لفقدان ثقتهم بالمحيط والأجهزة الأمنية.. أقل من 1% نسبة المسيحيين العائدين للموصل

لا شيء يُخفف عن أبو فوزي (70 سنة) وطأة الغربة سوى متابعته لأخبار مدينته الموصل…

لا شيء يُخفف عن أبو فوزي (70 سنة) وطأة الغربة سوى متابعته لأخبار مدينته الموصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو ما ينقله إليه من هناك أقرباؤه وأصدقاؤه الذين يتواصل معهم باستمرار على الرغم من مرور نحو ثماني سنوات على تواجده في ألمانيا.

“لا يمكن أن تشطب 62 عاماً هكذا ببساطة” يقول أبو فوزي، متحدثاً عن عمره الذي قضاه في مدينة يصفها بأنها كانت حاضنة لجميع المكونات التي تعايشت فيها بسلام، قبل انهيار النظام العراقي السابق في 2003 وتدهور الأمن بانتشار الجماعات التكفيرية المسلحة ومن ثم الميليشيات.

“المقهى الذهبي في الدواسة، والمكتبة العامة في الفيصلية، أجراس السينمات، مراجيح مدينة الألعاب نسمات الهواء في متنزهات الغابات وشقائق النعمان في تل قينجوق، مهرجان الربيع، المنزل المطعم جدرانه بالمرمر في قصر المطران” تحتشد هذا الأمكنة والذكريات في ذهن أبو فوزي على الدوام مع يقينه التام بان داعش وحرب التحرير منه في 2016-2017 لم يبقيا منها شيئاً في الواقع.

هو ينتظر بلهفة كبيرة حصوله مع أفراد أسرته على الجنسية الألمانية قريباً ليتمكن من زيارة العراق في الصيف المقبل، ويقيم في أربيل بضعة أسابيع ليكون قريبا من مدينته الموصل التي يخطط لزيارتها مع أن زوجته تعارض ذلك بشدة خشية تعرضه للخطر.

الكثير من أقاربه في عينكاوا التي تحولت الى محطة لتجمع المسيحيين الفارين من الموصل، يشجعونه على القيام برحلته، وينقلون إليه بحماسة مراسلي وسائل الإعلام أخبار اعادة البناء في المدينة، لكنهم جميعا يرفضون فكرة عودته واستقراره مجدداً فيها.

يقول صديقه المقرب أبو جورج، الذي افتتح مطعماً للأكلات الشعبية في أربيل “أن نَزور الموصل لساعات فقط، نعم، لكن أن نمكث هناك، كلا طبعا،، لم يعد لنا مكان فيها، لقد أصبحت مدينتنا الحبيبة من الماضي”.

تؤكد الأرقام أن عودة مسيحيي نينوى الى مناطقهم خاصة في مدينة الموصل مازالت ضئيلة جداً وفي بعض المناطق معدومة وتواجه عوائق كبيرة، أهمها فقدان ثقة المسيحيين بالمحيط الاجتماعي وبقدرة أجهزة الدولة الأمنية على حمايتهم، فضلا عن اقتصادها وفرص العمل فيها الذي لا يقارن باقليم كردستان.

يحدث ذلك على الرغم من العشرات من ندوات ومؤتمرات التعايش والسلام التي عقدتها المنظمات الدولية والمحلية والوعود التي قطعتها الحكومة الاتحادية بدعم تلك العودة من خلال تقديم الخدمات اللازمة وضمان الأمن وأحيانا فرص العمل في المواقع المسيحية التي يتم إعادة إعمارها كالكنائس والبيوت المهدمة.

عودة محدودة جدا

70 عائلة مسيحية فقط، عادت إلى الموصل بعد تحريرها بالكامل من داعش صيف 2017، وهي من أصل ألف عائلة كانت قد نزحت عنها في تموز/يوليو 2014. يؤكد ذلك القس رائد عادل مسؤول كنائس الموصل للسريان الكاثوليك، مشيراً إلى أن أعداد العائدين لا تتجاوز الـ 150 فرداً.

