أساتذة جامعيون.. ابتزاز للطالبات وتمييز ضد الذكور (صوت وشهادات موثقة)

“تحملت بصبر تحرش الأستاذ بي منذ مرحلتي الجامعية الأولى، ولم أتجه للشكوى تجبنا لإثارة المشاكل”،…

“تحملت بصبر تحرش الأستاذ بي منذ مرحلتي الجامعية الأولى، ولم أتجه للشكوى تجبنا لإثارة المشاكل”، بهذه الكلمات تعبر الطالبة نور قاسم (22 عاما)، عن الألم والمعاناة التي تعيشها في الجامعة بعد رفضها الانصياع لرغبات أحد الأساتذة.

وتسرد نور قصتها لـ”العالم الجديد”، قائلة “بدأت قصتي منذ المرحلة الأولى في الجامعة، حينما كان أحد الأساتذة الذي يكبرنا بعشرين سنة أو ربما أكثر، يبتسم لي باستمرار حتى أوقفني في إحدى المرات وسألني عن مرحلتي الدراسية، ثم رحب بي وأخبرني بأنه أستاذ في القسم، ومستعد لمساعدتي في كل ما أحتاج إليه وطلب رقم هاتفي”.

وتستطرد “لقد بالغ بحرصه علي، وصور لي الحياة الجامعية أشبه بغابة، وأنه سيكون المنقذ والمساند لي بحكم علاقاته داخل الوسط الجامعي، لذلك أخذت الموضوع بحسن نية على اعتبار أنه أستاذ جامعي وفي عمر والدي، لكن بعد فترة وصلتني رسائل منه في منتصف الليل، وقد كانت رسائل تحرش صريحة.. شعرت بالخوف بعدها وأغلقت هاتفي مباشرةً، وفي اليوم الثاني غيرت رقم هاتفي وابتعدت عن أي نوع من التواصل معه”.

وتتابع “كنت أعتقد أنه سيخجل مني عندما يراني من جديد، إلا أنه تحدث معي وأخبرني بأنه يرغب بعلاقة عاطفية بيننا فأجبته بالرفض القاطع.. ومنذ تلك اللحظة بدأ يستخدم شتى أساليب الإهانة والازدراء والتجاوز أينما يراني حتى أن بعض الأساتذة تدخلوا في الموضوع، وطلبوا منه أن يكف عن التصرف معي بهذه الطريقة، لكن دون جدوى، حتى وصل به الأمر الى أن يبحث عن قاعتي الامتحانية فقط لكي يزعجني ويؤثر على إجابتي في الامتحانات النهائية، وهذه التصرفات استمرت على مدى سنتين حتى وصلت الى المرحلة الثالثة، وهي المرحلة التي تضاعفت فيها معاناتي بسبب تدريسه لإحدى المواد فيها، وفي أول محاضرة له قال لي بالنص: (هذه السنة لن تري النجاح)، وهذا ما حدث بالفعل، ففي الامتحانات النهائية، وعلى الرغم من تأكدي من إجابتي إلا أن النتائج ظهرت وكنت راسبة بثلاث مواد دراسية، وهي المادة التي يدرسها هو وبمادتين يدرسها صديقان له من الأساتذة”.

وحول أسباب عدم توجهها لرفع شكوى ضد الأستاذ المذكور، لدى رئاسة الجامعة، تشير نور قائلة “كنت خائفة من خسارة شهادتي الجامعية أو التعرض لمزيد من المشاكل في حال فكرت باللجوء للشكوى، وهذا ما نصحتني به عائلتي عندما أخبرتهم عن الأمر، فنحن عائلة لا تحب المشاكل، ووالدي كبير في السن ولا نلجأ إلى الطرق العشائرية أيضا، لذلك كان خياري الوحيد هو الصمت والصبر حتى أنتهي من الجامعة وأحصل على الشهادة”.

