قصة المخابرات والفاشينستات بالعراق.. علاقات «مشبوهة» ومنافع متبادلة وتوظيف على طريقة صفوت الشريف

 سلطت قضية “الابتزاز والاحتجاز” المُتهمة بها “المودّلْ” والإعلامية همسة ماجد، أواخر أيلول سبتمبر الماضي، الضوء…

سلطت قضية “الابتزاز والاحتجاز” المُتهمة بها “المودل” والإعلامية همسة ماجد، أواخر أيلول سبتمبر الماضي، الضوء على العلاقات “المشبوهة” التي تربط معشر “الفاشينستات” بعناصر وضباط في “المخابرات” وغيره من الأجهزة الأمنية الحساسة في العراق، وهو ما انفكت تتداوله الألسن وتنصت له الآذان.

قضية الرأي العام المتواترة هذه منذ أسابيع والتي أصبحت “ترند” على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “همسة وضباطها الخمسة” وصلت حيثياتها إلى المحاكم، وطالت تداعياتها بعض “رجال الظل” المتورطين، حسبما تفيد الأنباء والمعلومات.

يأتي ذلك بالتزامن مع انتشار مقطع صوتي مجتزأ لـ”الفاشينستا” المُثيرة للجدل، وهي تتوعد وتهدد إحداهن (..) وتتباهى بـ”خوالها ضباط المخابرات” وكذلك بعلاقاتها مع “الميليشيات” في وقت تدعي التزامها بسلطة القانون!.

تجنيد «الفاشينستات».. ومواعدتهن

الأحاديث الواردة إلى المسامع والمعلومات الحصرية التي تحصلت عليها “العالم الجديد”، بعد إثارة هذه القضية، تُفيد بأن جهاز “المخابرات” العراقي، لجأ منذ سنوات إلى استخدام وتوظيف بعض مشهورات “السوشيال ميديا” بعناوينهن المختلفة في “مهامه التجسسية وواجباته الخفية”.

وفي تفاصيل المعلومات الخاصة، فان الجهاز الأمني الحساس الذي يرتبط اسمه في البلدان العربية بالرعب والتجسس “جند تلك المشهورات بمهمات داخلية وخارجية، مقابل خدمات مختلفة تقدم لهن”، وفقا لضابط “مخابرات” كان ضمن الوحدة المُكلفة بمتابعة ملف مشاهير المواقع الاجتماعية قبل أن يتم نقله إلى هيئة المنافذ الحدودية.

هذه الجزئية من حديث الضابط المخابراتي، تُحاكي القصة المعروفة عن تجنيد الفنانات والإعلاميات المصريات من قبل ضابط “المخابرات” المصرية السابق صفوت الشريف الملقب بـ”وزير السرير” الذي كان يوظفهن للإيقاع بمعارضين وسياسيين ومسؤولين ووزراء وقادة عرب وأجانب، بدعوى الواجب الوطني!.

الضابط العراقي الشاب الذي طلب إبقاء اسمه بعيدا عن الإعلام لحساسية الأمر والخشية من المساءلة أو العقوبات الإدارية التي قد يتعرض لها، كان شاهدا كما يقول على توطد علاقات “الفاشينستات” بعدد من زملائه السابقين منذ تولي مصطفى الكاظمي رئاسة “المخابرات” قبل نحو 6 أعوام، بعد تأسيس وحدة تحريات خاصة داخل الجهاز لمراقبة ومتابعة ملف مشاهير التواصل الاجتماعي في البلاد.

ويوضح أكثر بهذا الصدد: “دفعت المخاوف من انخراط المشهورات واستغلالهن بشبكات الجريمة المنظمة، إلى مراقبتهن والتواصل مع عدد منهن بشكل مباشر، ليتطور الأمر فيما بعد ويسفر عن دخول بعض الضباط المستهترين في علاقات معهن”.

كلام الضابط هنا، يمكن أن تجد له أرضية في تصريحات الكثير من “الطاشات” هذه الأيام عند سؤالهن خلال لقاءات تلفزيونية عن مواصفات فارس أحلامهن والزوج المستقبلي، حيث يُجبن بضرس قاطع: “ضابط.. هيبة ووقار وسند”، ومنهن من أصبحت زوجة ثانية بزواجها من ضابط عسكري، ناهيك عن الزواجات السرية وتلك التي لا تدوم إلا لأيام أو أسابيع على أكبر تقدير.

