ماذا بعد العلامة 162.. تواطؤ واستغفال أهديا خور عبدالله للكويت وهددا “الفاو الكبير” (خرائط وأنفوغراف)

بعد مرور قرابة 30 عاما على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 القاضي بتقسيم القناة…

بعد مرور قرابة 30 عاما على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 القاضي بتقسيم القناة الملاحية لخور عبد الله (العراقية) مناصفة بين العراق والكويت، عمدت الأخيرة إلى التجاوز بطرق توصف بـ”الملتوية” تتمثل بالتقدم على حصة العراق المائية في مدخل الخور وضمها إلى حدودها لتضيق المساحة المتاحة للعراق عبر جزر اصطناعية، اعتبرتها هي خط الأساس، في مخالفة أخرى للمواثيق الدولية، التي تعتمد الجزر والتضاريس الطبيعية حصرا، ليفقد العراق بذلك مدخل ممره تلملاحي الوحيد، فضلا عن تهديده لتعطيل مشروعه الستراتيجي المتمثل بميناء الفاو الكبير العراقي.

ملف شائك تخوض “العالم الجديد” في تفاصيله، مرفقة خرائط وإنفوغرافا توضيحيا، يختصر كافة ما سيرد على لسان متخصصين بترسيم الحدود، ممن خاضوا في السابق مفاوضات مع الجانب الكويتي بهذا الشأن، فضلا عن حصولها على رد من متخصص كويتي، قلل من الأزمة، واعتبرها “تقنية” يمكن حلها عبر لجان حكومية مشتركة.

يقول اللواء المتقاعد، الدكتور جمال الحلبوسي، المتخصص بترسيم الحدود الدولية، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “القرار 833 لسنة 1993، الصادر عن مجلس الأمن الدولي، قام بتقسيم خور عبد الله مناصفة بين العراق والكويت، فالحدود تبدأ من العلامة 107 إلى 110 وتمثل خط الساحل بين الجانبين، أي تكون المياه للعراق واليابسة للكويت، ومن النقطة 111 إلى 134 هو خور شيطانة، وتمثل خط التالوك لمجرى الينابيع العذبة، وبالتالي أصبح المجال البحري للعراق أكبر من مجال الجانب الكويتي، ومن النقطة 134 إلى 162 هو خور عبد الله، ويكون مناصفة بين العراق والكويت، أي الجزء الشمالي للعراق والجنوبي للكويت”.

ويكمل الحلبوسي حديثه بأنه “بعد النقطة 162 تأتي المجالات البحرية الإقليمية والمنطقة المتاخمة، وفيها مرتفعات مائية تحت سطح البحر، وهنا بدأ الجانب الكويتي بتنميتها عبر رمال تشبه رمال الساحل، فأنشأ جزيرتين اصطناعيتين، وأصبح يتحكم بالمنطقة”.

ويلفت إلى أن “الأمم المتحدة عندما رسمت الحدود، وصلت إلى النقطة 162 وهي الأعمق وتوقفت، حتى تتيح التعاون الثنائي بين العراق والكويت، وتعطي فرصة للبلدين، خاصة وأن العراق اعترف بترسيم الحدود سياسيا ودبلوماسيا”.

ويشير إلى أن “الكويت وعبر إنشائها لهذه الجزر، تمكنت من التمدد 7 كلم، والهدف هو اعتبار هذه الجزر هي خط الأساس للحدود، وهذا غير جائز، لأن اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1982، لا تجيز اعتبار جزر اصطناعية خط أساس، بل يجب أن يكون عمرها مئات السنين ومن دون تدخل البشر”، مستدركا أن “الكويت نصبت برج بوبيان المكون من 3 طبقات على هذه الجزر، بعد أن هدمت فنار رويشد الذي كان متفقا عليه مع العراق، وحولت البرج الجديد إلى فنار يتحكم بالحركة البحرية”.