وذكر بأن عودة النازحين مرهونة بإعادة بناء البنى التحتية التي دمرتها الحرب، لافتاً إلى أن ثلاثة كنائس فقط في الموصل، هي مار توما ومار بولص والبشارة، قد تمت إعادة بنائها وأبوابها مفتوحة للمصلين، بينما باقي الكنائس والأديرة التي يزيد عددها عن ثلاثين هي قيد الاعمار حالياً، بعد أن كان تنظيم داعش قد دمرها وصادر محتوياتها إبان سيطرته على المدينة.

وأقر القس رائد بأن هنالك عقارات تعود ملكيتها لمسيحيين نازحين او مهاجرين قد تم تزوير أولياتها الرسمية والتصرف بها بيعا من قبل عصابات، وبعضها تمت استعادتها عبر القضاء.

أما المطران نجيب موسى ميخائيل رئيس أساقفة الكلدان في مدينة الموصل وعقرة وزيبار، فيصف تناقص أعداد المسيحيين بالمؤشر الخطير، وانتقد الحكومة العراقية لسماحها بحدوث انتهاكات لحقوق المسيحيين والتمييز الواضح في التعامل معهم من حيث التعيينات وتوفير فرص العمل أو المساواة في قوانين الدولة.

المطران ميخائيل يرى ان ذلك هو السبب الرئيسي وراء هجرة المسيحيين المتواصلة إلى خارج البلاد، فضلا عن التغيير الديمغرافي الذي حصل في مناطقهم، حيث قال بانه مع محافظ نينوى نجم الجبوري حاولا وقفه لكن: “هنالك ضغوطات كثيرة علينا” دون أن يفصح عن طبيعة تلك الضغوطات.

وتحدث المطران عن قلة التعويضات التي حصل عليها المسيحيون جراء دخول داعش لمناطقهم وتدميرها وأن الكنيسة لم تتسلم أي شيء ويؤكد بإصرار”أستطيع القول إن 95% من المسيحيين لم يتسلموا أي شيء”.

كما يذكر بأن معظم المنظمات التي أرادت العمل في الكنائس انسحبت، بسبب ما وصفها بالعراقيل التي تضعها الحكومة في طريقها أو النسب المئوية التي تريد أخذها منها، وفقاً لنص تعبيره. وعاد للقول:”المنظمات تقدم لنا المساعدات مجاناً، لكن الحكومة تبتزها، وكل هذه العراقيل تجعل المسيحيين لا يعودون الى الموصل”.

ويُنبه الباحث والكاتب في الشأن المسيحي سامر الياس سعيد إلى أن سبب عدم عودة المسيحيين إلى مناطقهم ومن بينها الموصل بعد تحريرها، هو أن معظم البيوتات الخاصة بهم قد تم سلبها وافراغها من قبل الجيران.

وعن تجربته الشخصية يقول: “تم الاستحواذ على منزلي القريب من جامعة الموصل من قبل عناصر تنظيم الدولة الاسلامية، وذلك بعد نحو اسبوع من مغادرتنا له أي في حدود 22 تموز 2014، وتم تحويله الى المحكمة الشرعية للتنظيم، وبعد التحرير استولى عناصر من الحشد التابع للمحافظ السابق أثيل النجيفي على منزلي، وتركوه مدمراً “.

ويُضيف إلى ذلك عدم ثقة المسيحيين بالاستقرار الأمني، واعتقادهم بأن الأوضاع ستعود للتدهور في أي وقت، وغياب الجهة التي يمكن ان تعوض عما عاشه المسيحيون طيلة سنوات التهجير والنزوح.

وكان البابا فرنسيس قد زار العراق في 5 مارس/آذار 2021، وجال خلالها مدناً عدة كبغداد والنجف والموصل وأربيل وكانت التوقعات تشير إلى أن تلك الزيارة قد تقنع الكثير من المسيحيين المهاجرين بالعودة، غير أن ذلك لم يحدث عملياً وما زالت الهجرة المسيحية مستمرة الى خارج العراق.

من مليون ونصف الى ربع المليون

بحسب إحصائيات غير رسمية فأن العدد الاجمالي للمسيحيين حالياً في عموم العراق بضمنها إقليم كُردستان من الكلدانيين و السريان الكاثوليك و الاورثودكس والاشوريين والارمن والانجيليين يصل تقريباً الى (260,520) الف نسمة، وهم من أصل نحو مليون ونصف كانوا متواجدين في 2003.

