كيف وضع جاسم الأسدي الحكومة أمام اختبار صعب؟ 

وضع التسجيل الصوتي للناشط البيئي البارز جاسم الأسدي، الحكومة تحت اختبار كبير، بشأن الجهة التي…

وضع التسجيل الصوتي للناشط البيئي البارز جاسم الأسدي، الحكومة تحت اختبار كبير، بشأن الجهة التي اختطفته وأطلقت سراحه، ما دفع مراقبين للشأن السياسي ولجنة نيابية، إلى التشديد على ضرورة تحرك الحكومة تجاه هذه الجهة وعدم التستر عليها، رغم وصفهم لتلك الجهة بأنها “أقوى من الدولة”، لكنهم شددوا في الوقت ذاته، على ضرورة منع “الجرائم السياسية”، مذكرين بفشل الحكومة في الكشف عن قتلة المواطن الأمريكي قبل فترة وجيزة.

ويقول الخبير الأمني العميد المتقاعد عدنان الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الجهات التي قامت بخطف الناشط البيئي جاسم الأسدي معروفة لدى الحكومة العراقية والأجهزة الأمنية، وهي جماعات تعمل على تنفيذ أجندات خارجية، ولا تريد أي صوت ينادي بضرورة إنعاش الأهوار ومعالجة أزمة المياه في العراق، التي تقف خلفها دولة معروفة”.

ويضيف الكناني، أن “هذه الجماعات أقوى من أجهزة الدولة والقانون، خصوصاً إنها مرتبطة بأجهزة مخابراتية، وأي جهة عراقية تحاول المساس بها سوف تعمل على إقصائها حتى لو وصل الأمر إلى التصفية الجسدية، ولهذا فالكل لا يكشف عن اسم الجهة رغم أنها معروفة لديهم”.

ويرى أن “من الضروري إعمال ضغط دولي على الحكومة لكشف الجماعات التي قامت بخطف وتعذيب الأسدي، وبقاء الحكومة دون أي تحرك فعلي، فهذا يعني أن جرائم الخطف والتهديد وحتى التصفية الجسدية سوف تبقى مستمرة، وربما تتزايد في قادم الأيام، ولذا يجب أن يكون هناك ضغط دولي”.

وتم تداول تسجيل صوتي للناشط البيئي البارز جاسم الأسدي، يوم أمس السبت، بعد اختطافه لأسبوعين وإطلاق سراحه، كشف فيه أنه اختطف من جهة متنفذة، بهدف ثنيه عن دوره في حماية البيئة والمطالبة بعودة الحياة للأهوار، فيما بين أنه تعرض للتعذيب بالكهرباء والضرب والتعليق، ونقل في غرف مظلمة ودهاليز وصفها بأنها أشبه بما كان يجري في النظام السابق.

وكان الأسدي، قد اختطف في الأول من الشهر الحالي، في الطريق الرابط بين بغداد وبابل، من قبل مسلحين مجهولين، وجرى اقتياده إلى جهة مجهولة فيما ترك أحد أقاربه الذي كان معه في العجلة.

وفي يوم 15 من الشهر الحالي، أطلق سراح الأسدي دون أي تفاصيل أو بيان من الجهات الرسمية، يوضح ما جرى ومن هي الجهة التي اختطفته.

ويدير الأسدي جمعية “طبيعة العراق” التي تُعنى بالدفاع عن البيئة، وهو يظهر بصورة دائمة عبر وسائل الإعلام المحلية والأجنبية لرفع مستوى الوعي حول الأهوار العراقية المُدرجة على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) للتراث العالمي.

من جهته، يؤكد المحلل السياسي المقيم في واشنطن، نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كشف الحقيقة من قبل الناشط البيئي جاسم الأسدي، للرأي العام من دون خوف أو تردد أو وجل، دليل على فشل المجرمين الإرهابيين الذين اختطفوا وهددوا واعتدوا على الأسدي، كما أن التصريحات التي أدلى بها الاسدي إدانة للدولة العراقية بكل مؤسساتها التي فشلت في حماية ناشط بيئي مدني لا علاقة له بشيء إلا بالطبيعة التي أحبها فدافع عنها بدافع حب الوطن”، مشيرا إلى أن “فالدولة فشلت مرتين؛ الأولى عندما فشلت في حماية الناشط من الاختطاف، والثانية عندما فشلت في إطلاق سراحه وإنقاذه من خاطفيه المجرمين”.

ويبين حيدر، أن “العملية الإجرامية دليل آخر على انتهاج حكومة السوداني لنفس سياسات حكومة الكاظمي وقبله عبد المهدي في التستر على مرتكبي الجرائم السياسية، مثل قتل الناشطين واختطافهم وابتزازهم وما أشبه”، مذكرا بـ”فشل السوداني في الكشف عن هوية قتلة المواطن الأمريكي قبل أشهر في العاصمة بغداد على الرغم من ظهوره وقتها في الإعلام وإعلانه بانه شخصياً يتابع ملف الجريمة الجبانة على حد وصفه، من دون أن نلمس من التحقيقات التي وعدنا بها أية نتيجة، وبعد ذلك الفشل يتكرر الفشل اليوم بهذه الجريمة”.