لا يقتصر الأمر على طالبات البكالوريوس، فهديل (26 عاما) التي تحضر لكتابة رسالة للحصول على شهادة الماجستير، تشكو من تصرفات الأستاذ المشرف على البحث.

وتقول في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المشرف على البحث دائما ما يتحجج بذرائع واهية، لاستقدامي إلى مكتبه داخل الكلية، رغم أنني في مرحلة كتابة البحث، وهو لا يتطلب حضورا مستمرا للكلية، وحين أحضر، لا أجد شيئا يستدعي حضوري، ويبدأ بالحديث معي حول قضايا خاصة من قبيل ماذا أحب وماذا أكره وغير ذلك”.

وتواصل “حضوري للكلية يكلفني وقتا وجهدا ومالا، وأكون مجبرة على ذلك من اجل إرضاء رغبته في الحور ليس إلا، ويتكرر الأمر مرتين في الأسبوع أحيانا، حتى أنني فكرت في طلب تأجيل للتخلص من ملاحقتي بهذه الطريقة المزعجة والمربكة”.

إغلاق الباب

فيما تروي سارة محمد (24 عاما)، الطالبة بإحدى الجامعات الأهلية، حكاية أخرى لـ”العالم الجديد”، قائلة “شعرت بنظرات اهتمام اتجاهي من قبل أحد الأساتذة المراقبين في القاعة الامتحانية، ولكني لم آخذ الأمر بجدية، إلا أنه بدأ يتحدث الى الطلبة في القاعة ويتهجم على من كان ينتقده من الطلاب، وفجأة تقدم نحوي وسألني بحزم عن اسمي.. فشعرت بارتباك شديد لأنني توقعت أن كل حديثه كان منصبا حولي، فسألته لماذا، لكنه أعاد السؤال بعصبية، فأجبته باسمي، وعلى إثرها لم أتمكن من الإجابة بشكل جيد في الامتحان بسبب التوتر”.

وتؤكد “خرجت من رئاسة القسم دون أن أفهم ماذا يحدث.. ثم جاءني أحد زملائي وأخبرني بأنه سيتحدث مع ذلك الأستاذ، كونه قريبا له وسيفهم لماذا تصرف معي بهذه الطريقة.. بعد ذلك اتصل بي هذا الزميل، وقال لي بأنه تحدث مع الدكتور وسأله حول الأمر، فأجابه بأنه أراد استفزازي من أجل الذهاب إليه بعد الامتحان ليتطور الأمر تدريجياً”.

واستدركت “لقد عرفت فيما بعد أن لهذا الأستاذ سوابق كثيرة مع الطالبات ويستخدم نفس الأسلوب لاستدراجهن، حتى أنه أغلق باب غرفته على إحدى الطالبات وحاول التحرش بها، ولكن الجميع يخاف من اللجوء الى الشكوى بسبب تواطؤ أساتذة القسم الذين يتكتمون على الأمر، وبالنتيجة يتأثر مستقبل الطالبة التي تقدم شكوى ضد أحدهم”.

شذوذ أم شعور بالنقص؟

وتعقيبا على هذا الأمر، يوضح الباحث النفسي أحمد الذهبي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك دوافع نفسية تقف خلف هذا السلوك الشاذ لبعض أساتذة الجامعات، وهو مرتبط بالغريزة الإنسانية في الرغبة بالشعور بالشباب المستمر والمقبولية، لذلك يسعى بعض الرجال الى محاولة لإثبات أنهم ما زالوا مرغوبين من قبل الفتيات الشابات وخصوصا طالبات الجامعة”.

ويستطرد “هذا شعور بالنقص وإنكار للواقع يتنافى مع الرسالة التربوية والأكاديمية التي يحملها الأستاذ الجامعي، وعلى الجامعات العراقية، أن تهتم بوضع برنامج ودورات للإرشاد النفسي للطلبة وأساتذة الجامعات على حد سواء، فالأستاذ هو ابن البيئة التي يعيش فيها، والبيئة العراقية بيئة ضاغطة، ولدت مشاكل نفسية كبيرة، بغض النظر عن تحصيلها العلمي أو مكانتها الاجتماعية”.