منافع متبادلة.. وحضور قوي

ما لفت الانتباه في نشاط “فتيات الإنترنت” المصطنعات، هو الحضور الجماعي والمفاجئ لعدد منهن إلى البلاد قبل نحو عامين -بينهن من لم تطأ أقدامها ارض العراق منذ عقدين تقريبا- في خضم حملة دعائية شارك فيها مشاهير عرب وأجانب اعتبرت شكلا من أشكال الترويج لحكومة الكاظمي الذي ازدهرت نشاطاتهن في عهده، سواء خلال ترؤسه لهرم السلطة التنفيذية أو عندما كان رئيسا لجهاز “التجسس” الذي لم يتركه إلا قبل أشهر قليلة بعد أن عين فيه مدير مكتبه رائد جوحي، قاضي التحقيق السابق مع صدام حسين.

حتى أن بعضهن أخذن يتفاخرن في “ستورياتهن” وبثهن المباشر، بما حققنه في غضون مدة قصيرة وما بتن يمتلكنه من مطاعم ومراكز تجميل ومحلات لبيع العلامات التجارية، ناهيك عن السيارات الفارهة بأحدث موديلاتها والشقق والبيوت حديثة الطراز داخل العراق وخارجه. في وقت كان بعضهن قبل سنوات معدودة مجرد راقصات يهززن مؤخراتهن السليكونية ويستعرضن اجسادهن الممتلئة على خشبة المسرح التجاري، مقابل أجور زهيدة.

وعن هذا التحول السريع والانتقالة النوعية في الأحوال الشخصية والمادية والجسدية لعدد من “الفاشينستات”، يشير ضابط “المخابرات” السابق الى انه: “منذ مجيء الكاظمي إلى رئاسة المخابرات في حزيران يونيو 2016 تكثف نشاط المشهورات المقيمات منهن داخل البلاد أو خارجه، وفتحت امامهن الساحة على مصراعيها، وازدهرت أعمالهن الإعلانية والتجارية في الفضاء العام العراقي”.

ويضيف: “…الأمر بدا وكأن هناك من وجههن نحو الساحة العراقية واستقدمهن إليها ويواظب على رعايتهن وقضاء حوائجهن، بعد أن كانت وجهتهن المفضلة دولا عربية وخليجية وبلدان أجنبية، حيث يقيم ويعمل معظمهن هناك ومنهن من تزوجن من أجانب غير مسلمين”.

أفعال مشبوهة.. وجهات معادية

حديث ضابط “المخابرات” السابق ومسؤول الحدود الحالي، تردد صداه أيضا لدى أوساط المراقبة والتحليل، التي يرى بعضها أن مسألة انتشار وتكاثر (الفاشينستات والتكتوكريات واليوتبريات والانستغراميات والسنابشاتيات والبلوكريات..الخ) في الفضاء الإلكتروني العراقي، وكأنه أمر موجه! ولا يستبعد أن تقف خلفه جهات داخلية وأخرى خارجية.

احد أولئك المراقبين هو فاضل أبو رغيف الخبير الأمني المطلع الذي بدا متحاملا عليهن في تعليقه لـ”العالم الجديد”، على الموضوع، قائلا: “أفعال بعض تلك المشهورات، تندرج ضمن إطار الدعارة المنظمة، وبات تأثيرهن السلبي على الواقع المجتمعي كبير جدا، وهو ما يتطلب تدخل السلطات لإيقافهن والحد من نشاطاتهن المشبوهة التي من الممكن أن تقف خلفها جهات معادية”.

وأضاف أبو رغيف، أن “أنشطة مشهورات التواصل الاجتماعي وادعاءاتهن بالعلاقة مع رجالات الأجهزة الأمنية، قد تكون ساذجة وتطلق من باب التباهي الشخصي، لكنها في حقيقة الأمر أفعال مشبوهة تمس واقع الأمن القومي للبلاد وتزعزع ثقة المواطن في الدولة ومؤسساتها”، غامزا هنا من قضية “المودل” همسة ماجد وتفاخرها بصلاتها وعلاقاتها مع ضباط “المخابرات”.

كلام الخبير الأمني عن الأفعال المشبوهة، يُذكر بالضجة التي أحدثها شاب عراقي متحول جنسيا يحمل الجنسية الأمريكية يُدعى “جوجو دعارة”، تم القبض عليه قبل أشهر بتهمة ابتزاز شخصيات وقيادات بارزة في الدولة عبر شبكة سمسرة للنساء، كانت همسة ماجد إحدى ضحاياه كما تزعم.

