إصرار دولي وعراقي على غلقه.. لماذا تأخر حسم ملف مخيم الهول؟   

يسعى العراق جاهدا إلى تفكيك مخيم الهول في سوريا وإنهاء ملفه في أسرع وقت، لأسباب…

يسعى العراق جاهدا إلى تفكيك مخيم الهول في سوريا وإنهاء ملفه في أسرع وقت، لأسباب يعزوها مسؤولوه إلى أن المخيم يمثل بؤرة خطيرة للتشدد، في ظل احتضانه لآلاف العراقيين، فيما أشار خبراء أمنيون إلى أن إغلاق المخيم يستغرق وقتا طويلا بسبب إجراءات التدقيق الأمني الخاصة بمن يتم إخراجهم منه.

ويقول وكيل وزارة الهجرة والمهجرين العراقية كريم النوري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “إنهاء وتفكيك مخيم الهول، مسألة تهم العراق أكثر من الأطراف الدولية الأخرى، لأن له أكثر من 29 ألفا من رعاياه يسكنون المخيم، ولما له من مخاطر أمنية كبيرة”.

ويضيف النوري، أن “بقاء هذه الأعداد الكبيرة في مخيم الهول يعني أننا نعد للإرهاب إعدادا كاملا، وهؤلاء سيكونون أخطر من عناصر تنظيم داعش الإرهابي، فهذا المخيم سوف ينتج جيلا إرهابيا جديدا وخطيرا، لذا فإن العراق وبعض الدول يعملون على إنهاء وجوده، وقد نجح العراق فعلا بهذا الأمر من خلال إعادة الكثير من ساكنيه”.

ويبين أن “سبب التلكؤ في إنهاء وجود مخيم الهول، هو وجود تعقيدات كثيرة وكبيرة، منها أن هذا المخيم بيد قوات قسد (السورية المعارضة)، وهناك بعض من ساكنيه ليس لديهم أي مستمسكات ثبوتية رسمية، وبعضهم لا نعرف من هم ذووهم، وهذا التدقيق يحتاج إلى وقت طويل، حتى يتم نقل من ليس له أي تهم تتعلق بالإرهاب”، لافتا إلى أن “العراق هو الدولة الوحيدة التي نجحت في هذا المجال، وما زال العمل مستمرا على نقل بعض العوائل بعد التدقيق الأمني”.

ويلفت النوري، إلى أن “وجود متشددين وجماعات إرهابية في مخيم الهول، يدعو إلى الإسراع في نقل من ليس لهم علاقة بالإرهاب، حتى لا يكون هناك تأثير عليهم بالفكر الداعشي، والعراق لا ينقل أي شخص عليه ملفات إرهابية، لكي يكون خطرا على المجتمع العراقي، وبقاء هؤلاء مع المتشددين والجماعات الإرهابية يعرضهم للخطر، ومخيم الهول قد يصنع لنا قنابل موقوتة يمكن تفجيرها في أي وقت”.

وكان مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، أعلن أمس الإثنين، عن وجود اتفاق دولي لغلق مخيم الهول في سوريا، بالإضافة إلى دعم دول كبرى للعراق بهذا الصدد، مؤكدا أن العراق طالب الكثير من الدول بسحب رعاياها ومحاسبتهم بحسب قوانين كل دولة، فيما بين أن هناك 25 ألف عراقي في المخيم من أصل نحو 60 ألف شخص فيه من مختلف الجنسيات.

وأعلنت الحكومة الاسترالية، أمس، أنها قررت إعادة قرابة 20 امرأة أسترالية و40 طفلا من مخيم الهول، وأكدت أن الأولوية القصوى هي حماية الأستراليين ومصالح أستراليا الوطنية، بناء على نصائح الأمن القومي.

يشار إلى أن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة، اللواء تحسين الخفاجي، كشف الشهر الماضي عن تعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من خلال التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مؤكدا أن هذا التعاون هو في المجال الأمني، وأيضا في ما يتعلق بمخيم الهول السوري.

