قصرا صدام في بابل.. إهمال ومساكن عشوائية

طال الإهمال قصري رئيس النظام السابق صدام حسين في محافظة بابل، وأصبح أحدها مساكن عشوائية…

طال الإهمال قصري رئيس النظام السابق صدام حسين في محافظة بابل، وأصبح أحدها مساكن عشوائية لعوائل لا تملك منازل، فيما ترك الآخر مهجورا قرب المنطقة الأثرية، وسط صراع سياسي للسيطرة عليها، ما أوقف جميع المشاريع التي طرحت لاستغلال القصرين كفرص استثمارية أو تحويلها إلى متاحف وقاعات مؤتمرات.

ويقول النائب الأول لمحافظ بابل وسام أصلان خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القصور الرئاسية في محافظة بابل لا يمكن جعلها دوائر حكومية، فهي قريبة على المرافق السياسية، والدوائر الحكومية لها مواصفات محددة، فهي يجب أن تكون قريبة على المناطق السكينة وليس الأثرية”.

ويضيف أصلان “في بابل يوجد قصران فقط، واحد في المدينة الأثرية والثاني قرب سدة الهندية القديمة”، موضحا أن “قصر المدينة الأثرية، وبعد إدراج بابل على لائحة التراث العالمي، خططنا لتأسيس متحف داخله وافتتاح قاعات عالمية لعقد الندوات والمؤتمرات بكلفة 10 مليارات دينار وهذاالمشروع طرح عام 2019، لكن عدم الاستقرار وتغيير المحافظا والتظاهرات ومن ثم جائحة كورونا، كل هذه الأمور حالت دون حسم ملف القصور الرئاسية في المحافظة”.

ويشير إلى أنه “قبل ما يقارب شهرين، تم إعادة الحراك من جديد بهدف اكمال ملف القصور الرئاسية، لكن هناك اعتراض من قبل وزارة التخطيط، فهي طلبت إعادة تقديم المشروع من جديد من تصاميم وكلفة وغيرها من الأمور الفنية والمالية، والعمل جار على ذلك حالياً، وهذا المشروع سوف يتأخر لكنه سوف يعلن عن المباشر في العمل خلال الأشهر المقبلة”.

وفيما يخص القصر الرئاسي في سدة الهندية، يوضح اصلان “هناك تجاوز على القصر من قبل بعض المواطنين من خلال بناء المنازل العشوائية، وهذا القصر صغير وليس كبير، ولهذا لا يمكن جعله كمتحف، لذا هناك فكرة ندرسها الآن لجعله منتجع سياسي يضم مطعما وفندقا ويعطى كفرصة استثمارية، وما تزال دراسة هذا الأمر جارية، خصوصاً بعد تأهيل وزارة المواد المائية سدة الهندية القديمة واصبحت مكانا سياحيا ترتاده الكثير من العوائل”.

يذكر أن قأحد قصور رئيس النظام السابق صدام حسين، شيد على تلة اصطناعية في مدينة بابل الأثرية، واستغرق تشييده 4 أعوام، وعرف بقصر “بابل”، وهو مكون من 4 طوابق وغرف متعددة زخرفت سقوفها وجدرانها بنقوش تجسد أشجار النخيل والنجوم والأشكال الهندسية، ورسومات تمثل الحدائق المعلقة ومسلة حمورابي وبوابة عشتار، وكانت القوات الأميركية قد اتخذت القصر مقرا لها عام 2003 ليتحول بعد خروجها هو والحديقة المحيطة به إلى منتجع سياحي.

وشيد صدام حسين ما يفوق المائة قصر ومجمع رئاسي في 7 محافظات عراقية، وتعرضت غالبيتها للنهب بعد عام 2003، فضلا عن اتخاذها مقار للقوات الأمريكية.

ووفقا لهيئة الاثار والتراث العامة، فأن بعض القصور “ضخمة جداً” ويحتاج إعادة تأهيلها إلى موارد مالية طائلة، ما حال دون الاهتمام بها.