 في نينوى وحدها، كانت هنالك 35 ألف عائلة في العام ٢٠٠٣، بينهم خمسة آلاف عائلة في مدينة الموصل، وثلاثون ألفاً في سهل نينوى، وتحديداً في بلدات قره قوش وبرطلة وتلسقف وتلكيف وألقوش.  

لكن هذا العدد تضاءل عاماً بعد آخر، ليبلغ فقط 1000 عائلة في الموصل قبل 2014، وفرغت منهم تماماً كما في نينوى برمتها بعد أن خيرهم، تنظيم داعش الذي أعلن في صيف تلك السنة عن دولته الإسلامية، بين دفع الجزية أو الرحيل، فاختاروا الرحيل تاركين أملاكهم التي أصبحت غنائم للتنظيم.

وظلت عودتهم بعد تحرير نينوى والموصل من داعش خجولة، حتى أن الكثير من النازحين العائدين، غيروا وجهاتهم مجدداً نحو مناطق النزوح أو المهجر بسبب عدم تمكنهم من التعايش مع واقع مناطقهم في ظل تلكؤ الإعمار وقلة فرص العمل وتردي الخدمات وهاجس الخوف الذي يلازمهم من تكرار ما حدث لهم.

ويدق بطريرك الكنيسة الكلدانية، الكاردينال لويس روفائيل ساكو، ناقوس الخطر بشأن الوجود المسيحي المهدد في العراق بنحو عام وفي نينوى بنحو خاص، منبهاً إلى أن 20 عائلة مسيحية تهاجر شهريا إلى خارج البلاد،  بسبب ما يصفها بـ”الفوضى الطاغية والتشرذم والمحسوبيات التي خلقتها الميليشيات الطائفية”، مشيراً بذلك إلى لواء 30 الشبكي التابع للحشد الشعبي الذي يفرض سلطته المطلقة على سهل نينوى، ويتهم بإحداث تغيير ديمُغرافي هناك من خلال الاستيلاء على عقارات تعود ملكيتها إلى مسيحيين ومسلمين سنة.

وتساءل ساكو: “من يحمي هؤلاء المسيحيين المسالمين الموالين لوطنهم، إذا الدولة لا تحميهم؟ هذه انتهاكات موجعة، ولها تداعيات على سمعة العراق؟  وبكل ألم أقول: إن لم تكونوا راغبين في بقائنا كمواطنين متساوين في بلدنا العراق، فقولوا لنا صراحةً، لندبِّر الأمر قبل فوات الأوان”.

بين البقاء والرحيل

ينتظر عماد ياقو (43 سنة) بنفاذ صبر اتصالاً من شقيقه الأكبر المقيم في استراليا، لينقل له ما سيخبره به محام مختص بالهجرة بشأن قضيته، يقول وفي عينيه بارقة أمل: “والدتي واثنان من أشقائي وعمتي الكبرى وابنائها كلهم في مالبورن، وهم يحاولون أن يجدوا طريقة لكي ننضم إليهم أنا وشقيقتان لي واحدة منهما متزوجة”.

يفرك إبهامه بسبابته ويتابع بحماسة: “مهما كلفتنا الهجرة من مال، لن نهتم، سنبيع ما نملك من عقارات في الموصل وبرطلة، ونرحل دون أن نلتفت إلى الوراء”.

ثم أفصح عماد عن رغبته الجامحة في الهجرة بقوله: “كنا نملك ورشة للخِراطة في المنطقة الصناعية بالجانب الأيسر للموصل قبل 2003، اضطررنا إلى بيعها بعد تهديدات تلقيناها من عناصر القاعدة سنة 2005.

واضطررت للعمل على سيارة أجرة بين الموصل وبغداد، لكن جماعة مسلحة شيعية سلبتها مني في الحرب الطائفية سنة 2007، فلم يكن أمامي سوى الانتقال إلى برطلة وبمساعدة من أشقائي بَنيت دكاناً في حديقة المنزل لبيع المواد الغذائية، استولى عليهما داعش في 2014 ونزحت مع اسرتي إلى عينكاوا في أربيل”.

