هل تعيد المدن “المزعومة” الحياة إلى الصناعة؟

يشجّع خبراء ومتخصصون في الشأن الاقتصادي فكرة إنشاء مدن صناعية لاسيما بالمشاركة مع دول خبيرة…

يشجّع خبراء ومتخصصون في الشأن الاقتصادي فكرة إنشاء مدن صناعية، لاسيما بالمشاركة مع دول خبيرة في النشاط الصناعي، وفيما رأوا أن من شأن هذه المدن توفير المزيد من الأموال وآلاف من فرص العمل، اشترطوا تخلي الدولة عن استيراد بضائع خارجية تُنتج في الداخل.

وتشجع الخبيرة في الشأن الاقتصادي سلام سميسم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنشاء المدن الصناعية لأنها “من الممكن أن تكون مساحات لتبادل المعرفة الصناعية وزيادة وتنويع الإنتاج العراقي، لاسيما أن الدول المشاركة في هذا المشروع لا تمتلك قاعدة كافية عن السلع الاستهلاكية في العراق وأهمها السلع الغذائية والسلع الوسيطة”.

وتضيف سميسم أن “هذه المشاريع مهمة جدا لأنها توفر على العراق الكثير فيما لو تم إنتاج السلع داخليا بدلا من استيرادها، لكن تبقى مسألة إن هذه المشاريع التي ستكون داخل العراق هل تكون متكافئة في الفائدة بين هذه الدول والعراق، وهل توفر فرصا لتنويع الاستثمارات داخل هذه المدن بطريقة تنعش الاقتصاد العراقي؟”.

وترى أن “إنشاء المدن الصناعية بادرة جيدة لكنها تحمل الكثير من التحديات التي نأمل أن يكون الاقتصاد العراقي قادرا على تجاوزها، فهذه الدول عندما تأتي فأنها تصحب مشاريع متكاملة، وهذه المشاريع لها اسمها وشهرتها وهذا الاسم وحده سيكون كافيا، لكن عندما نبدأ من الصفر لن نستطيع المنافسة ونأمل أن نكرر تجارب جيدة حصلت في دول عديدة مثل الأردن التي تستقدم مشاريع كالصناعات الغذائية ومن ثم تصبح هي من تنتج هذه السلع مثل مصانع الألبان أو مصانع المعجنات هناك”.

وتبدي الخبيرة في الشأن الاقتصادي تخوفها “على الأيدي العاملة والخبرات العراقية فيما إذا سيتم توظيفها في هذا المجال لإنعاش السوق العراقية والتخلص من البطالة وهذا هو التحدي الأساس الذي سيواجهنا”.

وكانت وزارة الصناعة والمعادن، أعلنت أمس الاثنين، عن مساعٍ لفتح مدن صناعية واقتصادية جديدة مع إيران والسعودية وتركيا، وحددت نسب الإنجاز في المدن الصناعية بالمحافظات، ومنها المدينة الصناعية في الأنبار حيث أنجزت فيها المرحلة الأولى بالكامل، فيما شارفت المرحلة الثانية على الإنجاز، إذ بلغت نحو 70 بالمئة والمدينة الصناعية في ذي قار شهدت إنجاز المرحلتين الأولى والثانية وبنسبة 100 بالمئة، فيما كشفت عن رغبة من قبل الجانب التركي لإقامة مدينة صناعية دوائية في محافظة نينوى، وأيضا عن وجود مدينتين صناعيتين قيد التطوير من قبل المستثمرين، وهما مدينة كربلاء، متخصصة بالصناعات البتروكيميائية والنفطية، والمدينة الصناعية في النجف والتي تعنى بالصناعات غير الملوثة.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

وفضلا عن القطاع الحكومي، فإن مشاريع القطاع الخاص، شهدت توقفا، بل وانهيارا كبيرا نتيجة لعدم توفر البنى التحتية للإنتاج، من تيار كهربائي أو حماية لازمة، خاصة في ظل الأحداث الأمنية التي يعيشها البلد بصورة مستمرة، ما انعكس سلبا على الشارع العراقي الذي تحول إلى مستهلك للبضائع المستوردة.

