الواردات التركية.. ارتفاع جديد يقرب البلد من “أخطر” تهديد لاقتصاده

ترتفع نسبة الواردات التركية إلى العراق مجددا، قياسا بالعام الماضي، في تعزيز لسلسلة من الارتفاع…

ترتفع نسبة الواردات التركية إلى العراق مجددا، قياسا بالعام الماضي، في تعزيز لسلسلة من الارتفاع المتواصل سنويا، وهو ما عزاه متخصصون إلى أسباب عدة أبرزها إلغاء قرار منع استيراد العديد من المواد، فضلا عن غياب المعامل الخاصة بإنتاج المواد الأولية، إضافة إلى اعتماد سياسة “الباب المفتوح”، لكن هذه الزيادة رافقتها سلبيات جمة، وخاصة في ما يتعلق بالمواد الغذائية التي شكلت نحو 35 بالمئة من نسبة ما يستورده البلد، ووصف الأمر بأنه “أخطر” مؤشر على اقتصاد البلد.   

ويقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “توجه العراق إلى رفع قرار منع الاستيراد عن الكثير من المواد، ساهم بازدياد الواردات من تركيا، كما أن البلد يشهد زيادة سكانية سنوية، وهذه الزيادة تنعكس على نسبة استهلاك مختلف المواد لذا يرتفع الطلب وترتفع قيمة الاستيراد“.

ويضيف العبيدي، أن “الأرقام المعلنة في التقرير الصادر عن الجهات الرسمية التركية، هي أقيام وليست كميات، والتقرير يشير إلى ارتفاع قيمة البضائع المستوردة”، مؤكدا أن “العراق بإمكانه إنتاج كل شيء، ونلاحظ أن أكثر مادة نستوردها من تركيا على سبيل المثال هي مادة الطحين الابيض (الصفر)“.

يشار إلى أن جهاز الإحصاء التركي، نشر قبل أيام تقريرا، كشف فيه عن ارتفاع قيمة استيرادات العراق من تركيا للربع الأول من السنة الحالية بنسبة 27 بالمئة مقارنة مع الربع الأول من 2021، لتصل قيمة المواد المستوردة الى 2.7 مليار دولار، فيما ارتفعت قيمة الأغذية المستوردة بنسبة 63 بالمئة، بينما ارتفعت قيمة المشروبات والتبوغ بنسبة 101 بالمئة، فيما مثلت استيرادات العراق من الأغذية والحيوانات ما نسبته 32 بالمئة من مجمل الاستيرادات.

ويؤكد العبيدي أن “العراق بلد زراعي، لكن على الرغم من هذا تشكل نسبة استيراده المواد الغذائية من تركيا نحو 35 بالمئة، بالتالي لو ركز على هذا الجانب سيقلل من اعتماده على تركيا، وفي ما يخص المواد الخام التي تستورد أيضا من تركيا، فهذه يمكن إنتاجها عبر معامل البتروكيمياويات، والتي للأسف لا توجد في العراق“.

يشار إلى أن العراق يتصدر بصورة مستمرة، قائمة المستوردين لأغلب السلع التركية، وغالبا ما تصدر بيانات تركية تفيد بحلول العراق في مراتب متقدمة، غالبا كثاني أو ثالث المستوردين لمختلف أنواع السلع، ومنها المواد الغذائية والمنتجات الزراعية والأخشاب، وحتى المكسرات.

يذكر أن تركيا أعلنت، في نيسان أبريل من العام الماضي، عن تصدر العراق قائمة المستوردين لمعجون الطماطم بقيمة 25 مليون دولار لثلاثة أشهر فقط، وهو ما أكده خبراء، وأشاروا إلى أن قيمة الاستيرادات الكلية من هذه المادة تبلغ نحو 100 مليون دولار سنويا، مرجحين وجود شبهات فساد، لأن هذا المعجون يذهب لتجهيز مفردات البطاقة التموينية، في ظل توقف المصنعين الوحيدين في كربلاء وواسط وعدم تأهيلهما لإنتاج معجون طماطم عراقي.

جدير بالذكر، أن المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون، كشف في تشرين الثاني نوفمبر 2021، عن طرح العراق في منتدى الأعمال العراقي-التركي، مقترحا لتشكيل كتلة اقتصادية إقليمية تضم العراق وتركيا وإيران لتصبح قوة للمنطقة تتيح لها منافسة التجمعات الاقتصادية حول العالم، بحسب قوله.

وقد وصف خبراء في الاقتصاد، خلال تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، مقترح التكتل التجاري بين العراق وتركيا وإيران، بأنه خطوة لشرعنة تهريب الدولار، واصفين التكتل بـ”غير المتكافئ”، نظرا لأن الدولتين مصدرتان والعراق مستورد فقط، فيما اشترطوا جلب استثمارات الدولتين إلى داخل العراق، حفاظا على العملة الصعبة ولضمان تشغيل الأيدي العاملة المحلية.

