السوداني والتصحر.. “استعراض إعلامي” وخبراء يقترحون الحلول

قلل خبراء في البيئة والمياه، من حديث رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بشأن وضع الحكومة…

قلل خبراء في البيئة والمياه، من حديث رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بشأن وضع الحكومة لملف التصحر كأولوية لها، مؤكدين أنه “حديث إعلامي”، ولم تتخذ أي خطوات لغاية الآن، سواء كانت داخلية أو خارجية لمعالجة هذا الملف، فيما طرحوا العديد من الحلول لمواجهة هذه الأزمة وتداركها قبل فوات الأوان.

ويقول الخبير المائي تحسين الموسوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تأكيد رئيس الوزراء على محاربة التصحر غرضه السرد الإعلامي، أما التطبيق على أرض الواقع فهو مختلف تماماً، إذ يصعب عليه وعلى حكومته محاربة التصحر، وهذا ناتج عن عاملين، الأول خارجي والثاني داخلي”.

ويضيف الموسوي، أن “العامل الخارجي يتعلق بمعاملة الدول المجاورة للعراق معاملة الضعيف، كونه يمر بمرحلة نكوص، امتدت من زمن الحصار في تسعينيات القرن المنصرم الى يومنا هذا، فلم يتعامل القادة السياسيون مع ملف المياه باعتباره عاملاً مهما للأمن القومي، بدلاً من ذلك كان المفاوض العراقي ضعيفاً، فلم يتم إرسال ملف التفاوض مع شخصيات رفيعة مثل رئيس وزراء أو رئيس جمهورية، واستعانوا بدلاً من ذلك بمدراء عامين، وفي أقصى الحالات كانوا يبعثون وزيراً”.

أما العامل الثاني، فيشير إلى “معاناة العراق من ثقافة استهلاك المياه، والمشاكل التي تتعلق بتقادم أساليب الري، فضلاً عن ملوحة التربة، يترافق ذلك مع تزايد أعداد السكان، وهذا كله يصعب من معالجات الحكومة الحالية، كونها تحتاج لخطة طويلة الأمد تنقذ واقع المياه، التي تمثل ديمومة الأراضي الخصبة ومحاربة للتصحر”.

ويلفت إلى أن “القادة السياسيين لم يتنبهوا لخطورة هذا الملف، إذ يمر العراق بمرحلة حرجة، إذ أن نسبة لا تقل عن 90% من أراضيه مهددة بالتصحر، وتحول هذه الأراضي إلى جرداء سيصعب من عملية إعادتها، كونها ستفقد العديد من حبيباتها وتركيباتها الكيميائية والفيزيائية”.

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أعلن يوم أمس، خلال ندوة له في مدينة ميونخ الألمانية، أن الحكومة تضع مشاكل التصحر أولوية في معالجاتها.

يذكر أن الناشط البيئي البارز جاسم الأسدي، والمتخصص بشؤون الأهوار اختطف في لمدة أسبوعين، وأطلق سراحه قبل أيام، من قبل جهات متنقذة، وحسب قوله أن اختطافه جاء لثنيه عن دوره في حماية البيئة وترك ملف الأهوار.

ومؤخرا، انتشرت تغريدات بموقع تويتر، كما أكدت بعض وسائل الإعلام الدولية، عن اتخاذ تركيا إجراء غير مسبوق بتفتح سد أتاتورك الذي يخزن 48 مليار متر مكعب من  نهر الفرات، تخوفا من انهياره بفعل الهزات الزلزالية الارتدادية التي تشهدها تركيا حاليا، وأن المياه ستتدفق إلى زاخو في محافظة دهوك، ويقع السد في الروافد العليا لنهر الفرات، على بعد 80 كم شمال غرب مدينة أورفة.

ويعتبر سد أتاتورك من أكبر مشاريع المياه، وأكبر مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في تركيا، والذي استغرق بناؤه حوالي 10 سنوات، ينتج حوالي 2400 ميجاواط من الكهرباء.

من جانبه، يبين الخبير البيئي حمزة رمضان، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المياه تمثل عاملاً حاسماً في إبعاد شبح التصحر عن العراق، لذا على السلطات العراقية مقايضة بلدان المنبع، وبالأخص تركيا، عبر شراء الماء منها، أو تقديم خدمات مجانية لإدامة سدودها، أو مفاوضتها في الوقت الراهن، سيما وأنها تمر بأزمة زلازل، دعتها لإطلاقات مائية من السدود، ثم ملء السدود والخزانات المفترضة لإنقاذ العراق من نقص المياه في أراضيه الزراعية”.

ويضيف رمضان، أن “بحيرة الثرثار تعد واحدة من الخزانات الإستراتيجية للعراق، ومع وجودها في منطقة تتوسط العراق، وبحجم استيعاب يصل لـ(85 مليار متر مكعب) من المياه يمكنها استيعاب كل الوفرة المائية القادمة من تركيا، ثم توزيعها على مختلف بقاع العراق، ولكن في بداية الأمر علينا إعادة تأهيل هذا الخزان العملاق، كونه مبني بمواد تساعد على تمليح المياه بداخله، وعلاجه سيغنينا عن إنشاء سدود أضافية في المستقبل”.