من جانبه، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي نبيل جبار خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “المدن الصناعية تحفيز للصناعات المحلية وعند توفيرها مع متطلباتها فإننا نحلّ للصناعيين جزءا من مشاكل إقامة المشاريع، وهذه هي الفكرة منها”.

 ويضيف جبار أن “هذه المدن بداية جيدة لتوفير فرص عمل للصناعيين وإزاحة العوائق أمامهم”، لكنه يعتقد أن “جلب المصانع والمعامل ليس بالسهولة التي يتصورها البعض، كما لا ينبغي أن يكون استقدامها مزاجيا، بل عندما يتعذر على الصناعيين المحليين صنع منتجات معينة، لأن الوظيفة الأساسية لهذه المدن هو توطين الصناعات فبدلا من استيراد صناعة معينة كلفت الدولة مبالغ طائلة فأن توطينها يوفر أموالا ويقلل كلفتها بنسب واضحة”.

وعن دور الحكومة يشير إلى أنه “سيكون بإزالة العوائق أمام الصناعة في محاولة لإحيائها مع منح تسهيلات بتوفير الأراضي وتسهيلات على صعيد القوانين والعمالة مع ضمانات للجانب الخارجي كما يمكن التعلم مستقبلا من هذه الصناعات ونقل المهارات إلى الخبرات المحلية كما فعلت السعودية مع الصين حيث لم تمرر مبادرة الحزام والطريق إلا مقابل توطين الشركات الصينية والسعودية”.

يشار إلى أن العراق يتصدر بصورة مستمرة، قائمة المستوردين لأغلب السلع التركية والإيرانية، وكان رئيس مصلحة الجمارك الإيرانية علي رضا مقدسي، أعلن مطلع العام الحالي، أن الصادرات السلعية للعراق سجلت 38 مليار دولار في الشهور العشرة الأخيرة، وذلك بنمو 38 بالمئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي.

وعن الغاية من إنشاء هذه المدن وإمكانية تصدير البضائع، يرى الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني خلال حديث لـ”العالم الجديد” أن “الهدف هو إشباع السوق المحلية أولا وليست بالضرورة أن تنشأ هذه المدن للتصدير، فمثلا الاتفاق مع تركيا على استيراد مواد بحوالي 10 مليارات دولار كان من الممكن توفير هذا المبلغ بواسطة المدن الصناعية إذا لبت هذه المتطلبات، لان معظم الصناعات المستوردة ليست معقدة ولا تحتاج إلى تقنيات عالية ومن الممكن فتح فروع لهذه المصانع في العراق، فالبداية يجب أن تكون لتلبية حاجة السوق المحلية ثم التحول نحو السوق العالمية”.

ويضيف المشهداني أن “من ايجابيات المدن الصناعية أن المواد الأولية ستكون متوفرة وهي مدخل من مداخل الصناعة، كما أنها ستقوم بتشغيل آلاف العمال ما يساهم في حل مشكلة البطالة”، لافتا إلى أن “المنتجات ستصمم حسب حاجة السوق المحلية وتراعي الذوق المحلي كما أنها ستكون أوفر حظا في التصدير لأن هذه المدن ستكون مشمولة بالإعفاءات الكمركية والضريبية ومن الممكن أن تخلق نوعا من المنافسة مع المنتجات المستوردة لقربها من الأسواق”.

جدير بالذكر، أن المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون، كشف في تشرين الثاني نوفمبر 2021، عن طرح العراق في منتدى الأعمال العراقي-التركي، مقترحا لتشكيل كتلة اقتصادية إقليمية تضم العراق وتركيا وإيران لتصبح قوة للمنطقة تتيح لها منافسة التجمعات الاقتصادية حول العالم، بحسب قوله.

وقد وصف خبراء في الاقتصادي، خلال تقارير سابقة لـ”العالم الجديد”، مقترح التكتل التجاري بين العراق وتركيا وإيران، بأنه خطوة لشرعنة تهريب الدولار، واصفين التكتل بـ”غير المتكافئ”، نظرا لأن الدولتين مصدرتان والعراق مستورد فقط، فيما اشترطوا جلب استثمارات الدولتين إلى داخل العراق، حفاظا على العملة الصعبة ولضمان تشغيل الأيدي العاملة المحلية.

إقرأ أيضا