وبشأن ميناء الفاو الكبير، يوضح الحلبوسي، أن “ما أقدمت عليه الكويت، يوصل حدودها إلى كاسر الأمواج في ميناء الفاو العراقي، وهذا بعد سيطرتها على الممر الملاحي والطريق الرسمي والجغرافي للخور، وبات أغلبه لها مع انحساره عن العراق، وهذا يترتب عليه حصول الكويت على 12 ميلا بحريا في العمق تمثل البحر الإقليمي، وبعده 24 ميلا بحريا تمثل المنطقة المتاخمة، ومن خط الساحل تبدأ المنطقة الاقتصادية الممتدة لـ200 ميل بحري، وهذه تمتد إلى أن تتقاطع مع دولة مقابلة، فتصبح المنطقة الاقتصادية مقسمة مناصفة بين البلدين، وبالتالي تم خنق المياه العراقية بشكل شبه كامل”.

ويتابع أن “الكويت أكملت ترسيم حدودها الجديدة وأرسلتها بالأمر الأميري رقم 317 لسنة 2013، إلى الأمم المتحدة، والعراق كان قد أرسل ملفه عام 2011، لكن قام بتعديله من جديد وأرسله العام الماضي”، مبينا أن “ما أقدمت عليه الكويت يؤدي إلى فقدان العراق للقناة الملاحية بالكامل، كلما أن تقدمها يؤثر على عمل ميناء الفاو أيضا”.

الكارثة الأولى.. خطة المبادلة

يكمل الحلبوسي حديثه، ساردا ما جرى بشأن خطة المبادلة التي وقعت بين العراق والكويت، إذ يبين أن “وزارة النقل هي المسؤولة عما جرى، ففي عام 2008 أعدت بالتعاون مع القوة البحرية خارطة، وسميت خارطة المبادلة أو خطة المبادلة، وفيها تم تحديد مناطق عمل الدوريات الملاحية ودوريات الحماية للقوات البحرية وخفر السواحل”.

ويبين أن “هذه الخطة أعدت من دون العودة للمساحة البحرية والحدود العراقية، وقد اكتملت بين 2008 و2010، وفيها جرى إعطاء الكويت أغلب مساحة خور عبد الله، ووضع تحت سيطرتها، لذلك حاليا تعتقل أي صياد عراقي في الخور”.

نقاط وهمية

مستشار وزير النقل السابق الدكتور حسن فلاح العبادي، والمتخصص بترسيم الحدود، يسرد من جهته لـ”العالم الجديد” ما جرى خلال السنوات من 2011 إلى 2020، حيث يقول إن “هناك مادة ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تشير صراحة إلى أنه يحق للدولة التي استطاعت تثبيت إحداثيات بحرية جديدة لأي جزيرة أن تعلن بعد خمس سنوات حدودها البحرية بموجب اعتراف دولي، وهذا أغفله العراق”.

ويضيف العبادي “أنا شخصيا كنت مستشار وزير النقل السابق ناصر حسين الشبلي، وقد حذرت في دراسة مفصلة المسؤولين في الحكومة العراقية ابتداء من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي من خلال أحد مستشاريه وهو رعد الحيدري، وعقدت الكثير من ورش العمل التخصصية وجلبت الوثائق الأدميرالية من بريطانيا على نفقتي الشخصية، وأظهرت كيفية الوصول إلى حلول دولية بهذا الشأن”.

ويردف “أوضحت أيضا أن اللجان العراقية السابقة بين 2011 و2020 قدمت نقاط أساس ٍ وهمية تمكنت الكويت خلالها من الوصول إلى المدد الزمنية المطلوبة للحصول على ترسيم جديد وغلق القناة الملاحية، ولكن لم نجد آذانا صاغية من أجهزة الدولة”.

قلة الخبراء العراقيين

ويتابع العبادي في حديثه أن “هناك أحكاما وأعرافا دولية وردت في اتفاقيتين، الأولى هي اتفاقية جنيف سنة 1958 والثانية هي اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982، وحددت أن أي دولة ساحلية متقابلة إذا أرادت ترسيم حدودها يجب أن تراعي بعض الأمور”.