الى ذلك، يبين مسؤول في هيئة الآثار والتراث بمحافظة بابل، رفض الكشف عن اسمه خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قصور رئيس النظام السابق صدام حسين، اصبحت ما بعد سنة 2003 مقرات للقوات الأمريكية، وبعد الانسحاب منها في سنة 2011، كان هناك مشروع لجعل هذه القصور مناطق سياحية واثرية، وتم تخصيص لها مبالغ لكن توقفت كل الإجراءات بسبب خلافات سياسية بين بعض الجهات المتنفذة في المحافظة”.

ويتابع أن “هناك صراعا بين بعض الأطراف السياسية المتنفذة حول الشركات التي تقوم باستثمار هذه الأماكن، كما هناك اطرافا حاولت الاستيلاء على هذه القصور، بهدف جعلها مقرات خاصة لها خصوصاً هي خارج المدن السكنية، وممكن جعلها حتى مقرات لبعض الأطراف المسلحة، لكن بصراحة هذا الأمر رفض من قبل الحكومة المركزية، وتم إيقاف جميع الحراك بهذا الخصوص”.

ويلفت إلى أن “هناك قوات أمنية تحمي هذه القصور حالياً لمنع حصول أي تجاوز عليها من قبل أي من الأطراف السياسية او المسلحة، لكن أحد القصور قرب سدة الهندية، تعرض الى تجاوز عليه من قبل المواطنين من خلال البناء العشوائي (الحواسم)”.

ويضم قصر بابل أيضا أحرف صدام حسين منقوشة على الجدران وكذلك نقوشا لملوك من الحضارات القديمة مثل نبوخذنصر الثاني، وتحمل جدران كل قاعة أسماء المعارك التي خاضعها العراق خلال حربه مع إيران (1980-1988) مثل “رمضان مبارك” و”محمد رسول الله”، واليوم تتدلى في القاعات الكبرى المهجورة ثريات متهالكة، فيما انتشرت على الجدران كتابات لزوار أتوا لالتقاط صور. 

يذكر أنه بعد 2011 كانت هناك محاولات لانتشال القصر من الإهمال وفي 2012 رصدت الهيئة العامة للآثار والتراث 7 مليارات دينار لتحويله إلى متحف حضاري، لكن المشروع لم ينجز لأسبابٍ مجهولة.

من جانبه، يبين النائب عن محافظة بابل ياسر إسكندر وتوت خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك تحرك نيابي سيكون لنا كنواب عن المحافظة خلال الفترة المقبلة، لمعرفة مصير القصور الرئاسية وكشف أسباب اهمالها طيلة السنوات الماضية وعدم استغلالها بأي من الجوانب السياسية او الاثرية او حتى الخدمية”.

ويتابع “سنعمل على استضافة الجهات ذات العلاقة لمعرفة سبب هذا الإهمال، كما سنعمل على ادراج مخصصات مالية ضمن الموازنة المقبلة، بهدف تاهيل هذه القصور من أجل استغلالها”، مضيفا أن “الصراع السياسي على هذه القصور وغيرها من عقارات قادة النظام السابق، وارد جداً وحصل في الكثير من المدن والمناطق العراقية، لكن لا يجب أن تكون هذه القصور وبهكذا اماكن سياحية واثرية مقرات سياسية، بل يجب أن تكون ضمن تراث بابل، وهذا ما سنعمل على تطبيقه في المرحلة المقبلة بالتنسيق مع الحكومة المحلية ودعم الجهات الاتحادية في العاصمة بغداد”.  

يشار إلى أنه في عام 2014 قرر مجلس محافظة بابل المنحل تأهيل الطابق الثالث من القصر ورصد 600 مليون دينار لإنشاء محطة فضائية تبث منه تحمل اسم المحافظة، لكن لجنة السياحة والآثار التابعة للحكومة المحلية في بابل ووزارة الثقافة والسياحة والآثار رفضتا المشروع، معتبرين إنشاء محطة فضائية قرب آثار بابل أمر غير صائب من شأنه أن يمنع دخول الآثار في لائحة التراث العالمي.

وكانت لجنة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) وافقت عام 2019 على إدراج موقع بابل الأثري التاريخي على قائمتها.

إقرأ أيضا