يذكر أن من الحوادث الأبرز لهذا الأمر، هو قرار وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عام 2015، بفصل أحد أساتذة كلية اللغات في جامعة بغداد، من الوظيفة نهائياً لتورطه في ممارسات غير أخلاقية واستغلاله لموقعه في الكلية بابتزاز بعض الطالبات، وقد استندت الوزارة في قرارها آنذاك الى أدلة وشهود تم الاستماع إلى إفاداتهم من لجنة تحقيق شكلتها، وهذا الى جانب إحالة إحدى طالبات الكلية للجنة انضباط الطلاب، وتم اتخاذ قرار فصلها نهائياً على خلفية اشتراكها في القضية نفسها، وفقا لبيان الوزارة.

قصة مغايرة وتمييز

في قصة مختلفة، تمكنت الطالبة مريم جبار (25 عاما)، من التعامل مع تحرش الأستاذ بها بشكل غير معتاد، حيث تروي لـ”العالم الجديد”، حكايتها قائلة، إن “أحد الأساتذة كان معجباً بي، وكان يتعامل معي بطريقة خاصة تختلف عن تعامله مع باقي الطلبة”.

وتتابع “في أحد الأيام لم أذهب الى الامتحان بسبب ظرف خاص، وعندما طلبت منه إعادة الامتحان مع المؤجلين، قال لي لا داعي لأنك حصلت على درجة كاملة”، مبينة “لقد استفدت من إعجابه بي، لأنه كان يساعدني بكل ما أحتاج إليه في الجامعة حتى أنه كان يأتي الى قاعتي الامتحانية ويساعدني بحل الأسئلة”.

وتوضح “لم أفكر مطلقاً بتقديم شكوى ضد الأستاذ، لأنه كان يساعدني ولم يكن يسيء التصرف معي”، مقرة بـ”التماهي مع إعجابه، وعدم إشعاره بالنفور أو الرفض، لكن في نفس الوقت لم أكن مبتذلة أو أمنحه ما يطمح إليه، وكل ذلك من أجل عبور مرحلة”.

وتستدرك “عندما تخرجت هذا العام، بدأ يتحدث معي بجرأة أكبر ويتواصل معي، فقمت بحظره من كل التطبيقات على مواقع التواصل الاجتماعي أو الهاتف النقال وانتهى الأمر”.

تمييز

لكن بجانب هذه القصص، يتذمر الطالب محمد الخزعلي (21 عاما) خلال حديث لـ”العالم الجديد”، من ظاهرة التمييز بين الطلاب والطالبات، قائلا إن “هناك تمييزا في التعامل بين الطالبات والطلاب من قبل بعض أساتذة الجامعات، بل إن هناك تمييزا في التعامل بين الطالبات الجميلات وغير الجميلات”.

ويردف “عندما نريد تأجيل الامتحان نرسل واحدة من الطالبات الجميلات لطلب التأجيل من الأستاذ، فيتم تأجل الامتحان على الفور، أما إذا ذهب أحد الطلاب أو فتاة غير جميلة سيتم الرفض مباشرة”.

في حين، يؤكد الموظف أحمد علي (32 عاما)، أن “الأمر ليس جديدا فقبل 10 أعوام وحين كنت في مقاعد الدراسة الجامعية، تعرضت للصدمة بسبب من أحد الأساتذة الكبار عمراً، وكان مشرفا على التقاعد آنذاك، وكان يحرمني من حق السؤال كلما حاولت التقدم بسؤال يخص المحاضرة، فيما كان يمنح طالبة أخرى وقتا مفتوحا لتتحدث، بل يطالبها بطرح ما تشاء من الأسئلة”.