ويشرح بالقول أيضا إن “الأمور الواجب مراعاتها هي في حال وجود جزر يجب أن يكون الترسيم عند حافة الجزيرة وعند أعمق نقطة من ساحل الجزيرة عند ظاهرة الجزر، لذا ومن أجل قيام الكويت بالاستيلاء على الخط الملاحي وغلق ميناء الفاو، فقد قامت ببناء الجزيرتين بالتحديد عام 2012، واكتملت وقدمت عدة طلبات عن طريق وزارة الخارجية الكويتية لإعادة إدراج هذه الجزيرة على اعتبار أن الجزر ليست مصطنعة، بل طبيعية في الخرائط الأدميرالية، ورغم الاحتجاج الدولي المقدم من قبل وزراتي النقل والخارجية العراقيتين، لكن الإهمال الحكومي وقلة الخبراء والمتخصصين في جانب الترسيم البحري، مكّنت الكويت من استنزاف العراق وكسب الوقت”.

ويسترسل أن “هذه ليست المرة الأولى للكويت، فقد سبق وأن قامت بمثل هذه الأعمال عند الحدود، وتحديدا بعد عام 2003، كلما أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 833 لسنة 1993، لترسيم الحدود في خور عبد الله حتى العلامة 162 غير عادل بحق العراق، حيث اتخذ مبدأ مناصفة المياه بما يسمى خط الوسط بين الدول الساحلية المتقابلة”.

ويؤكد العبادي أنه “بعد العلامة 162 لا يوجد هناك ترسيم دولي ولا اتفاق ما بين العراق والكويت، فعمدت الكويت إلى تغيير جغرافية السواحل البحرية المقابلة للسواحل العراقية في الأعوام بين 2007 و2010 ببناء جزر اصطناعية، وأول جزيرة هي جزيرة فشت العيج، وبعدها أصبحت هناك جزيرة قريبة من خط الملاحة العراقي سموها جزيرة فشت الكايد”.

ويتابع أن “الكويت لا تستطيع الاستيلاء على ميناء الفاو، لكنها ستأخذ المنفذ الوحيد لدخول السفن إلى موانئنا وستتقدم بسواحلها نحو ميناء الفاو، غير المؤهل لغاية الآن لمرور السفن، وبالتالي فحتى مع اكتمال ميناء الفاو سيتم غلق مدخله من قبل الكويت”.

تاريخيا

يتطرق الحلبوسي إلى “الاعتداءات” الكويتية على الحدود العراقية في سياقها التاريخي، حيث يبين أن “الكويت هدمت القاعدة البحرية في أم قصر وجرى إزالتها وجرفت كل المعالم الطبيعية والاصطناعية بالعمق العراقي، ولمسافة 10 كلم، بعيدا عن حدود عام 1993 التي رسمها الجيش العربي، الذي حظر إلى المنطقة”.

ويلفت إلى أن “ممثل العراق في لجنة الترسيم الدولية في العام 1992، رياض القيسي، انسحب في نفس العام وتحديدا في أيار مايو، لاعتراضه على عدم أخذ الأطراف الدولية بخرائط العراق التي تقدمها وزارة الخارجية آنذاك، كما أن رئيس لجنة الترسيم مختار أثمانجا، وهو وزير خارجية إندونيسيا آنذاك، استقال بعد 5 أشهر من انسحاب القيسي، بعد أن أدرك وجود ظلم وغبن للعراق، وأنه قد يكون سببا مباشرا فيه، خصوصا وأن النظام الداخلي للجنة اشترط موافقة 3 أعضاء من خمسة على أي قرار تتخذه اللجنة ليكتسب الدرجة القطعية”، لافتا إلى أن “الحدود مرت بثلاث عمليات استطلاع، الأولى في خريف 1991 والثانية في ربيع 1992 والثالثة في خريف 1992”.

وفي عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري السعيد، وتديدا في العام 1932، ورئيس الجمهورية الأسبق عبد السلام عارف، في العام 1963، ينوه الحلبوسي، إلى أنهما أصدرا كتابين منفصلين “أثبتا أن الحدود مع الكويت تختلف عما هي عليه الآن، بل إن خط الحدود ينزل جنوبا بـ12 كلم من وادي العوجة وصعودا باتجاه خضر الماي، ومن هناك خط مستقيم ينتهي بتقاطع الأخوار، والتي لا يوجد فيها خورعبد الله”.

ويضيف أن “العراق كان هو المسؤول عن كري القناة الملاحية منذ أربعينيات القرن الماضي، حتى تستمر حركة السفن بشكل طبيعي، وبالكامل تحت الإدارة العراقية، وسمي الخور تيمنا بعبد الله التميمي، وهو رجل عراقي كان يقود الخور، فالخور عراقي تاريخيا وجغرافيا”.

