ابتزاز وأتاوات.. كيف يُحكم ضابط “فاسد” قبضته على حيّ المنصور؟ (صورة)

فوجئ أبو محمد، أحد سكنة منطقة المنصور في بغداد، قبل أيام قليلة بمجيء قوة عسكرية…

فوجئ أبو محمد، أحد سكنة منطقة المنصور في بغداد، قبل أيام قليلة بمجيء قوة عسكرية إلى منزله، محاولة ابتزازه كما يقول، في سلوك لم يعد غريبا بالنسبة لأهالي الحي الراقي، بسبب وجود من يفعل ذلك لمصالح شخصية.

يملك أبو محمد (52 عاما) منزلا واسعا ورثه عن أبيه في شارع من شوارع المنصور، وذات الأسعار الباهظة، لكنه يشكو مثل آخرين غيره من التعرض لمضايقات من أجل ترك منازلهم تمهيدا للاستحواذ عليها.

ويقود عمليات المضايقات والابتزازات ضابط في وزارة الدفاع، مسؤول عن مسك الأرض في مناطق المنصور واليرموك والحارثية، ومساعيه إلى اقتلاع السكان من منازلهم ليست الطريقة الوحيدة لديه للكسب غير المشروع.

وتفيد مصادر أمنية وشهود عيان، خلال أحاديث لـ”العالم الجديد”، بأن هذا الضابط يقبض أتاوات من جميع المحال التجارية ومراكز التسوق والمشاريع الجديدة، فضلا عن استيلائه على منازل خالية كبيرة المساحات في تلك المناطق الثلاث.

ويقول أحد السكان، إن “هذا الضابط موجود في موقعه منذ سنتين، وهو يقبض من الجميع، من المطاعم والمقاهي والأماكن الترفيهية والمحال التجارية، وقد قدمنا شكاوى ضده في أكثر من مكان ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء بحقه”.

ويضيف أن “هذا الضابط يمكن بعض الأحزاب والمسؤولين من الاستيلاء على عقارات في المنصور والحارثية واليرموك لكي يساندوه، كما أنه يقوم بإخراج الأهالي الذين يشغلون العقارات العائدة للدولة ويمنحها للمسؤولين”، مبينا أنه “مسيطر أيضا على ملف الأراضي الزراعية في المنصور، فأي بناء جديد في الأراضي الزراعية لا يتم إلا من خلاله بعد دفع الرشى والأتاوات”.

من جهة أخرى، يبين مصدر أمني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هذا الضابط يمتلك حرية كاملة بتحريك أي قوة عسكرية لتنفيذ ابتزازاته، وبإمكانه أن يحرك أي مفرزة من دون اعتراض آمر اللواء أو آمري الأفواج، لأنهم جميعا متورطون معه ويخشونه”.

وحصلت “العالم الجديد” على صورة توثق إحدى عمليات الابتزاز التي قام بها الضابط المذكور.

ويتابع المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن “أكثر من مجلس تحقيق أنشئ بحق الضابط ولكن تم إغلاقها بسبب نفوذه وعلاقاته بمكتب أحد الزعماء السياسيين الفاعلين في البلاد”، مشيرا إلى أن “من يمتلك سندا من إحدى الجهات السياسية ينجو من مساومات هذا الضابط، كما حصل مع إحدى العائلات التي تشغل عقارا ضخما في المنصور، حيث لم ترضخ له على الرغم من محاولته ابتزازها أكثر من ثلاث مرات، لأنها مدعومة من جهة قوية”.

ويلفت إلى أن “الضابط المقصود، كان قد تم احتجازه قبل أيام مدة 24 ساعة بسبب تهجمه على إحدى المحاكم التي كان يمثل فيها قريب له، وحاول إخراجه منها بالقوة، فما كان من القاضي إلا أنه أمر باعتقاله بتهمة عرقلة سير العدالة، من دون أن تلاحقه السلطات القضائية بأية تهمة أخرى، على الرغم من كل الشكاوى والتحقيقات التي فتحت بحقه”.

وأثيرت طيلة السنوات الماضية، قضايا عديدة ضد بعض الضباط في وزارتي الدفاع والداخلية، وكيف تحولوا إلى أداة لممارسة الابتزاز والأعمال غير المشروعة، وذلك فضلا عن الفساد المستشري في بعض مفاصل هاتين الوزارتين، والذي بات يتحكم بتوزيع المناصب.

وسبق لـ”العالم الجديد” أن سلطت الضوء على الفساد وضعف المتابعة الأمنية، وخاصة بملف محافظة كركوك، حيث شهدت المحافظة العام الماضي هجمات إرهابية شبه يومية، ووفقا لتحري الصحيفة والمتحدثين، فإن السبب الأساس هو الفساد الذي انعكس على توزيع القطعات العسكرية.

وفي هذا السياق، يوضح الخبير الأمني عدنان الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “بعض اللصوص ارتدوا الزي العسكري وأصبحوا في مناصب أمنية رفيعة، وبالتالي لجأوا إلى تغيير ديموغرافية بعض المناطق”.

ويلفت الكناني إلى أن “بعض مناطق الرصافة يسكنها مسيحيون كثر، وقد وصل الأمر إلى خطف بعض أفراد هذه العوائل كوسيلة ضغط لترك منازلها”، مبينا أن “البعض يستثمر رتبته العسكرية ونفوذه وأصبح وسيلة ضغط للاستيلاء على العقارات المهمة في بغداد، وهؤلاء لا يمثلون المؤسسة العسكرية”.

ومن مظاهر الفساد في العاصمة بغداد، هي ما كشفته “العالم الجديد” سابقا، بشأن ضباط في الأمن السياحي يتقاضون إتاوات من محال المشروبات الكحولية والنوادي الليلية، وصدرت بحقهم في حينها أوامر نقل وزارية بعد تفجيرات عدة استهدفت هذه المحال.

وبين فترة وأخرى، تُثار قضايا ارتكاب جرائم، بحق منتسبين في الأجهزة الأمنية، وغالبا ما تشكل لجان تحقيق بحقهم، ومن أبرزها في العام الماضي، جريمة مقتل عائلة كاملة في ناحية جبلة بمحافظة بابل، فضلا عن قتل الشابة شيلان في منطقة المنصور وسط بغداد، والمعلمة مريم في محافظة الديوانية، كلها جرائم قام بها منتسبون وضباط بحسب البيانات الرسمية.

إقرأ أيضا