استهداف القاعدة التركية.. رسائل لـ”إثبات الوجود” والحكومة تبتعد عن التصعيد

حمل استهداف القاعدة التركية في نينوى وردّ الأخيرة على مصدر إطلاق الصواريخ، رسائل عدة، لاسيما…

حمل استهداف القاعدة التركية في نينوى وردّها على مصدر إطلاق الصواريخ، رسائل عدة، لاسيما أنه الاستهداف الأول في ظل الحكومة الجديدة، ففيما عزا مراقبون، الأمر إلى وجود “جهات” تحاول إثبات قدرتها على قلب المعادلة مهما كان شكل الحكومة، رجحوا عدم إصدار الحكومة لأي موقف، نظرا لمحاولتها عدم تصعيد المواقف الدولية والدخول بخلافات، وهو ما قد يؤدي لمزيد من التصعيد، حسب توقعهم.

ويقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن وجود قواعد تركية في شمال البلاد يشكل عاملا محفزا لاستهدافها من قبل بعض الجماعات المسلحة خصوصا أن تركيا تناوئ وتناصب العداء لجماعات متطرفة، لكن لا يمكن تحديد الجهة التي شنت الهجوم وطريقتها”.

ويضيف أبو رغيف، أن “أصابع الاتهام دائما ما توجه إلى الجهات التي تناوئ وتعارض وجود قوات تركية على الأراضي العراقية خاصة إذا ما علمنا أن تركيا تقوم بعمليات عسكرية في العراق في أوقات مختلفة، عن طريق القصف أو غيره”، لافتا إلى أن “ما جرى في الهجوم الأخير يمثل ردة فعل من الجهات التي من المفترض أن تبدي انضباطًا عاليا”.

ويتابع أن “هذه الضربات التي استهدفت المعسكرات التركية لم تكن وليدة اليوم، ولم تقتصر على عهد رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، بل تكررت في عهد حكومات كثيرة ومتعاقبة، ولذلك نحن بحاجة إلى حوارات سياسية لغرض جذب هذا الخلاف إلى دائرة التفاهم كي لا تتفاقم الأزمة”.

واستهدفت يوم أمس، قاعدة زليكان التركية في بعشيقة بمحافظة نينوى، بـ8 صواريخ حسب بيان جهاز مكافحة الإرهاب في إقليم كردستان، فيما وردت أنباء أن عدد الصواريخ كان أكثر من 10.

وعقب الاستهداف، كشف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن قوات بلاده “قامت بالرد الضروري وبالمثل على مصادر إطلاق الصواريخ على قاعدة بعشيقة شمالي العراق”.

يذكر أن استهدافات عديدة تعرضت لها القواعد العسكرية التركية في الأراضي العراقية، وبعضها جرى تبنيه من قبل فصائل مسلحة عراقية، وبعضها من قبل حزب العمال الكردستاني، المعارض لتركيا.

ومنذ مطلع العام 2021، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى الإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.

من جانبه، يجد المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “الجهات التي تقف وراء القصف تريد أن تظُهر الرغبة باستعراض القوة وممارسة الضغط على الحكومة من أجل إرسال رسائل بأنها كانت حاضرة في المشهد الأمني وهي قادرة على قلب المعادلة لصالحها أيا كانت الحكومات، وعلى تلك الحكومات أن تنصاع إليها قبل أن ترميها في مستنقع الأزمات وتجعل منها جزءا من صراع الأقطاب”.

ويضيف البيدر أن “الشيء الجديد في هذا القصف هو انه الأول في حكومة السوداني، خاصة أن هذه الحكومة مسالمة إلى حد ما، ولا تتبع أحدا ولا تقف مع جهة ضد أخرى، وهو مؤشر ربما يقود إلى مزيد من الفوضى الأمنية ويساهم في تفشي العنف في البلاد لأن تركيا لن تقف مكتوفة الأيدي، علما أنها ردت ولكن هذا لا يعتبر ردا أخيرا، والخاسر الأكبر في هذه المعادلة هي السيادة العراقية”.

وفي تموز يوليو من العام الماضي، قصفت القوات التركية مصيفا سياحيا في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، ما تسبب بإصابة ومقتل 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.

 وتقدم العراق بشكوى لمجلس الأمن الدولي بشأن القصف التركي، وعقد المجلس جلسته في 26 تموز يوليو الماضي، وفيها أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن الأدلة من موقع الاعتداء على مصيف دهوك، والتي تضمنت شظايا مقذوفات مدفعية ثقيلة، هي ذاتها التي يستخدمها الجيش التركي، وأن هناك حالة من الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح العراق من الجنوب إلى الشمال بسبب الاعتداء التركي.

وغالبا ما يكون قضاء سنجار هو الهدف التركي المعلن، حيث يعتبر معقلا لعناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع بالفصائل المسلحة العراقية لإرسال ألوية عسكرية إلى القضاء، وتمركزت فيه لصد أي عملية تركية محتملة داخل القضاء الذي يقع جنوب غربي نينوى، ويعد موطنا لتواجد أبناء المكون الإيزيدي في العراق.

بينما يرى الخبير العسكري عدنان الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المعركة الحالية الآن هي معركة انتقاء أهداف، فقد شهد هذا الأسبوع الكثير من العمليات العسكرية، حيث لاحظنا أن مصالح أمريكية وإيرانية وأرتالا عسكرية تعرضت للقصف وأهدافا داخل العمق الإيراني والإسرائيلي استهدفت”.

ويرجح الكناني، أن “الموضوع اقرب على ما يبدو إلى استهداف مصالح دولية داخل العمق العراقي الذي يعد محتلا، وعليه فأن بعض القوى أيضا تريد إيصال رسائل بأن الوجود الأجنبي غير مرغوب به، وقد يتم استهداف جميع المصالح التركية خلال الأيام المقبلة”.

وعن موقف الحكومة العراقية، يتابع أن “حكومة السوداني لم تعترض على استهداف المصالح التركية، وربما هناك رضا تام عما يجري ولكنها لن تعلن عنه لأنها لا تريد أن تجد لنفسها مشاكل مع تركيا”.

وقد وقعت بغداد وأربيل في 9 تشرين الأول أكتوبر 2020، اتفاقا سمي بـ”التاريخي”، يقضي بحفظ الأمن في قضاء سنجار من قبل قوات الأمن الاتحادية، بالتنسيق مع قوات البيشمركة المرتبطة بإقليم كردستان، وإخراج كل الفصائل المسلحة وإنهاء وجود عناصر العمال الكردستاني “PKK”.

وكشفت “العالم الجديد” في تقرير سابق، أن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما في أنقرة، بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد-أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول إلى سنجار تحت مظلة حلف الناتو، تحسبا لردود أفعال سلبية من قبل الفصائل المسلحة، في حال دخول تركيا بمفردها لسنجار، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية كانت حاضرة للقاء الذي جرى في أنقرة، وتخللته مأدبة فاخرة على أنغام الطرب العراقي التراثي.

إقرأ أيضا