وكانت “العالم الجديد” قد نشرت تحقيقا استقصائيا حول مخيم الهول، في منتصف أيلول سبتمبر الماضي، سلطت فيه الضوء على ما يجري داخل المخيم، وانتماء الأغلبية من ساكنيه لعائلات عناصر داعش، والذين يرفضون العودة لأسباب شتى منها الخوف من الانتقام أو السلطات الأمنية أو لتدمير مساكنهم.

من جانبه، يفيد الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بأن “تفكيك مخيم الهول هو من مصلحة العالم برمته وليس العراق وسوريا فقط، فهذا المخيم يشكل تهديدا على السلم العالمي وليس العراقي والسوري فحسب، ولذا يجب أن يكون هناك تعاون من قبل الأمم المتحدة والمحافل الدولية من أجل إنهاء هذا الملف، خصوصا أن العراق وسوريا لا يمكن لهما إنهاء وجود هذا المخيم بمفردهما”.

ويتابع أبو رغيف، أن “سبب التلكؤ في تفكيك مخيم الهول واضح، فهذا الأمر يحتاج إلى عملية إعادة تنظيم وتأهيل هذه العوائل في المجتمع وغسل ما تبقى من الفكر المتطرف في عقول الذين عاشوا لفترات طويلة في هذا المخيم، وهذا يحتاج إلى جهد كبير، إضافة إلى توفير البنى التحتية، فالعراق وسط مشاكله المالية والسياسية غير قادر على توفير بيئة خصبة للسكن والعيش لقاطني المخيم، خصوصا أن العوائل في المدن المحررة ترفض إعادة هؤلاء لوجود مشاكل وثارات قديمة”.

ويشير إلى أن “مخيم الهول يضم أكثر من 30 ألف متشدد، كما أننا نعتقد أن بعض العمليات الإرهابية في العراق أو سوريا ما زالت تنطلق من هذا المخيم، ولذا فإن إخراج هؤلاء من المخيم يجب أن يكون بشكل حذر ووفق تدقيق أمني كبير وشديد، إضافة إلى بذل الجهد الفكري والمالي، وهذا يحتاج وقتا طويلا”.

يذكر أن الجنرال الأمريكي مايكل إريك كوريلا، الذي يشرف على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، زار منتصف الشهر الماضي مخيم الهول، وطالب بالإسراع في ترحيل ودمج الآلاف من أفراد أسر عناصر تنظيم داعش الذين يقبعون في المخيم، مؤكدا أنه يجب النظر إلى هذا الأمر بتعاطف، لأنه لا يوجد حل عسكري لذلك، وأن الحل الوحيد هو ترحيل هؤلاء الأفراد وإعادة تأهيلهم ودمجهم، وأشار أيضا إلى أن الوتيرة الحالية للعودة، والتي تتراوح بين 125 إلى 150 أسرة عراقية شهريا، بطيئة للغاية وستستغرق أربع سنوات حتى تكتمل، لذا يجب تسريع ذلك.

وكانت وزارة الهجرة والمهجرين أعلنت سابقا، أن من المقرر نقل 500 عائلة من مخيم الهول هذا العام على شكل وجبات، بالتعاون مع مستشارية الأمن القومي والأجهزة الأمنية كافة، وأن الجدول الزمني لنقل نازحي مخيم الهول إلى مخيم الجدعة في نينوى يعتمد على الكثير من الأمور منها وضع الجانب السوري، إضافة إلى استعدادات الجانب العراقي، مؤكدة أن نازحي مخيم الهول هم من المحافظات المحررة وهي الأنبار وصلاح الدين ونينوى، وبعد تأهيلهم سيوزعون بين محافظاتهم.

يشار إلى أن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، كان من أبرز الشخصيات الساعية لغلق مخيم الهول السوري، وقد التقى خلال الأشهر الماضية مرات عديدة السفير الأمريكي السابق في العراق لبحث هذا الملف، كما دعا خلال لقائه وفدا من البرلمان الأوروبي، في شهر أيار مايو الماضي، المجتمع الدولي إلى إلغاء مخيم الهول في سوريا وسحب الدول لرعاياها منه.

