الجفاف يعصف بديالى.. ومزارعوها يتجهون لقيادة “التكسي”

يوما بعد آخر، يتجه الواقع الزراعي في محافظة ديالى نحو الأسوأ، حتى أهمل المزارعون أراضيهم…

يوما بعد آخر، يتجه الواقع الزراعي في محافظة ديالى نحو الأسوأ، بسبب الجفاف وانعدام الخطة الزراعية في المحافظة، وارتفاع أسعار الأسمدة وغياب الدعم الحكومي، حتى أهمل المزارعون أراضيهم، وتوجهوا إلى مهن أخرى لكسب قوت يومهم كقيادة سيارات الأجرة.

ويقول هاشم الدراجي، مسؤول مياه إحدى مناطق ديالى، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “المياه في ديالى تضررت بشكل كبير على الرغم من المعالجات المستمرة وإجراءات وزارة الموارد المائية للحفاظ عليها والجهود المكثفة لتقليل الضرر من خلال حفر الآبار والأنهار ونصب مضخات من أعلى الأنهار إلى المشاريع الإروائية بالتنسيق مع الموارد”.

ويشير الدراجي، إلى أن “محافظ ديالى أشرف بنفسه على هذه المشاريع من أجل إيصال المياه، وخاصة مياه الشرب، إلى مختلف المناطق”، لافتا إلى أن “الأجهزة الأمنية كان لها أيضا دور كبير في متابعة هذه المواضيع وإزالة التجاوزات”.

وكانت “العالم الجديد”، قد سلطت الضوء على تردي الواقع الزراعي في محافظة ديالى، وكشفت في تقريرها عن فقدان المحافظة أغلب أراضيها الزراعية لتصبح “بلا زراعة” وفقا لمسؤولين ومزارعين.

وأكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية عون ذياب، لـ”العالم الجديد”، في وقت سابق، أن ما هو متاح من خزين مائي في سدود العراق، هو خزين متواضع والإيرادات من المياه في فصل الشتاء كانت محدودة، لكنها تكفي لري البساتين والشرب.

يشار إلى أن المتحدث باسم وزارة الزراعة حميد النايف، قال لـ”العالم الجديد” في وقت سابق، أنه لا يمكن زراعة دونم واحد من دون موافقة الموارد المائية، وإذا كانت هناك مياه قليلة، فسنلتزم بقراراتها، ولكن على الرغم من كل شيء، فإن الخطة الزراعية متذبذبة وتعتمد على تناقص وارتفاع منسوب المياه.

من جهته، يفيد رئيس الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية في ديالى رعد التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “ديالى لم تحصل على خطة زراعية صيفية أو شتوية، لا في العام الماضي ولا الحالي، بسبب شح المياه، ما أدى إلى تدمير الزراعة كليا في المحافظة”.

ويضيف التميمي “اجتمعنا مع المحافظ والجمعيات الفلاحية وشخصيات أخرى لمناقشة إيصال المياه التي لم تصل إلينا منذ خمسة أشهر”، مؤكدا أن “وضع الفلاح مزر للغاية، وأغلب الفلاحين اتجهوا للعمل كعمال وحمالين وبائعي مياه وسائقي تكسي من أجل الحصول على لقمة العيش وإطعام عوائلهم”.

يذكر أن إيران قطعت المياه المتدفقة إلى سد دربندخان بالكامل، مطلع أيار مايو 2021، ما أدى لأزمة كبيرة في حوض نهر ديالى الذي انخفضت مناسيبه بنسبة 75 بالمئة، وذلك بحسب تصريحات مسؤولين في المحافظة.

كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، من خلال سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل، عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

إلى ذلك، يوضح طالب السعدي، صاحب بستان في المحافظة خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أصحاب البساتين تضرروا بشكل كبير بسبب شح المياه، خصوصا البساتين على نهر ديالى وخريسان”.

