الشهادات العليا.. كيف تحولت إلى أداة لرفع الراتب؟

باتت الشهادات العليا في العراق، عبئا على الدولة، كما يرى أساتذة جامعيون واقتصاديون، بعد أن…

باتت الشهادات العليا في العراق، عبئا على الدولة، كما يرى أساتذة جامعيون واقتصاديون، بعد أن فقدت هدفها العلمي وأصبحت لأجل التعيين أو زيادة الراتب بالنسبة للموظفين، منتقدين فتح قنوات الدراسات الخاصة الرسمية (بالمال)، وأخرى معنية ببعض فئات المجتمع دون الأخذ بنظر الاعتبار معدّل الطالب، وذلك إلى جانب سهولة الحصول على هذه الشهادات من خارج البلد، لاسيما وأن بعض الحاصلين عليها مستواهم العلمي والثقافي متدنٍ جدا، بشهادة أساتذة جامعيين.   

وتبدي أستاذة الإعلام في جامعة بغداد سهام الشجيري، خلال حديث لـ”العالم الجديد” قلقها من “مستوى بعض طلاب الدراسات العليا، فمن الممكن أن يأخذ هؤلاء الشهادة بدون علمية، وهو ما يؤكد أن أكثرهم، لاسيما من الموظفين، لا يهمهم سوى زيادة الراتب”.

وتضيف الشجيري، أن “الكثير من خريجي كلية الإعلام موظفون حكوميون، لكنهم يقدمون على الدراسات العليا من أجل زيادة الرواتب والمنصب، وهذا خطأ كارثي ففي السابق كان هناك اهتمام في الإمكانية العلمية التي يحملها طالب الماجستير أو الدكتوراه من خلال اختباره قبل دخوله للدراسة واختباره خلال وبعد السنة الدراسية”.

وتفترض أن “يكون هناك بناء علمي وإنساني للشهادات العليا، وليس لأجل زيادة الأموال”، مؤكدة أن “الوساطات ستدخل حتى لو وضعت شروط تعجيزية، فالتساهل في بعض التفاصيل موجود لاسيما مع وجود القنوات التي يقدم منها الطالب، فمن الصعوبة إقصاء احد إلا ما ندر”.

ويشهد البلد تظاهرات مستمرة لحملة الشهادات العليا، مطالبين بالتعيين، ومؤخرا تم تعيين 74 ألفا منهم، بعد تظاهرهم لفترة طويلة. 

وكان مدير دائرة البعثات والعلاقات الثقافية في وزارة التعليم العالي حازم باقر ذكر، في آذار مارس 2022، أن 33 ألف طالب عراقي يدرسون في الخارج من الذين فتحوا ملفات لهم بوزارة التعليم، فيما يوجد قرابة 100 ألف طالب عراقي يدرسون في الخارج من دون ملفات في الوزارة، مشيرا إلى أن هناك 50 ألف طالب دراسات عليا في داخل العراق.

وانتشرت في العراق، ظاهرة الحصول على شهادات عليا من بعض البلدان، أبرزها لبنان وتركيا وإيران، فضلا عن أوكرانيا وروسيا والهند، مقابل مبالغ تعتبر منخفضة، بعد تعثرهم في الحصول عليها داخل العراق نتيجة لمعدلاتهم الواطئة.

وعند كتابة “الدراسة خارج العراق” في محرك البحث غوغل، ستظهر مئات الجامعات التي تقدم عروضها لأجل نيل شهادات عليا، وتحمل أسماء متنوعة، وأغلبها تعتمد الدراسة عن بعد “أون لاين”، وذلك مقابل 2000- 4000 دولار.

من جانبه، يفيد الخبير في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـ”العالم الجديد” إن “موضوع احتساب الشهادات العليا في مؤسسات الدولة أصبح ظاهرة، فغالبية الدوائر والمؤسسات الحكومية لا يتطلب العمل فيها هذه الشهادات والمستويات الدراسية بل إن شهادات أقل تكفي لإدارة أمورها”.