يضرب كفاً بكف، ويتابع بشيء من العصبية: “لم يبق شيء، وهذه بلاد لا تعرف شيئاً عن الاستقرار، ولست مستعداً للعودة والبدء مجدداً من الصفر لكي تأتي جماعة أخرى وتسلب مني تعب السنين، هذا إذا لم تسلب حياتي كما حدث لآلاف من الأبرياء، مسيحيين وغير مسيحيين”.

الكثيرون مثل عماد، تتجه بوصلة تفكيرهم باستمرار نحو المهجر، على الرغم من أنهم مستقرون في مدن أقليم كردستان أربيل ودهوك والسليمانية ولا تواجههم مشاكل أمنية، لكن ثمة خوف من المستقبل يعشعش في أذهانهم وفق ما يقولون، وهذا ما يجعلهم يفكرون بالرحيل والبحث عن وطن آخر يعيشون فيه بسلام.

لويس مرقوس أيوب، وهو ناشط مدني، ونائب رئيس منظمة حمورابي لحقوق الإنسان وعضو مؤسس لتحالف الاقليات العراقية، يرى بأن هيمنة الأحزاب الراديكالية الإسلامية الشيعية الموالية لنظام ولاية الفقيه الإيراني، زاد من التطرف في العراق، ليس فقط تجاه غير المسلمين، بل وحتى ضد المسلمين السنة كذلك، حسب زعمه.

ويعتقد الناشط لويس، بأن جملة من الشروط ينبغي توافرها للحد من هجرة المسيحيين إلى خارج البلاد، وإقناع النازحين بالعودة إلى مناطقهم التي نزحوا عنها، منها:

منح المسيحيين شكلاً إدارياً يستطيعون من خلاله إدارة مناطقهم بعيداً عن تأثيرات الأحزاب السياسية الحاكمة، ويكون مرتبطاً بالحكومة الإتحادية وبتوصية وحماية أممية، وأن يتولى أبناء مناطقهم الملف الأمني، وتعويض المتضررين مالياً عبر صندوق اعمار تنشئه الحكومة لهذا الغرض، وفتح قنوات الاستثمار بأفضلية لأبناء المسيحيين.

الى جانب ذلك يشدد لويس على تعديل المادة 26 من قانون رقم 3 لسنة 2016 ( قانون البطاقة الوطنية) التي فيها “تمييز ضد غير المسلمين من المسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين”، مبينا أنها تجبر الاطفال القاصرين ممن أسلم أحد ابويهم بأن يسجلوا كمسلمين في السجل المدني على دين من أسلم من أبويهم.

ويجد لويس، بأن قائمة الاحتياجات هذه هي التي جعلت فقط  45% من المسيحيين الذين نزحوا في 2014 يعودون إلى مناطقهم بعد تحريرها من داعش في حرب 2016-2017، بعد أن هاجر 55% و 3-5% بقوا في المناطق التي نزحوا إليها داخل إقليم كردستان.

ويرى كذلك بأن عودة المسيحيين مرهونة بتحييد مناطقهم وإبعادها عن الصراع بين المركز في بغداد وإقليم كردستان. ومنح كوتا الأقليات حق النقض (الفيتو) على ما يقره مجلس النواب من قوانين وقرارات تمس حقوقهم الدينية والثقافية واللغوية والفكرية .

وتشريع قانون المكونات وفق المادة الدستورية (125) والتي تنص على “يضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان، والكلدان والآشوريين، وسائر المكونات الاخرى، وينظم ذلك بقانون”.

كنائس وبيوت مدمرة تنتظر الإعمار

توجد في الموصل، كنائس يعود تاريخ بناء بعضها إلى ما يزيد عن ثمانية قرون، وكانت تضم نفائس من كتب ولوحات ومجسمات أثرية، استولى تنظيم داعش عليها خلال فترة سيطرته التي امتدت زهاء ثلاث سنوات على الموصل، وحولها إلى مقار ومحاكم خاصة به لتأتي حرب التحرير وتحولها إلى ركام.

خلال زيارة ميدانية لمعد التقرير، جال فيها مدينة الموصل التي تعد ثاني أكبر مدينة عراقية بعد العاصمة بغداد، وجد أن عائلة مسلمة مكونة من ثمانية أفراد، تقيم في جزء من كنيسة ماركوركيس في منطقة حي العربي شمالي المدينة التي يعود تأريخ بنائها للقرن الثالث عشر الميلادي، وتعرضت للحرق والتدمير من قبل تنظيم داعش في 2015.