ويؤكد الخبير في ترسيم الحدود، أن “الكويت عمدت إلى إنشاء ميناء مبارك، وكان على 3 مراحل قريبة من الساحل الكويتي، وهو ساحل جزيرة بوبيان، لكن المرحلة الرابعة منه كان من المفترض أن تقام بمسافة بعيدة في خط الوسط، وهذا يعرض المساحة الدولية مع العراق إلى الغلق، لأن المجرى الملاحي سيكون ضمن الكويت، وهنا حدث اعتراض عراقي فألغت الكويت المرحلة الرابعة من المشروع”.

استبعاد الخبراء

ويكشف الحلبوسي خلال حديثه عن “نقطة خطيرة”، حيث يقول إن “الكويت ضغطت على الجانب العراقي لغرض استبعاد أي شخص من ذوي الخبرة بترسيم الحدود من اللجان والمفاوضات خلال السنوات الماضية”.

ويتابع الحلبوسي أن “بعض السياسيين العراقيين، ونتيجة لمغريات المنصب وعدم تمرسهم في القضايا الكبيرة، استجابوا للضغط الكويتي وأتوا بأشخاص عديمي الخبرة لغرض تمرير ما تريده”.

الكويت: أزمة تقنية

تعليقا على ما تقدم، يرى الخبير الاستراتيجي الكويتي حسن حسين خلال اتصال هاتفي مع “العالم الجديد”، أن “الكويت ليست في حالة تصعيد مع العراق أو أي دولة أخرى محيطة بها حاليا، وإذا كانت هناك مشكلة فهي تقنية وليست سياسية”.

ويبين حسين أن “هذه الأمور تحصل حتى بين الدول المتعادية، وهذا ما نشاهده الآن بين لبنان وإسرائيل ووصولهم إلى تسوية بخصوص الحدود البحرية، بالتالي إذا كانت إسرائيل ولبنان توصلتا لاتفاق، فيمكن للعراق والكويت الوصول إلى اتفاق أيضا”.

وبشأن نظر الشارع العراقي لممارسات الكويت كخطوات عدائية، يوضح حسين أنه “لا يمكن التكهن بردود فعل الناس، لكن القصة ليست بين الشارعين العراقي والكويتي، بل هي بين حكومتين سياديتين، وإن كان هناك خلاف أو تعد أو اختراق يمكن تحكيمه دبلوماسيا ودوليا”.

وردا على سؤال حول ما إذا كان هناك تعاون بين الكويت وبعض الجهات العراقية في هذا الملف، يعلق حسين “نعلم أن هناك سياسيين في العراق، هم حلفاء لبعض دول الجوار، لكن الكويت لا تتعامل مع العراق وفق هذا المبدأ، فهي تتعامل بندية حكومية، ولا يوجد سياسيون عراقيون محسوبون على الكويت، والكويت انتهجت هذه السياسة المحايدة منذ زمن”.

استرجاع الحق

بالعودة لمستشار وزير النقل السابق العبادي، فإنه يرى أن “العراق قادر على الخروج من هذا المأزق الدولي، في حال إعطاء الصلاحيات الكاملة لوزارات النقل والخارجية والدفاع، وتحت إشراف رئيس الحكومة”.

فيما يرى الحلبوسي، أن “من أهم الأوراق هي إيقاف التبادل الدبلوماسي والتجاري وغلق الحدود، كلما يجب على الوزارات ومجلس النواب أخذ دورهم لإيقاف التجاوز الكويتي”.

ويتابع “كما يجب على العراق أن يرسل رسالة احتجاج شديدة اللهجة ويؤكد فيها أن الكويت تتعمد الإساءة وتتصرف تصرفات بعيدة عن الاتفاقيات الدولية، وليس ترك الكويت تندد بموقف العراق وترسل رسائل شديدة اللهجة للأمم المتحدة والجامعة العربية ويرد عليها بشكل خجول، بل يسمح لمجلس التعاون الخليجي، أن يدعوه لترسيم الحدود”.

إقرأ أيضا