وقد دخلت البلاد أول قافلة من مخيم الهول، في منتصف العام الماضي، وعلى متنها 94 عائلة عراقية، برفقة حراسة مشددة، حيث استقر بها الحال في مخيم الجدعة جنوبي نينوى، وبحسب مصادر فإن هذه القافلة هي جزء من 500 عائلة سيتم نقلها إلى العراق، بناء على اتفاق مع إدارة مخيم الهول.

من جهته، يوضح الخبير العسكري أحمد الشريفي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق أول دولة شعرت بخطورة مخيم الهول على أمنه القومي واستقراره، ولذلك تحرك بشكل مبكر من أجل تفكيك هذا المخيم، لضمان حفظ النصر المتحقق على الإرهاب خلال السنوات الماضية”.

ويضيف الشريفي أن “بعض الدول تلقت تقارير تؤكد خطورة هذا المخيم على أمن العالم، ولهذا هي تحركت بشكل متأخر لإنهاء وجود هذا المخيم، خصوصا أن هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل، ويحتاج إلى تعاون دولي كبير، والعراق لا يملك الإمكانيات الكافية لإنهاء ملف هذا المخيم، الذي بات يشكل تهديدا حقيقيا على الأمن القومي العراقي والعالم بصورة عامة”.

ويستطرد الشريفي أن “هناك حراكا دوليا سيكون في القريب العاجل من أجل إنهاء ملف مخيم الهول بشكل نهائي، لكن كما قلت سابقا يحتاج الأمر إلى وقت طويل وجهد أمني واستخباراتي من العراق وكل دول العالم لمنع انتقال الإرهابيين إلى المدن من جديد، ولهذا فإن العراق دقيق بنقل العوائل إلى مخيم الجدعة لمنع وجود أي مخيم يحتوي على قنابل موقوتة ضمن حدود المدن العراقية”.

وأثارت عودة هذه العوائل حفيظة الكثير من الجهات، حيث اعتبرتهم منتمين لتنظيم داعش، وأن إعادتهم تشكل خطرا كبيرا على العراق، وقال النائب محمد كريم في وقت سابق لـ”العالم الجديد”، إن “هذه القرارات التي تتخذ هي بتأثيرات خارجية لإعادة تدوير هذه القنابل القاتلة إلى داخل البلد، وهم يعلمون أن هؤلاء رضعوا الإجرام مع أمهاتهم وآبائهم الدواعش”.

وكانت وزارة الهجرة قد أكدت لـ”العالم الجديد” العام الماضي، أن “العوائل العائدة من مخيم الهول لم تصنف لغاية الآن باتجاه آخر، على اعتبار أن الأجهزة الأمنية هي من تحدد ذلك، وهي لم تحدد لنا هذا الموضوع”، واصفة إياهم بأنهم “ضحية داعش في مرحلة الاحتلال، وهربوا لمناطق يعتبرونها آمنة، وفي فترة من الزمن تمت إعادة الكثير منهم ودمجهم بالمجتمع، وبقي بعضهم بسبب جائحة كورونا والتأثيرات الأخيرة في سوريا”.

وبحسب الوزارة، فإن مخيم الجدعة لا يمكن لأي شخص الدخول إليه لكثرة الخطوط الأمنية المراقبة له، إضافة إلى وجود سياج من خطين.

يذكر أنه بعد إعلان النصر على داعش في العام 2017، بدأت حركة النزوح نحو مخيم الهول السوري، حيث فرت أغلب العوائل المرتبطة بالتنظيم إليه، وبين فترة وأخرى تعود بعضها وتخضع للإجراءات الأمنية من قبل العراق.

ويعود تاريخ إنشاء مخيم الهول، إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث أسس من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على مشارف بلدة الهول بالتنسيق مع الحكومة السورية، ونزح إليه ما يزيد عن 15 ألف لاجئ عراقي وفلسطيني، هاجر الكثيرون منهم إلى مختلف أرجاء العالم بمساعدة الأمم المتحدة، خاصة بعد أحداث عام 1991 عندما غزا النظام العراقي السابق دولة الكويت، وقادت ضده الولايات المتحدة حربا عبر تحالف دولي.

إقرأ أيضا