ويوضح علي، خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أنه “كان يتحجج بضرورة عدم المقاطعة، وحين كنت أنتظر الفراغ من المحاضرة لسؤاله، كان يقول لي إن الدرس انتهى والآن وقت الاستراحة، وكنت أصدق كلامه ببراءة، فأرافقه إلى غرفة الأساتذة كي أستفيد من الوقت، فكان ينهرني، ويقول لي: حتى هنا أنت تلاحقني؟، لكني أراه في نفس الوقت، كثيرا ما يمنح الوقت خارج الدرس لتلك الطالبة، وحينها توقفت تماما عن السؤال”.

إقرار ونفي

من جهته، يقر الأكاديمي عبدالله الربيعي، وهو أستاذ بإحدى الجامعات الأهلية، بتفاقم الظاهرة، حيث يقول لـ”العالم الجديد”، إن “الجامعات العراقية تتعامل بجدية حقيقية مع الشكاوى التي تقدم لها بهذا الخصوص، وهذه الظاهرة موجودة بالفعل، ففي القسم الذي أعمل فيه كتدريسي تم فصل أستاذين خلال سنة واحدة بسبب شكاوى قدمت من الطالبات اللواتي تعرضن للتحرش والابتزاز، وأرفقن الشكوى بدليل يثبت هذا الادعاء”.

ويشير الربيعي، إلى أن “المشكلة لا تكمن بالاجراءات أو بجدية الجامعات بالتعامل مع هذا النوع من القضايا، بل بسبب الطالبات أنفسهن، فالطالبة التي تتعرض لهذا الموقف تلجأ للصمت بسبب التربية الشرقية المحافظة التي علمت النساء على السكوت عن المتحرش بدعوى الخوف من الفضيحة والحفاظ على السمعة، وكذلك هناك جهل بالقانون وبالإجراءات، وبالتالي فإن الطالبة أحيانا تعتقد أن لجوءها إلى رفع شكوى ضد الأستاذ سيعرضها للرسوب، ولكن على العكس تماماً فالجامعات لا تتهاون مع هذا الملف أبداً”.

وكانت “العالم الجديد” سلطت الضوء في تقرير سابق، على أزمة الجهل بالقوانين، الأمر الذي يدفع المواطنين لتجنب التقدم بشكاوى، وخاصة بشأن العنف الأسري أو الاضطهاد أو المشاكل التي تواجههم في حياتهم اليومية.

لكن المتحدث باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيدر العبودي، وخلال حديثه لـ”العالم الجديد”، نفى من جانبه، بشكل قاطع وجود حالات تحرش داخل الجامعات، إذ يقول “لا وجود لهذه الظاهرة في الجامعات، والوزارة لم تتلق أية شكوى من هذا النوع”.

ويضيف العبودي، أن “أبواب الوزارة مفتوحة لكل الطالبات اللواتي لديهن شكاوى وإثباتات من هذا النوع”.

الموقف القانوني

إلى ذلك، يوضح الباحث القانوني ميثم الخلخالي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “جريمة التحرش لم تعرف في القوانين العراقية إلا في نص المادة 10 من قانون العمل العراقي المرقم 37/ لسنة 2015، وأن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، عالج ظاهرة التحرش في المواد 400 و401 و402، ووضع عقوبات بين الحبس والسجن”.

ويوضح الخلخالي “أما ما يتعلق بالموظف أو الأستاذ الجامعي، فتصل عقوبة التحرش أو الابتزاز أو أي نوع من السلوك غير المهني إذا ارتكبه، الى الفصل وفق أحكام قانون انضباط موظفي الدولة المرقم 14/ 1991، لذلك تستطيع الطالبة التي تتعرض للتحرش، أن تقدم شكوى إدارية الى الجامعة، مع إسناد ذلك بما تتمكن من أدلة لإثبات الادعاء، كالشهود أو الوثائق، لتشكل الجامعة لجنة تحقيقية وإذا ثبت ذلك، فإن الأستاذ يفصل بشكل نهائي”.

إقرأ أيضا