دعوات كثيرة لاستخدامها.. لماذا تمتنع بغداد عن مواجهة أنقرة بالورقة الاقتصادية؟

كلما أقدمت تركيا على فعل يثير غضب العراقيين، تتعالى الأصوات في العراق لمقاطعتها اقتصاديا، لكن…

كلما أقدمت تركيا على فعل يثير غضب العراقيين، تتعالى الأصوات في العراق لمقاطعتها اقتصاديا، لكن الحكومة العراقية لا تضع هذا الإجراء ضمن خياراتها، الأمر الذي يعزوه خبراء اقتصاديون إلى جملة أسباب، من بينها أن القطاع الخاص يقود الجانب الأكبر من التبادل التجاري مع تركيا، لكنهم مع ذلك أكدوا أن الورقة الاقتصادية ستكون ضاغطا فاعلا لو استخدمت باحتراف.

ويقول الخبير الاقتصادي رشيد السعدي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “كل دولة لها وسائل ضغط يمكن أن تستخدمها في حال تعرضها لأي أزمة مع دولة أخرى، والعراق يمتلك الكثير من وسائل الضغط على تركيا وغيرها، وأول وسيلة هي الجانب السياسي، لكن هناك قصورا في الجانب السياسي وفي الجانب العسكري أيضا، وهذا ما أدى إلى غياب هيبة الدولة، وهذا سببه الوضع السياسي غير المستقر، والذي تتحمله الكتل والأحزاب السياسية”.

ويتابع السعدي، أن “على العراق استخدام الورقة الاقتصادية، فهذه الورقة لها أثر كبير على الجانب التركي، فالعراق ثالث دولة بالاستيراد والتعامل التجاري والاقتصادي مع تركيا، وهذا التعامل عبر استيراد مواد استهلاكية، ولهذا ممكن استخدام هذه الورقة للضغط على تركيا في مختلف الجوانب”.

ويشير إلى أن “هناك جهات سياسية تعمل على استمرار هذا التبادل التجاري، على الرغم من كل الانتهاكات التي تقوم بها تركيا من الجانب العسكري أو من خلال قطع المياه، لكن الدولة العراقية عليها التحرك وفق مصلحة الوطن والمواطن، بعيدا عن أي توجهات ومصالح لبعض الأشخاص والأطراف السياسية، ويكون التعامل بالمثل مع تركيا حتى في ما يخص تأشيرة الدخول”.

ويستطرد السعدي أن “استخدام ورقة الضغط الاقتصادية ضد تركيا لا يؤثر على السوق العراقية، فمن الممكن توفير أي مواد يستوردها العراق من تركيا عبر دول أخرى، وهذا ممكن أن يساهم في خفض أسعار تلك المواد وليس رفعها، خصوصا أن العراق يتعامل تجاريا مع إيران وسوريا والسعودية والإمارات ومصر وغيرها، ولهذا ورقة الضغط هذه يجب أن تستخدم لمنع أي انتهاك تركي تجاه العراق”.

وكان مصيف سياحي في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، تعرض إلى قصف مدفعي في 20 تموز يوليو الحالي، أصاب وأودى بحياة 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.

وتجددت الدعوات بعد القصف لاستخدام ورقة التبادل التجاري مع تركيا للضغط عليها، بغية إيقاف عملياتها العسكرية داخل الأراضي العراقي، وقد دعا النواب بشكل صريح إلى منع مقاطعة البضائع التركية، فيما بدأت عمليات مقاطعة شعبية في بعض المحافظات للبضائع التركية، إلى جانب إلغاء بعض شركات السياحة رحلاتها إليها.

يشار إلى أن العراق يتصدر بصورة مستمرة، قائمة المستوردين لأغلب السلع التركية، وغالبا ما تصدر بيانات تركية تفيد بحلول العراق في مراتب متقدمة، غالبا كثاني أو ثالث المستوردين لمختلف أنواع السلع، ومنها المواد الغذائية والمنتجات الزراعية والأخشاب، وحتى المكسرات.