واعتبرت هذه الحادثة “قضية أمن دولة”، حيث كان لجهاز “المخابرات” كما يؤكد -الضابط مصدر القصة- دور بارز في استقدام “جوجو الامريكي” إلى بغداد والقبض عليه، لا سيما بعد أن هدد بكشف المستور عن فضائح تطال قيادات أمنية كبيرة وشخصيات سياسية بارزة وأخرى تعمل في مجال الإعلام والفن.

وكغيره من المراقبين، يؤشر أبو رغيف إلى أن “هناك قصورا في عمل جهاز الادعاء العام العراقي”، داعيا النائب العام وغيره من المؤسسات المعنية إلى “مراقبة ومأسسة نشاطات وأفعال هؤلاء المشاهير، مثلما يحدث في بعض البلدان”.

كما لا يستبعد الخبير المُقرب من قيادات ورئاسات الأجهزة الأمنية بما فيها جهاز “المخابرات”، تورط بعض تلك المشهورات بجرائم وأنشطة غير قانونية كتمويل الإرهاب وغسيل الأموال والاتجار بالبشر وتجارة المخدرات، مُنطلقا في رؤيته هذه من قضايا مشابهة تورطت فيها بعض الفنانات ومشاهير “السوشيال ميديا” في الجارة الكويت.

جوازات دبلوماسية

هذا التواصل والتعاون (المخابراتي– الفاشنستاتي) المُثار في كلام ضابط “المخابرات”، يأتي بعد أن شهدت السنوات الماضية تورط إحدى “المودلز” المراهقات في تهريب المخدرات من أربيل إلى بغداد، وقبل ذلك مقتل عارضة الأزياء ووصيفة ملكة جمال العراق تارة فارس، إضافة إلى الموت المريب والمثير للشكوك والشبهات لصاحبات مراكز تجميل مشهورة في بغداد.

وبحسب الضابط نفسه الذي تابع حديثه وعلامات التهكم والسخرية علت ملامح وجهه، فان “بعض الفاشينستات تحصلن على جوازات دبلوماسية.. ويجري تسهيل مرورهن أثناء السفر في المطارات وعند مراجعة السفارات، نظير علاقاتهن مع ضباط المخابرات، حتى أن أحد القناصل الأوربيين أبدى إنزعاجه من كثرة النساء اللاتي يتحصلن على تأشيرة دخول أوروبية (شنغن) بواسطة من جهاز المخابرات”.

“كما يتحصلن على خدمات من قبيل توفير الحماية لهن ولمشاريعهن التجارية المتنوعة، وتسوية الصعاب والمشاكل اللائي يواجهنها، بالإضافة الى منحهن سيارة ورخصة حمل مسدس”، يختم الضابط كلامه الجريء.

الفقرة الأخيرة من حديث ضابط “المخابرات” تتقاطع مع ما سيكشفه لـ”العالم الجديد”، مفوض مَسلكي عمل لفترة في مركز شرطة الصالحية، وكان شاهدا على دعوى أقامتها إحدى المشهورات ضد شخص، وتمت تسويتها وإغلاقها لاحقا بعد أن تلقى ضابط التحقيق اتصالات من “جهات عليا” طالبته بإنهاء الموضوع.

أشياء أخرى!

وعن فحوى هذه الدعوى، يقول مفوض الشرطة: “في أحد الأيام جاءت تلك المشهورة.. وهي دائمة التردد على المركز، لتقيم دعوى على شخص قالت إنه (زبون) قدمت له خدمة مقابل مبلغ من المال لم يمنحه لها كاملا”.

ولمعرفة ملابسات وتفاصيل أكثر، يسترسل المفوض في حديثه :”بعدها تم استقدام المُدعى عليه، والذي أقام بدوره دعوى مضادة قدم فيها تسجيلا صوتيا مقتطعا تهدده فيه بنفوذها وعلاقتها مع ضباط ومسؤولين.. ما لم يدفع بقية المبلغ المتفق عليه”.

المشتكية لم تقدم دليلا على “الاتفاق المشبوه” الذي اتضح فيما بعد أنه كان عبارة عن سهرة خاصة طلب فيها (الزبون) من المشتكية جلب إحدى صديقاتها (وجه جديد) للسهرة وطلبت نظير ذلك 20 ألف دولار، يوضح مفوض الشرطة.