إلى ذلك، يبين مظهر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق يمارس سياسة الباب المفتوح في تجارته الخارجية، وتعد تركيا الشريك التجاري المباشر بعد الصين في نطاق الاستيرادات من المواد كاملة الصنع واللوازم المختلفة“.

ويوضح صالح، أن “السوق العراقية أمست بمرور السنين أكثر ميلا في تقاليدها الاستهلاكية وغيرها نحو السلع والبضائع التركية، وهذا بسبب عاملين أساسيين، الأول انخفاض أثمانها واعتدال أسعارها نسبيا مقارنة بقيمة منتجات دول أخرى، وذلك لعوامل تنافسية بحتة وفي مقدمتها انخفاض تكاليف النقل وانخفاض سعر صرف الليرة التركية مقابل القوة الشرائية المرتفعة للدينار العراقي، فضلا عن التميز النوعي للمنتجات التركية، إذ أن السلع التركية تعتمد مقايس الاتحاد الأوروبي من حيث الحفاظ على نوعية المنتج وخواصه وغيرها من المتطلبات”، مبينا “أما ارتفاع الاستيرادات من تركيا لمادتي المشروبات والدخان فالقضية تتعلق بالعرض والطلب وأذواق المستهلكين، وأن الإنتاج المحلي لهذه المواد لا يسد الحاجة الاستهلاكية، ولاسيما في سوق كبيرة شديدة الاستهلاك مثل السوق العراقية“. 

ويشير إلى أن “الإنتاج الزراعي يبقى في قائمة السلع التي ينبغي إنتاجها في بلادنا بدلا من استيرادها، فجميع السلع الزراعية المستوردة من تركيا تدخل ضمن فرضية (المياه الافتراضية) أي نقص المياه الزراعية في بلادنا من بلدان المنبع، واستيراد سلع زراعية يمكن إنتاجها محليا هو ما يطلق عليه بسياسة المياه الافتراضية أي المنتجات الزراعية البديلة عن إنتاجها في بلادنا، وهذه تعد من أخطر العوامل المؤثرة على  الأمن الاقتصادي لبلادنا“.   

ويعاني العراق من أزمة مياه كبيرة، بسبب تقليل تركيا الكميات الواصلة إليه، ما أدى إلى تخفيض الخطة الزراعية في البلد إلى 50 بالمئة، وهو الأمر الذي أثر على الإنتاج الزراعي في البلد، بل ورفع أسعار بعض المواد.

وقرر مجلس الوزراء مؤخرا فتح الاستيراد للمواد الغذائية، بعد أن كان قد منعها لدعم المنتج المحلي، لكن جاء القرار في خطوة لتخفيض أسعار المنتجات المحلية بعد أن ارتفعت بشكل كبير، وما زال القرار ساريا لغاية الآن.  

فيما عزا الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش خلال حديث لـ”العالم الجديد”، ارتفاع نسبة الاستيراد من تركيا إلى “أسباب عدة، على رأسها الأزمة العالمية وارتفاع البضائع الصينية والمستوردة من شرق آسيا بسبب انخفاض الصناعات الأوروبية المعتمدة على النفط الروسي، لذا لجأت الدول الأوروبية للاستيراد من الصين والهند، وبالتالي المستورد العراقي لجأ إلى تركيا لكونها الأقرب للعراق من جوانب عدة“.

ويعزو حنتوش، السبب الثاني الأساسي، إلى أن “لإقليم كردستان منافذ غير رسمية تهرب البضائع التركية من الملابس واللحوم وتعيد تعبئتها على أنها عراقية، وهيئة المنافذ تأخذ دور المتفرج هنا“. 

وكان اتحاد مصدري منطقة البحر المتوسط في تركيا، أعلن العام الماضي أن العراق جاء ثانيا كأكبر مستورد لليمون من تركيا، خلال الفترة بين كانون الثاني يناير- تموز يوليو 2021، حيث كانت روسيا أكثر البلدان استيرادا لليمون التركي، وحل العراق في المركز الثاني، تلاه رومانيا، وأوكرانيا وصربيا.

وأعلنت هيئة الإحصاء التركية، في تشرين الأول أكتوبر 2021، عن حلول العراق بالمرتبة الرابعة على قائمة الدول التي يتم تصدير السلع التركية إليها في شهر آب أغسطس الماضي، بقيمة 939 مليون دولار، كما أن العراق حل خامسا في صادرات تركيا في الفترة من كانون الثاني يناير الماضي، ولغاية شهر آب أغسطس الماضي، بقيمة مالية بلغت ستة مليارات و599 مليون دولار.

إقرأ أيضا