وكان جهاز الإحصاء التركي نشر قبل أيام تقريرا، كشف فيه عن ارتفاع قيمة استيرادات العراق من تركيا للربع الأول من السنة الحالية بنسبة 27 بالمئة مقارنة مع الربع الأول من 2021، لتصل قيمة المواد المستوردة إلى 2.7 مليار دولار، فيما ارتفعت قيمة الأغذية المستوردة بنسبة 63 بالمئة، بينما ارتفعت قيمة المشروبات والتبوغ بنسبة 101 بالمئة، فيما مثلت استيرادات العراق من الأغذية والحيوانات ما نسبته 32 بالمئة من مجمل الاستيرادات.

من جهته، يفيد الخبير الاقتصادي والمالي همام الشماع خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “غالبية التعامل التجاري مع تركيا تتم عبر القطاع الخاص، وليس هناك استيرادات حكومية من تركيا، كما أنه لا يوجد جدار جمركي موحد في العراق، والسلطات الحدودية ليست كلها خاضعة لسلطة واحدة، ولهذا من الصعب جدا السيطرة على شؤون الجمارك في ظل وضع العراق الفوضوي”.

ويضيف الشماع أن “استخدام الورقة الاقتصادية ضد تركيا ممكن أن يكون وسيلة ضغط قوية إذا ما طبقت هذه الورقة بالشكل الصحيح والحقيقي، فيجب أن تكون هناك مقاطعة بشكل كامل وليست مقاطعة جزئية عن طريق بعض المنافذ والتجار، وإذا تمت المقاطعة بشكل حقيقي، فهناك بدائل للبضائع التركية سواء من المواد الغذائية أو المواد المصنعة، من دول كثيرة”.

ويلفت إلى أن “لدى تركيا في المقابل الكثير من أوراق الضغط على العراق، وأوراق الضغط التركية قد تكون أقوى من العراقية، وخصوصا في ما يتعلق بملف المياه، كما أن المفاوض العراقي ليس لديه مرونة في الضغط على تركيا، وبذلك توجد أوراق ضغط متبادلة، وهذه القضية لا يمكن حلها إلا بطريقتين، الأولى إخراج حزب العمال الكردستاني من الأراضي العراقية لقطع الطريق أمام قيام تركيا بأي أعمال عسكرية في الشمال، والطريقة الثانية هي التفاوض الدبلوماسي مع تركيا من أجل أن تكون المصالح مشتركة ومتبادلة ويحقق العراق مصالحه المائية وحفظ السيادة وتحقق تركيا مصالحها الاقتصادية”.

يذكر أن تركيا أعلنت، في نيسان أبريل من العام الماضي، عن تصدر العراق قائمة المستوردين لمعجون الطماطم بقيمة 25 مليون دولار لثلاثة أشهر فقط، وهو ما أكده خبراء، وأشاروا إلى أن قيمة الاستيرادات الكلية من هذه المادة تبلغ نحو 100 مليون دولار سنويا، مرجحين وجود شبهات فساد، لأن هذا المعجون يذهب لتجهيز مفردات البطاقة التموينية، في ظل توقف المصنعين الوحيدين في كربلاء وواسط وعدم تأهيلهما لإنتاج معجون طماطم عراقي.

جدير بالذكر، أن المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون، كشف في تشرين الثاني نوفمبر 2021، عن طرح العراق في منتدى الأعمال العراقي-التركي، مقترحا لتشكيل كتلة اقتصادية إقليمية تضم العراق وتركيا وإيران لتصبح قوة للمنطقة تتيح لها منافسة التجمعات الاقتصادية حول العالم، بحسب قوله.

