مشهد معقد.. لماذا لا يستجيب العراق لطلب تركي بشأن حزب العمال؟

أثارت مطالبة تركيا للعراق باعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، جدلا سياسيا وعسكريا، ففيما أكد…

أثارت مطالبة تركيا للعراق باعتبار حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، جدلا سياسيا وعسكريا، ففيما أكد متخصصون أن هذا الحزب مصنف دوليا كـ”إرهابي”، وأن العراق ملتزم بالقرارات الدولية ولا حاجة للإعلان مجددا، رهنوا مسألة إخراجه من العراق بـ”التوافقات السياسية”، مشددين على ضرورة التعامل بالمثل مع الجارة الشمالية التي تسلل من أراضيها عناصر داعش، في ظل إشارة إلى تعقد المشهد بسبب وثاقة العلاقة بين الحزب التركي وفصائل مسلحة عراقية رغم نفيها المتكرر لأية صلة بين الطرفين.

ويقول عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية مثنى أمين خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تصنيف أية منظمة كإرهابية هو شأن داخلي عراقي، يتم عبر دراستها من حيث السلوك والتصرفات، وبدلا من طلب تركيا هذا الأمر كان عليها معالجة علاقات البلدين المتأزمة، إذ لا نجد لهذا الطلب معنى في هذا التوقيت الذي تتواجد فيه قوات عسكرية تركية تخرق السيادة العراقية، وتتسبب بخسائر بشرية ومادية في شمال العراق”.

ويوضح أمين أن “العراق يعتبر حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، وهذا القرار موجود منذ زمن النظام السابق، ولكن القضية لا تحل بالتسميات، بل تحتاج إلى حلول ومعالجات حقيقية”، لافتا إلى أن “معالجة قضية حزب العمال بحاجة إلى مشروع متكامل وتوافق إقليمي وانفتاح وتغليب لصوت العقل والكف عن لغة الحرب من كل الأطراف”.

وكان وزير الخارجية التركية مولود تشاويش أوغلو، قد طالب العراق يوم أمس، بإعلان حزب العمال الكردستاني “PKK”، تنظيما إرهابيا وأن يتخذ خطوات ملموسة ضد هذا التنظيم.

ومنذ مطلع العام الماضي، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى الإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.

وفي تموز يوليو الماضي، قصفت القوات التركية مصيفا سياحيا في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، ما تسبب بإصابة ومقتل 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.

وبشأن المعايير القانونية لتصنيف المنظمات على أنها إرهابية أم لا، يبين الخبير القانوني علي التميمي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حزب العمال الكردستاني مصنف أساسا ضمن القانون الدولي بقرار من مجلس الأمن على أنه منظمة إرهابية، وعليه فإن ميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945 يفرض على أعضاء المنظمة الدولية الالتزام بقراراتها وتصنيفاتها، والعراق عضو في الأمم المتحدة، وبالتالي فإنه لا يحتاج طلبا من وزير خارجية تركيا لاعتبار حزب العمال منظمة إرهابية”.

ويشير التميمي، إلى أن “المعيار الأساس المعتمد في تصنيف المنظمات الإرهابية هو القرارات التي تصدر عن الجهات الشرعية الدولية وأبرزها مجلس الأمن، كما أن هناك اعتبارات داخلية لكل دولة ومنها العراق، إذ أن لدى الدولة العراقية قانون مكافحة الإرهاب، وإذا انطبقت مواده على جهة فهي تعتبر إرهابية”.

وتقدم العراق بشكوى لمجلس الأمن الدولي بشأن القصف التركي، وعقد المجلس جلسته في 26 تموز يوليو الماضي، وفيها أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن الأدلة من موقع الاعتداء على مصيف دهوك، والتي تضمنت شظايا مقذوفات مدفعية ثقيلة، هي ذاتها التي يستخدمها الجيش التركي، وأن هناك حالة من الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح العراق من الجنوب إلى الشمال بسبب الاعتداء التركي.

ودعا حسين مجلس الأمن إلى إصدار قرار يلزم تركيا بسحب قواتها من العراق، مطالبا بتشكيل فريق دولي مستقل للتحقيق في هذا “العمل العدواني”، وإلزام الحكومة التركية بدفع التعويضات الناجمة عن الخسائر التي لحقت بالمدنيين العُزل.

يذكر أن وزير الخارجية فؤاد حسين أشار في كلمته خلال جلسة البرلمان الخاصة بالقصف التركي، إلى وجود محضر رسمي موقع من قبل وزير الخارجية العراقي في النظام السابق طارق عزيز مع نظيره التركي عام 1984 ولمدة سنة واحدة فقط يقضي بالسماح لدخول القوات التركية داخل الأراضي العراقية مسافة 5 كم، منوها إلى تسجيل أكثر من 22 ألفا و700 انتهاك تركي منذ 2018 ضد سيادة العراق.