ويضيف المشهداني، أن “المؤسسات ستضجّ بالمديرين العامين من حملة الشهادات العليا، فمن سيكلف بالأعمال الإدارية والفنية الأخرى”، لافتا إلى أن “سبب هذا يرجع إلى سوء التخطيط والإدارة”.

وفيما يذكر أن “بعض هذه الشهادات مزورة وليست حقيقية”، يشير إلى أن “تخصيصات بنسب كبيرة تترتب عليها إذ تصل الزيادة إلى أكثر من 100 بالمئة من الراتب الاسمي، وهذا يشكل عبئا كبيرا على الموازنة”.

وعلى الرغم من دخول الجامعات العراقية في التصنيفات الدولية، إلا أن الدراسة في الخارج قائمة وتنتشر بشكل كبير جدا، ولاسيما مع وجود تسهيلات من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، حيث أنها تعترف بتلك الشهادات بشكل رسمي.

وكان أكاديميون أفادوا خلال تصريحات سابقة لـ”العالم الجديد”، بأن موضوع التعليم يحتاج إلى لجان خاصة لمتابعته وتنظيم العمل وتنشيط الحركة العلمية في العراق، لافتين إلى أن هذه الأمور تشهد ترهلا، إضافة إلى انشغال الوزارات بأعمال أخرى، في حين ما تزال المدارس باقية لغاية الآن سائرة على المناهج التقليدية والنمطية، في وقت هي بحاجة إلى تغيير عبر جهد حكومي ومنظمات قانونية ومجتمع مدني.

بدورها، ترجع الأكاديمية شيماء عبد العزيز خلال حديث لـ”العالم الجديد” هذا التخبط إلى “سوء التخطيط، فعندما ينعدم التخطيط في البلد، ستكون الدراسات عشوائية بالقبول لاسيما أن الدراسات العليا من المفترض أن لا تكون متاحة للجميع، وإنما يجب أن تخصص للنخبة وأصحاب المعدلات العالية والقدرات العقلية العالية والمبدعين من خريجي الجامعات”.

وتضيف عبد العزيز أن “توسيعا حدث في الدراسات العليا على حساب النوعية والاختيار وفق المعايير، فكما نعلم أن خريجي الدراسات العليا هم أداة التغيير في المجتمع وهم بناة المستقبل، وبالتالي عندما يكون إعدادهم ليس بالمستوى المطلوب فلن يكون هناك مستقبل للبلاد”.

وتؤشر الأكاديمية، أن “ملاحظة القبولات على الدراسات العليا ستكشف الأعداد الكبيرة على الرغم من المناشدات للتعليم العالي بعدم قبول هذه الأعداد وفتح قنوات تسجيل عديدة كالقناة الخاصة التي تمنح المتقدم مقعدا في الدراسة على النفقة الخاصة وكذلك قناة لذوي الشهداء والمتضررين السياسيين وذوي الاحتياجات الخاصة”.

وتتابع عبد العزيز أن “الموظفين أيضاً دخلوا على خط الدراسة من أجل تحسين الراتب وليس من أجل التطور العلمي والإفادة”، مشيرة إلى أن “هناك خللا كبيرا في التخطيط وشروط القبول ومواصفات القبول، فسابقا لم تكن الدراسات متاحة للجميع، إنما كانت للأوائل وبعد اجتياز اختبار ومنافسة لفرز الأفضل منهم”، متسائلة عن “مدى الفائدة من تخرج هكذا دفعات والهدف من هذه القبولات وأين سيتم تعيينهم”.

يذكر أن بعض الجامعات العراقية تمنح بين مدة وأخرى، مقاعد دراسات عليا لطلبة عرب، وهي مقاعد ليست مجانية فقط وإنما ترافقها منح مالية للحائزين عليها لأغراض الإقامة وتكاليف المعيشة، بداعي السعي إلى الحصول على مراكز متقدمة في التصنيفات العالمية، وهو ما يثير امتعاض الطلبة العراقيين الذين يرون أن منحهم الفرصة أهم من التصنيفات.

إقرأ أيضا