وقد وصف خبراء في الاقتصاد، خلال تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، مقترح التكتل التجاري بين العراق وتركيا وإيران، بأنه خطوة لشرعنة تهريب الدولار، واصفين التكتل بـ”غير المتكافئ”، نظرا لأن الدولتين مصدرتان والعراق مستورد فقط، فيما اشترطوا جلب استثمارات الدولتين إلى داخل العراق، حفاظا على العملة الصعبة ولضمان تشغيل الأيدي العاملة المحلية.

في المقابل، يرى المحلل السياسي علي البيدر خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “استخدام الورقة الاقتصادية ضد تركيا عبارة عن سلاح ذي حدين، إذ تنطوي على جوانب إيجابية وأخرى سلبية، والجوانب الإيجابية هي حمل أنقرة على ضبط سلوكها وتعاملها مع العراق بطريقة ندية، أي دولة مقابل دولة، واحترم حسن الجوار وبناء علاقة على أساس المصالح المشتركة، كما أن على العراق استخدام الورقة الاقتصادية باحترافية”.

ويبين البيدر أن “على العراق إيجاد البدائل للمواد المستوردة من تركيا قبل استخدام الورقة الاقتصادية وتقديم تسهيلات إلى دول الخليج لتكون هي البديل الفعلي عن المواد التركية، سواء الغذائية أو غيرها، كما أن التلويح باستخدام الورقة الاقتصادية ممكن أن يدفع تركيا إلى زيادة الإطلاقات المائية وغيرها من القضايا”.

ويضيف البيدر أن “من يتحدث عن استخدام الورقة الاقتصادية لا يبحث عن مصلحة وطنية، بل هو يبحث عن قضية تتعلق بفائدة دولة معينة، خصوصا أن هذا الأمر يفيد إيران، ومن لا يريد استخدام الورقة الاقتصادية أيضا له أجندات وارتباطات، ولاسيما أن النفوذ التركي واضح داخل العراق، وتركيا مهيمنة على الكثير من المواقف السياسية العراقية، ولهذا فأن استخدام الورقة الاقتصادية أو عدم استخدامها يجب أن يكون باحترافية عالية، لأن العراق يعتمد بشكل شبه كلي على المستورد التركي وليس هناك بدائل جيدة لهذا المستورد، ولهذا سيكون المواطن العراقي هو المتضرر من قضية استخدام الورقة الاقتصادية”.

ولغاية الآن لم يحسم ملف المياه مع تركيا، وخلال الأيام الماضية، صدرت العديد من المواقف تجاه هذا الملف، حيث بدأت بإعلان وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، عن دخول مذكرة التفاهم بين العراق وتركيا بشأن زيادة الإطلاقات المائية حيز التنفيذ، بعد توقيعها من قبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

لكن سرعان ما نشب خلاف وتصريحات متشنجة، حيث نشر السفير التركي في بغداد علي رضا سلسلة تغريدات على تويتر، قال فيها إن المياه تهدر بشكل كبير في العراق، ويجب اتخاذ تدابير فورية للحد من هذا الهدر، مشيرا إلى أن “حل مشكلة الجفاف ليس بطلب المزيد من المياه وإنما باستخدامها بكفاءة ونحن جاهزون للمساعدة، ويجب القيام باستثمارات في البنية التحتية والشركات التركية مستعدة لذلك، وتركيا بطبيعتها تستخدم المياه بما يلبي متطلباتها في الزراعة والطاقة”.

وردت وزارة الموارد المائية على كلام السفير التركي، ببيان أكدت فيه أن تصريحاته حول هدر المياه غير صحيحة وتثير الرأي العام وتهدد السلم المجتمعي في العراق، مطالبة وزارة الخارجية باستدعاء السفير التركي وتقديم مذكرة احتجاج على تصريحاته المتكررة بهذا الخصوص، مبينة أن تركيا دائما تتحجج بموضوع هدر المياه في محاولة لخلط الأوراق لكي تعطي لنفسها الحق بتقليل حصة العراق المائية، وهذا ما يحصل حاليا علما أن الخزن في سدودهم واصل لمناسيب تعتبر جيدة جدا.

إقرأ أيضا