لإسكات الشعب.. حمى التعيينات تهدد بالتهام الجزء الأكبر من الموازنة

انتقد نواب ومتخصصون بالاقتصاد، الدعوات والتوجه الحكومي للتعيينات في موازنة العام المقبل، مؤكدين أن الموازنة…

انتقد نواب ومتخصصون بالاقتصاد، الدعوات والتوجه الحكومي للتعيينات في موازنة العام المقبل، مؤكدين أن الموازنة التشغيلية ستصل إلى 100 تريليون دينار (نحو 70 مليار دولار) أو أكثر، وهو ما يثقل كاهل الدولة وتصبح عاجزة عن توفير الرواتب في حال تعرضت أسعار النفط للهبوط بشكل حاد، فيما وصفوا هذه الخطوة بأنها “سياسية” لإسكات الشعب والخريجين.

ويقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك موظفي عقود يصل عدد سنوات خدمتهم إلى 10 سنوات، وكذلك بالنسبة للمحاضرين المجانيين الذين يبلغ عددهم نحو 110 آلاف محاضر مجاني، وهؤلاء يجب تسوية وضعهم وتحويلهم إلى الملاك الدائم وعدم بقائهم على هذا الحال”.

ويبين أن “تعيين جميع موظفي العقود والأجور اليومية والمحاضرين المجانيين يعني الحاجة إلى مليون ونصف مليون درجة وظيفية، ما يعني ارتفاع حجم الموازنة التشغيلية إلى 100 تريليون دينار، وهذه مشكلة كبيرة بالطبع، ولكن في المقابل لا يمكن بقاء مصير هؤلاء الموظفين بلا حسم”.

ويشدد الخبير الاقتصادي على “ضرورة تفعيل مجلس الخدمة الاتحادي لتوزيع الموظفين بحسب حاجة الوزارات، فهناك وزارات تحتاج إلى موظفين بينما هناك وزارات أخرى تعاني من الترهل الوظيفي، كما أن على الدولة الاهتمام بالتعيينات المدنية وإعطائها الأولوية على العسكرية، لأن عدد أفراد القوات الأمنية والعسكرية يربو على مليون ونصف مليون، وهذا عدد كبير جدا”.

ويضيف أن “كثرة التعيينات لا تعد مشكلة طالما أن سوق النفط منتعشة، ولكن عند تعثرها سنواجه مشكلة كبيرة لأن العراق يعتمد كليا على النفط، وحتى القطاع الخاص لدينا يعتمد على المقاولات والعقود الحكومية ويستمد نشاطه من القطاع العام، وبالتالي فإنه ليس قطاعا خاصا حقيقيا ولا يخلق الفرص أو يملك القدرة على إسناد اقتصاد الدولة”.

وكانت النائب عن تحالف السيادة بسمة بسيم، رفعت كتابا إلى رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، مكونا من 8 فقرات، تتضمن جميعها تعيين وتثبيت عقود من فئات مختلفة، وهي وزارات الداخلية والدفاع والتربية والكهرباء وتثبيت كافة المتعاقدين مع الوزارات على الملاك الدائم.

وتأتي هذه الخطوة، بعد أن كشفت “العالم الجديد” في تقرير سابق أن موازنة العام المقبل ستتضمن نحو 600 ألف درجة وظيفية، وهذا يضاف إلى تعيين رئيس الحكومة محمد شياع السوداني حملة الشهادات العليا والأوائل البالغ عددهم 74 ألفا.

يشار إلى أن السوداني، أعلن قبل أيام عن التوجه لدراسة ملفات مليوني طلب قدم إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لغرض قبولها برواتب الرعاية الإجتماعية.

من جانبه، يوضح النائب علي الجمالي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “التعيينات المفرطة ليست الحل السليم في الوقت الحالي، ولكننا نرى أن المواطن العراقي حريص جدا على أن يكون موظفا في الدولة ظنا منه بأن الدولة ضمان وتقاعد له ولأطفاله”.

ويشير إلى أن “المواطن لغاية الآن لا يولي القطاع الخاص أهمية ولا يؤمن به”، لافتا إلى أنه “في ظل نسبة البطالة العالية، من الضروري أن يكون هناك تخصيص نسبة من الوفرة المالية لتعيين أعداد من العاطلين والخريجين الذين يستحقون هذه الدرجات”.

وبرزت خلال السنوات الماضية، مسألة استخدام التعيينات في الحملات الانتخابية أو من قبل الحكومات التي تمر بأزمات، حيث يتم اللجوء إلى إطلاق الوعود بالتعيينات أو تعيين بعض الفئات، خاصة مع اشتداد التظاهرات المطالبة بفرص عمل من قبل الشباب في ظل ارتفاع نسب البطالة في البلد.

إلى ذلك، يرى المحلل السياسي علي الخفاجي خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “خطوة التعيينات الكثيرة هي خطوة سياسية لإسكات الشارع المحتج في ظل وجود آلاف الخريجين من دون وظائف، والذين تخرجوا أساسا بغياب الرؤى الصحيحة للدولة في تنظيم الدراسات وتوجيه الطلبة نحو الاختصاصات الشحيحة، لذلك تكدست شهادات بكالوريوس وشهادات عليا في الأدب والسياسة والقانون وغيرها من الاختصاصات الفائضة عن حاجة الدولة”.

ويتابع أن “موضوع التعيينات خال من أي رؤية اقتصادية أو فلسفة لاقتصاديات الدولة تنظم هذه العملية، فعدد المقبولين في الجامعات والمترشحين بعد 4 سنوات هل يمتصهم سوق العمل أم سيأخذهم رصيف البطالة والاحتجاج؟ وفي النتيجة هذه خطوة سياسية لإسكات الاحتجاجات والتظاهرات عبر تكريس صورة عن الحكومة على أنها حكومة جيدة عينت الكثير من الناس، علما أن هذه نظرة فاشلة وسطحية لحل المشاكل”.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوعة تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل تستمر عجلة التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت انهيارا كبيرا نتيجة عدم توفر البنى التحتية، من قبيل استمرار انقطاع التيار الكهربائي أو الحماية اللازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.

يذكر أن المستشار المالي لرئيس الحكومة مظهر محمد صالح، أكد في تصريح سابق له، أن فلسفة الدولة بعد عام 2003 اعتمدت توزيع عوائد النفط بين الموظفين، حيث كل موظف يعيل خمسة أفراد بهدف خلق رفاهية، لكن هذه الفلسفة على المدى البعيد تضر البلاد بشكل كبير.

إقرأ أيضا