ويتابع: “أما طبيعياً فعلى العراق استغلال مياه الأمطار، إذ تؤكد الأرصاد أن السنوات الخمسة عشرة القادمة سوف تكون مطيرة على منطقة الصحراء الغربية، وتحديداً غرب العراق، عبر الموصل مرورا بالثرثار وبادية السماوة، وهذا يحتم على العراق إنشاء مئات السدود لحصاد الماء”.

ويردف رمضان “كما ينبغي على العراق استغلال مياه الصرف الصحي، عبر إعادة تدويرها، واستخدامها في الزراعة، واستغلال الفائض منها في حقنها داخل الأرض لتعزيز المياه الجوفية، وهذا يحتاج لإنشاء وحدات لتدوير المياه في كل محافظة عراقية، مثله مثل المستشفى والمراكز الصحية”.

وعن دور وزارة البيئة العراقية في حل أزمة التصحر يؤشر رمضان أن “وزارة البيئة ليس لها دور تنفيذي، بل إنها تقدم مجموعة من التوصيات، عبر تحديدها لتلوث معين، أو تقييمها لحالات داخل البيئة، أما الجهات المنفذة لهذه التوصيات فهي وزارتي الموارد المائية والصحة”.

 ومنذ العام الماضي، برزت أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تم تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

يذكر أن مجلس الوزراء، قرر في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، التريث في تنفيذ فقرة توصيات لجنة الأمر الديواني (26 لسنة 2020)، المتعلقة بتقديم الدعم للمحاصيل الزراعية (الحنطة والشعير والشلب والذرة الصفراء) للموسم الزراعي الحالي بشأن استخدام تقنيات الري الحديثة بتقديم الدعم الزراعي بمقدار 50 بالمئة للأسمدة و70 بالمئة للبذور و100 بالمئة للمبيدات، بحسب طلب وزارة الزراعة، لعدم وجود منظومات ري بالرش كافية لتغطية المساحات المطلوبة لزراعة المحاصيل الاستراتيجية.

وفي سياق متصل، يؤكد الخبير البيئي محمد ابراهيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ملوحة التربة هي العامل الرئيس في تحول الأرض لصحراء، تنفث الغبار في الهواء، ما يؤدي لتلوث المدن والعواصم، ومعالجة الملوحة يستدعي استنفار الدولة بكل مفاصلها، كونه خطرا يهدد التنوع الإحيائي داخل العراق”.

ويؤكد رمضان أن “على العراق زراعة الأراضي الجرداء بمحاصيل مثمرة، يستفيد منها بتثبيت التربة ومنع الملوحة أولاً، ورفد الطاقة الإنتاجية الزراعية بمحاصيل زراعية معينة، مقاومة للجفاف وقلة المياه، مثل التمور والزيتون”.

ويبين أن “العراق يمتلك خبرات كبيرة في التعامل مع التصحر، كما يمتلك الموارد المالية الكافية لذلك، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في الإرادة والتنفيذ، وتبقى دائماً جميع الخطوات معلقة في مرحلة التوصيات والاقتراحات والتصريحات، إذ لم نشهد الى الآن أي خطوات فعلية وعملية للقيام بمكافحة التصحر”.

كما يعاني العراق من أزمة كبيرة في المياه، بسبب تقليل تركيا لإطلاقات نهري دجلة والفرات وقطع إيران لمنابع الأنهر الواصلة للعراق، ما أثر بشكل كبير على الخطة الزراعية، فضلا عن تأثيره على الأسماك، حيث ارتفع اللسان الملحي وأدى لنفوق كميات كبيرة في أحواض محافظة البصرة (550 كلم جنوبي البصرة)، مطلع شهر آب أغسطس 2021.

وشهد البلد مطلع العام الماضي، عواصف ترابية دفعت بالجهات المعنية الى الاستنفار، سواء من الجوانب الخدمية أو الصحية وحتى الأمنية، تحسبا لاستغلالها من قبل تنظيم داعش بشن هجمات، وفقا لتوقعات الرصد الجوي فأن العواصف الترابية ستغطي على أغلب أيام العام في البلد.

يذكر أن مبادرات إنشاء الحزام الأخضر، بدأت في سبعينيات القرن الماضي، كجزء من حملة قامت بها الدول العربية وبمساعدة منظمة الأغذية والزراعة (فاو) في مرحلتها الأولى، يعمل كمصد للرمال الصحراوية التي تجتاح المدن والأراضي الزراعية، فضلاً عن عمله للحد من الرياح الصحراوية نحو المدن، لكن المشروع توقف بسبب الحرب العراقية الإيرانية 1980- 1988، ومن ثم حرب الخليج، والخلاف العراقي الخليجي.

وكانت وزارة الزراعة، أعلنت في عام 2020، عن حاجة العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر، بالإضافة الى إطلاقها مشروعا يرتكز على توزيع الشجيرات إلى البلديات في بغداد والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني مجاناً لزراعتها داخل المدن وحولها لتدعيم الحزام الأخضر لمنع زحف الصحراء نحو المدن.

إقرأ أيضا