ليتم في نهاية المطاف إسدال الستار على القضية، عقب اتصال هاتفي ورد من “ضابط مخابرات” لزميله ضابط التحقيق الذي صارح المشتكية بإمكانية انقلاب الدعوى ضدها، وأوضح للمُدعي عليه إمكانية إيقافه على ذمة التحقيق.

هذه العلاقات المشبوهة لمعشر المشهورات لم تقتصر على ضباط “المخابرات”، فقد ظهرت إحدى “بنات الليل” قبل أشهر في فيديو قصير وهي تشكر في اتصال هاتفي وبكلمات دلع وتغنج قائد برتبة كبيرة في وزارة الداخلية بعد أن ساعد باتصالاته على تسهيل مرورها من إحدى نقاط التفتيش خلال فترة حظر ليلي للتجوال في العاصمة بغداد. ليتعرض القائد المذكور لاحقا إلى تحقيق وإعفاء من منصبه جراء هذه الحادثة المصورة.

فيما انتشر مقطع فيديو قبل عامين، تظهر فيه سيدة اتضح انها تعمل بإحدى صالات القمار والملاهي الليلية، وهي تتطاول على جندي لم يسمح لها بخرق حظر التجوال الذي فرضته السلطات الأمنية، وهددته بالشكوى إلى قائد أمني كبير كان في حينها رئيسا لأحد الاجهزة الأمنية (استقال من منصبه لاحقا) وهو ما أجبر مكتب ذلك القائد للخروج ببيان صحافي نفى أي علاقة له بتلك السيدة المشبوهة.

وفي العام الماضي، تعرض مدير دائرة الأحوال الشخصية في الأعظمية ببغداد (إحدى دوائر وزارة الداخلية) إلى عقوبة إدارية بعد أن اصدر بطاقة شخصية لابنة الشاعرة و”الفاشينستا” شهد الشمري، خارج الضوابط والسياقات المعمول بها.

غياب الرّد.. والنهج الجديد القديم

ولم تفلح محاولات البحث والاتصال المتكررة التي أجرتها “العالم الجديد”، بالحصول على رد من جهاز “المخابرات” الذي تعيش إدارته خلف أبراج محصنة، على ما سيق من معلومات واتهامات ضد بعض عناصره وضباطه “غير المنضبطين”، ولا من وزارة الداخلية التي أقر أحد وجوهها الإعلامية في تصريح مقتضب لـ”العالم الجديد”، بوجود “أكثر من 20 ملف يخص مشهورات التواصل الاجتماعي لدى جهاز المخابرات.. ولا يمكن لأحد محاسبتهن!”.

على ضوء ما تقدم، يبدو أن “المخابرات” العراقية في نهجها الجديد الذي تقوم فيه برعاية المشهورات والاهتمام بهن، قد انخرطت في أسلوب التجسس الجديد المتمثل بالانتقال من وظيفة الجاسوسية إلى صناعة الجمال والمشاهير التي باتت مهمة أساسية لبعض المؤسسات الحاكمة في العالم. وهي بذلك تسير على خطى وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA التي كشفت تقارير موثقة بأنها وراء صناعة “نجمات تلفزيون الواقع”.

كماأانها لم تبتعد كثيرا عن نهج وأساليب مخابرات نظام “البعث” الذي كان يستخدم العنصر النسوي ويعتمد عليه في مهامه، حيث يوظف صاحبات معارض الزهور وصالونات الحلاقة والتجميل والنوادي الرياضية وبعض المذيعات والإعلاميات وحتى طالبات الجامعات اللائي كن يتفاخرن ويستقوين برجالات السلطة آنذاك على الناس والفقراء، وهو شبيه بما تفعله حاليا همسة ماجد ومثيلاتها.

*حيدر نجم: صحافي وكاتب مهتم بتغطية الشؤون السياسية والعامة في العراق، عمل في عدد من الصحف العربية من بينها جريدتا “الشرق الأوسط” السعودية و”الراي” الكويتية، ومحررا في دورية “نقاش” الألمانية. والآن يكتب تحليلات ومقالات وقصصاً صحافية بشكل مستقل، للتواصل معه: haidernajim00@gmail.com

إقرأ أيضا