وأكد حسين، أن وزارة الخارجية العراقية قدمت 296 مذكرة احتجاج على التدخلات التركية، وتم إدراجها مؤخرا مع الشكوى المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي تجاه تركيا.

إلى ذلك، ترى المحللة السياسية نوال الموسوي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المادة 8 من الدستور العراقي ذكرت أن العراق دولة ذات سيادة ويمنع انطلاق أي اعتداء على دولة مجاورة من أراضيه، إضافة إلى أنه يحظر كل كيان من شأنه زعزعة الأمن القومي للدول المجاورة أو المساس به”.

وتضيف الموسوي، أن “علاقة العراق مع جميع الدول، وبينها تركيا، يجب أن تكون قائمة على مبدأ التعامل بالمثل، وبالتالي فإن عليه أن يطلب من تركيا منع تسلل عناصر تنظيم داعش الإرهابي من أراضيها إلى الأراضي العراقية مثلما تطلب منه إنهاء وجود حزب العمال داخل أراضيه أو اعتباره منظمة إرهابية”.

وتعزو السبب الرئيس في عدم وجود موقف عراقي واضح وموحد إزاء حزب العمال، إلى “تباين اتجاهات القوى السياسية الماسكة بالسلطة، فكل واحدة من هذه القوى تنظر إلى الأمور من زاويتها الخاصة، وبالتالي لا يوجد توافق على تحديد العناصر والمنظمات الإرهابية أو غير المنضبطة”.

وكان قضاء سنجار هو الهدف التركي المعلن، حيث يعتبر معقلا لعناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع بالفصائل المسلحة العراقية لإرسال ألوية عسكرية إلى القضاء، وتمركزت فيه لصد أي عملية تركية محتملة داخل القضاء الذي يقع جنوب غربي نينوى، ويعد موطنا لتواجد أبناء المكون الإيزيدي في العراق.

وبشأن قدرة العراق العسكرية على إخراج حزب العمال إذا صدر قرار سياسي بذلك، يوضح الخبير العسكري عماد علو خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الجيش العراقي يستطيع إخراج حزب العمال، لكن مثل هكذا عملية لا تخلو من تعقيدات إذا تم تنفيذها، فهي تستدعي منح حرية مطلقة للجيش من أجل التحرك، وهذه الحرية قد لا تتوفر نظرا لتعقد المشهد الداخلي والإقليمي بشأن وجود حزب العمال وصراعه مع تركيا ودخوله على أكثر من خط أزمة في العراق وسوريا”.

ويضيف علو، أن “السياسة تتدخل بشكل كبير في هذا الموضوع، حيث أن هناك تناغما بين موقف بعض الفصائل وبعض التيارات داخل حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى المواقف الإيرانية، فهناك صراع تركي إيراني اليوم في هذه المنطقة”.

ويشير إلى أن “هناك تنسيقا أثناء المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي بين فصائل من الحشد الشعبي وبين فصائل شكلها حزب العمال الكردستاني، مثل قوة سنجار واليبشة، وقد تطورت هذه العلاقة لتوحد المصالح ضد داعش”. 

وقد وقعت بغداد وأربيل في 9 تشرين الأول أكتوبر 2020، اتفاقا سمي بـ”التاريخي”، يقضي بحفظ الأمن في قضاء سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات البيشمركة المرتبطة بإقليم كردستان، وإخراج كل الفصائل المسلحة وإنهاء وجود عناصر العمال الكردستاني “PKK”.

من جهته، يفيد المحلل السياسي المقرب من فصائل مسلحة، حيدر البرزنجي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “الحديث عن وجود عناصر في الحشد الشعبي من حزب العمال هو خلط للأوراق، كما أنه لا يحق لوزير الخارجية التركي الطلب من العراق تصنيف حزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية”.

ويشدد البرزنجي على أن “من واجب الحكومة العراقية أن ترد على المطالبات التركية وتستفسر وفق أي اعتبار يتم طلب هكذا أمور”، لافتا إلى أن “الحشد الشعبي معروف وله ألوية من الطائفة الإيزيدية ولا علاقة لهم بحزب العمال الذي هو مختلط الأجناس والعرقيات وموجود قبل 30 سنة”.

ويتابع أن “نظام صدام حسين لم يستطع إخراج حزب العمال من العراق، فلماذا تطلب تركيا ذلك الآن، كما أنها تطالب بأن لا يكون العراق منطلقا لاستهداف الدول، لكنها لا تعمل بهذا المبدأ”.

وكشفت “العالم الجديد” في تقرير سابق، أن رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما في أنقرة في 17 كانون الأول ديسمبر الماضي، بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد-أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول إلى سنجار تحت مظلة حلف الناتو، تحسبا لردود أفعال سلبية من قبل الفصائل المسلحة، في حال دخول تركيا بمفردها لسنجار، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية كانت حاضرة للقاء الذي جرى في أنقرة، وتخللته مأدبة فاخرة على أنغام الطرب العراقي التراثي.

أقرأ أيضا