ويضيف أن “الجريمة تؤكد من جديد وبما لا يدع مجالاً للشك من أن الجرائم السياسية التي يرتكبها الجناة محمية بالميليشيات وبزعماء قوى تشارك في العملية السياسية وموجودة في مؤسسات الدولة بأحجام مختلفة، لذلك أقول واكرر أن أية جريمة تنفذ في العراق، إذا كشفت عنها الأجهزة المختصة بسرعة فهي جريمة مُنظَّمة، أما إذا سوَّفت وتماهلت ولم تتعامل معها بجدية وحزم فهي جريمة سياسيَّة، وتابعوا مصير كل جرائم الاغتيال والقتل والخطف والابتزاز التي تقع في البلاد فستعرفون ما الذي اقصده”.

ويتابع المحلل السياسي أن “الحكومة إذا لم تكشف عن هوية الخاطفين وتعلن عن اعتقالهم خلال الساعات القليلة القادمة فإنها تتحمل مسؤُوليَّة الجريمة الإرهابية بالكامل، وستكون متهمة بالاشتراك في تنفيذها ما لم تثبت لنا العكس، وخاصَّةً ان قضايا المناخ والبيئة معنية بها بالدرجة الأولى الدولة ومؤسساتها، فمحاربة الناشطين بهذا الخصوص وبهذه الطريقة الإرهابية لا يمكن أن يقدم عليها إلا الجهات المتنفذة في الدولة والمحمية بمؤسساتها، أو على الأقل بالدولة العميقة وزعاماتها”.

ويخلص حيدر إلى أن “بداية إعادة مد جسور ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها، بتفكيك الميليشيات وحصر السلاح بيد الدولة في إطار الدستور والكشف عن هوية الإرهابيين الذين ينفذون في كل مرة مثل هذه الجرائم، وإلا فأن كل خطاب يدلي به المتحدثون باسم مؤسسات الدولة هو مجرد هراء للاستهلاك المحلي لا يرقى إلى مستوى خطاب دولة أبداً”.

والأسدي مهندس هيدروليك وُلد العام 1957 في أهوار العراق، وشارك منذ 2006 في مبادرات تهدف إلى إنعاش هذه المنطقة الواقعة في الجنوب التي تعرّضت لتجفيف شبه كامل في تسعينيات القرن الماضي في النظام السابق، وعمل في مجالات الأبحاث الخاصة بالمسطحات المائية العراقية، وأسهم بشكل فاعل في الحوارات التي سبقت إدراج الأهوار على لائحة التراث العالمي.

وتعد الأهوار رئة العراق بسبب قدرتها الهائلة على تخزين الغازات الدفيئة، وتحديدا ثاني أكسيد الكربون، فضلا عن أهميتها من ناحية التنوع البيولوجي، وتشكيلها مصدرا مهما لاقتصاد المجتمعات المحلية وسبل استقرارها.

يذكر أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، سبق وأن وعد في منهاجه الوزاري بالقضاء على السلاح المنفلت، لكن هذا الوعد لم ينفذ وما زالت عمليات الخطف والتهديد مستمرة، وقد تناولت “العالم الجديد” هذا الوعد في “السوداني ميتر” الذي أعدته بعد مرور 100 يوم على تشكيل الحكومة.

بالمقابل، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية ياسر وتوت، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “لجنة الأمن والدفاع البرلمانية سوف تتابع مع الجهات الأمنية المختصة نتائج التحقيقات في قضية خطف الناشط البيئي جاسم الأسدي، فلا يمكن السكوت عن هذه القضايا دون معرفة الجناة”.

ويبين وتوت، أن “اللجنة ستعمل على استضافة المسؤولين عن ملف التحقيق بهذه القضية واللجنة سيكون لها دعم في كشف الجماعات المسلحة التي خطفت الناشط البيئي جاسم الأسدي وعذبته، لعدة أيام، والحكومة مطالبة بالتحرك السريع لكشف نتائج التحقيق وكشف المسؤولين عن هذه الجريمة مهما كانوا”.

وكان المواطن الأمريكي ستيفن إدوارد، قتل في منطقة الكرداة وسط بغداد في 7 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وصدر بيان في حينها من الحكومة يؤكد متابعة الجريمة وأنه سيتم الكشف عن الجهة المنفذة لها، لكن جرى تسويف القضية ولم تعلن أي نتائج.

جدير الذكر، أن عمليات اغتيال الناشطين التي جرت في الحكومات السابقة، لم يتم الكشف عنها حتى الآن رغم تشكيل العديد من اللجان التحقيقية، ومنها ما شكلته الحكومة الحالية بهذا الصدد، كما أن جريمة اغتيال الباحث الستراتيجي هشام الهاشمي، ورغم القبض على القاتل، إلا أنه لم يتم الإعلان عن الجهة المسؤولة عن التخطيط للجريمة. 

إقرأ أيضا