تلقينا ببالغ الأسى نبأ رحيل الشاعر العراقي الكبير حسب الشيخ جعفر.. كان رحمه الله قامة ثقافية وإنسانية باسقة أمدّ الثقافة العراقية بدفق الفكر والوطنية”.

وكتب حسب الشيخ جعفر، المولود في مدينة العمارة عام 1942 أولى قصائده خارج العراق عام 1961، بمجلة الآداب اللبنانية، ثم تخرج من معهد غوركي للآداب في روسيا عام 1966، واصدر في عام 1969 مجموعته الشعرية الأولى نخلة الله، ومن ثم الطائر الخشبي عام 1972، وزيارة السيدة السومرية عام 1974، وعبر الحائط في المرآة عام 1977 وصدرت والأعمال الشعرية عام 1985.

ومن مؤلفاته الأخرى: رماد الدرويش، وهي مذكراته عن مرحلة الدراسة في موسكو، وجيء بالنبيين والشهداء، في مثل حنو الزوبعة، أعمدة سمرقند وكران البور.

الى ذلك، يقول الناقد والأكاديمي أحمد الزييدي، أن “حسب الشيخ جعفر يعد واحدا من أهم صناع الحداثة الشعرية العربية، فما قدمه الشعراء الرواد من بدر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي، كان محط صد من الجيل الستيني، الذين لديهم أبعاد ايديلوجية اقصائية والمتمثلين بشعراء البيان الشهير”.

ويستطرد الزبيدي، أن “الشيخ جعفر كان يكتب شعرا خالصا لأجل الشعر، لا تؤثر عليه الضغوط الإيديولوجية، أما على المستوى الجمالي، فهناك ما شخصه النقاد في تحولات القصيدة، والمتمثلة بالقصيدة المدورة، فصيغة التدوير أصبحت هوية جمالية راسخة في شعريته”.

 

ويكمل حديثه، أن “الراحل الكبير استطاع أن يشكل القصيدة الحديثة”، مؤدا ما ذهب إليه الناقد فاضل ثامر من أنه “كان خارج منطقة الجيل لأنه لا يكتب وفق مواصفات البيانات الشعرية”.

يذكر أن الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، نعى الشيخ جعفر، وعد رحيله خسارة فادحة للأدب العربي، فهو التجربة المهمة، والشاعر المبتكر، والأديب الأصيل، والإنسان النبيل.

وحصل الشاعر العراقي الراحل تقديرا لأعماله الشعرية، على “جائزة السلام السوفيتية” في عام 1983 وجائزة مؤسسة “سلطان بن علي العويس الثقافية للشعر” الإماراتية، بدورتها الثامنة في عام 2003.

إقرأ أيضا