ذكر أحد أفراد العائلة ويدعى نمر(18 سنة) أن علاقة قديمة تربط أسرته بالمسيحيين، ولهذا سمح لهم برعاية الكنيسة بموجب ترخيص، لمنع التجاوز عليها بالسرقة أو العبث، ولاسيما أن جامعة بنسلفانيا ساهمت بإعادة إعمارها بالتعاون مع منظمات دولية ومحلية.

لكن الرسالة التي تحاول هذه العائلة المسلمة إيصالها، لطمأنة المسيحيين بواقع جديد في المدينة، قد لا تبلغ مداها، بسبب ما لاقاه المسيحيون قبل سيطرة داعش على الموصل وبعدها، يفصح عن ذلك وليم ايشو (60 سنة)، يعمل موظفاً في الجمعية الاشورية الخيرية.

ويقول:”ما يشاع عن مد الجسور والتسامح هو مجرد إعلام لا يعبر عن الواقع، فالفكر الداعشي مازال ماثلاً على الرغم من وجود مسلمين يحترمون المسيحيين، وهو السبب الرئيس وراء عدم رجوع المسيحيين الى الموصل”.

يتابع بعد تفكير، مستشهداً برواية نقلها عن لسان أحد الكهنة المسيحيين: “قال بأنه دعم أكثر من خمسين عائلة مسيحية للعودة، وعندما عادوا فوجئ عدد من أربابها بأن هنالك من سأل أطفالهم في المدرسة لِم لَم يدخلوا الإسلام؟”.

ويشير ايشو إلى أن أعداد العائلات العائدة قليل جداً وهم غير مستقرون وفقا لما ذكر، وأن سبب عودتها بالأصل هو سوء أوضاعها الاقتصادية: “ومعظم العائدين كبار سن من المتقاعدين غير القادرين على دفع بدلات ايجار في أماكن أخرى بينما منازلهم في الموصل”.

في شهر تشرين الأول/أكتوبر2022، قرعت أجراس كنيسة مار بولص في الجانب الأيمن للموصل للمرة الأولى منذ ثماني سنوات وأقيم فيها أول قداس بعد أعمارها وإعادة افتتاحها، لم يفوت رمزي بهنام (57 سنة) على نفسه الفرصة، وشارك في المناسبة في زيارته الأولى للموصل التي نزح عنها في حزيران/يونيو 2014.

بدأ متأثراً من التغييرات التي احدثتها صواريخ وقنابل حرب التحرير من داعش على المدينة القديمة مسقط رأسه، وبالكاد غالب دموعه وهو يقول: “أشعر نفسي غريباً في مدينتي التي عشت فيها معظم سنوات حياتي، الوجوه قد تغيرت، والأمكنة لم تعد كالسابق”.

كان عليه فضلاً عن عدد من المسيحيين الآخرين الذين رافقوه من أربيل العودة إلى هناك مجدداً قبل عصر ذلك اليوم، دون أن يستبعدوا أن تكون تلك زيارتهم الأخيرة للموصل، التي لولا دعوة الكنيسة لهم لما أطمأنوا لدخولها على الرغم من كل مؤشرات الأمن الطارئة عليها.

“لماذا يعودون؟ ” هكذا يتساءل متي الياس (65سنة) وهو من سكان الموصل النازحين في محافظة دهوك، ويعدد مستخدما أصابع يديه ما فقده المسيحيون: “بيوتهم وما فيها، مشاريعهم، محلاتهم التجارية، وظائفهم، سياراتهم، أموالهم، وكنائسهم”.

يشد قبضتيه ويمدهما إلى الأمام وهو يقول:”نحن في حلبة مصارعة”. يسدد لكمتين في الهواء ثم يواصل بنبرة حزن: “ونحن المسالمون نكون دوما الضحية”.

أُنجزت المادة في إطار برنامج تدريب ضم صحافيات وصحافيين من العراق واليمن وغزة، تحت اشراف الجامعة الامريكية في بيروت وبدعم منظمة دعم الاعلام الدولي (IMS).

إقرأ أيضا