ويبين السعدي، أن “مساحات واسعة تضررت في ديالى نتيجة الجفاف، ونطالب وزارة الزراعة من خلالكم بالالتفات إلى هذه المحافظة الزراعية بامتياز، والتي أثر فيها الجفاف من جهة، وإغراق الأسواق بالمحاصيل المستوردة من جهة أخرى، ما تسبب بهجرة واسعة من القرى إلى المدن وارتفاع نسبة البطالة”.

ويتابع أن “سعر الطن الواحد من التمر يكلف 600 ألف دينار لكنه يباع في السوق بـ400 ألف دينار، وكذلك الحمضيات تحتاج إلى أدوية ومكافحة آفات وأسمدة”، مشيرا إلى أن “سعر الطن الواحد من الأسمدة يبلغ مليونا و800 ألف دينار، ما يستدعي تدخلا حكوميا لمعالجة كل هذه المشكلات”.

جدير بالذكر أن مدير مديرية إعلام زراعة محافظة ديالى محمد جبار، أكد لـ”العالم الجديد”، العام الماضي، أن نقص المياه تسبب بغياب الخطة الزراعية الصيفية، فمحاصيل الشلب والذرة الصفراء والقطن، من المحاصيل الصيفية لكن زراعتها ستغيب.

يشار إلى أن إيران غيرت مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة.

ومن بين أسباب تراجع الزراعة في عموم البلاد، هو فتح باب الاستيراد، فيما أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الزراعة حميد النايف، مطلع تموز يوليو الحالي، عن قرار لمجلس الوزراء بإعادة العمل بالروزنامة الزراعية، من خلال تخويل وزير الزراعة في عملية فتح ومنع الاستيراد، استنادا إلى وفرة وشح المنتج المحلي، استثناء من قرارات مجلس الوزراء ذات العلاقة.

يذكر أن مزارعين وجميعات فلاحية، هاجموا قرار فتح الاستيراد باعتباره “تدميرا” للمنتج المحلي، في حين، عده أصحاب حقول الدواجن، إيجابيا لأنه يساهم بخفض سعر المنتج المحلي، وسط مطالبات بدراسة الجدوى الاقتصادية قبل اتخاذ مثل هكذا قرارات.

وسلطت “العالم الجديد” في تقارير سابقة، الضوء على الواقع البيئي والتجاوزات عليه وتداعيات الجفاف في محافظة ديالى، من بينها تهديد بعض الحيوانات النادرة بالانقراض، وخصوصا البلبل العراقي الذي تعد المحافظة موطنه الأول، في ظل انتقادات لناشطين بيئيين لغياب القوانين “الرادعة” التي تمنع الاتجار بالطيور النادرة أو المعرضة للانقراض، وسط تأكيدهم على إخراج 2-3 آلاف طائر بلبل تقريبا من ديالى سنويا إلى باقي المحافظات، وذلك لأن أصواتها قوية ومرغوبة لدى المربين.

يشار إلى أن “العالم الجديد” سلطت الضوء في تقارير عدة على التنوع البيئي في العراق، وما يعانيه من خسائر كبيرة، من بينها تهديد العديد من الصنوف النادرة من الحيوانات بالانقراض، أبرزها غزال الريم العراقي الذي انخفضت اعداده بشكل كبير، وكان آخرها نفوق أكثر من نصف أعداده في محمية ساوة بمحافظة المثنى، وتناقص أعداد الجاموس بشكل مستمر، حتى بلغت آلافا بعد أن كان عددها يصل إلى الملايين قبل عام 2003، وذلك بسبب شح المياه، وهو ذات السبب الذي ادى لنفوق الغزال وباقي الحيوانات.

وإلى جانب الثروة السمكية، فهي الأخرى ليست بمعزل عن هذه الأزمات، حيث غابت العديد من أنواع السمك عن السوق العراقية، وأبرزها “الشبوط والكطان والبني”، وأرجعت الأسباب إلى غياب الدعم والتأثيرات البيئية، كما تطرقت “العالم الجديد” إليها في تقرير مفصل.

إقرأ أيضا