احتيال جديد.. كيف تسحب شركات السفر الدولار بسعره الرسمي؟

طريقة احتيال جديدة، اتخذتها بعض شركات السفر لغرض شراء الدولار بالسعر الرسمي وبيعه بسعر السوق…

طريقة احتيال جديدة، اتخذتها بعض شركات السفر لغرض شراء الدولار بالسعر الرسمي وبيعه بسعر السوق المرتفع، وهذه المرة ليس عبر تذاكر السفر كما جرى سابقا، بل عبر إرسال شباب إلى لبنان لمدة يوم واحد بغية الحصول على سبعة آلاف دولار مقابل 132 ألف لكل 100 دولار والمخصصة للمسافرين في المطار، وفيما يكشف أحد المشاركين تفاصيل العملية كاملة، يرى باحث اقتصادي أن هذه الأساليب تضر بالعملة وتساهم بإفشال إجراءات البنك المركزي، في حين، يشير قانوني إلى صعوبة إدانة من يقوم بهذا الأمر، لأن “الطريقة المتبعة” قانونية شكلاً.

ويروي محمد عبدالله (أسم مستعار)، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، تفاصيل ذهابه في رحلة وفرتها شركة سفر مقابل الحصول على العملة الصعبة من المطار أن “سعر التذكرة التي وفرتها لي الشركة يبلغ 350 دولارا إلى بيروت”.

ويضيف أن “الشركة أو الشخص الممثل عنها يتفق معنا على السفر ليوم واحد مجاناً، ما عدا تكاليف السفر ومصاريفه هناك على المواطن، مع أن تكون العودة في اليوم التالي”، مؤكدا أن “أعداد المسافرين ممن تتفق معهم الشركة في الرحلة الواحدة يتراوح بين 5 أو 7 أشخاص”.

ويتابع أنه “عند موعد الرحلة، نذهب لمطار بغداد الدولي منذ الساعة الـ12 ليلا، بغية الوقوف في الطابور والحصول منذ الصباح على الدولار من فروع المصارف في المطار، ليتم تسليمه إلى ممثل الشركة الذي يتواجد معنا في المطار قبل أن نغادر إلى لبنان”.

وكان مصرف الرافدين، أعلن في 24 من الشهر الحالي، أن الحد الأعلى لبيع الدولار للمسافرين في مطار بغداد الدولي يبلغ 7 آلاف دولار، والمعتمرين 3 آلاف دولار، بسعر 1320 دينارا لكل دولار.

وتعد لبنان من الدول القليلة والقريبة، التي يسمح لحامل الجواز العراقي بدخولها من دون سمة دخول مسبقة، ويتم الاكتفاء بسمة دخول تمنح في مطار بيروت.

وخلال عملية حسابية أجرتها “العالم الجديد”، فأن مبلغ الـ7 آلاف دولار، يوفر فرقا بالسعر بين شرائه بالسعر الرسمي وبيعه بسعر السوق يبلغ أكثر من مليون وخمسمائة ألف دينار، يذهب ثلثه لتذكرة السفر للشخص المتفق معه، وفي كل عملية يذهب قرابة 5 أشخاص، ما يؤدي لتحقيق ربح قدره 7 ملايين و700 ألف دينار يذهب منها مبلغ مليونين و300 ألف فقط لتذاكر السفر.

يشار إلى أن الشهر الماضي، ومع بدء أزمة ارتفاع سعر الدولار في السوق مقارنة بسعره الرسمي، توجه البنك المركزي إلى فتح نافذة لبيع الدولار لحاملي تذاكر السفر، وفي حينها، جرى استغلالها من قبل شركات السفر، حيث أصدرت تذاكر غير صحيحة أو قابلة للإلغاء بهدف الحصول على الدولار بسعره الرسمي.

وكانت هيئة السياحة التابعة لوزارة الثقافة، حذرت آنذاك، شركات السفر والسياحة كافة من إصدار تذاكر سفر غير صحيحة أو قابلة إلى الإلغاء، وأكدت في كتاب لها أن مواطنين يقومون بإصدار تذاكر سفر غير صحيحة أو قابلة إلى الإلغاء لتسلم المبلغ المخصص للمسافر من الدولار، وهذا نشاط يضر بالاقتصاد الوطني ويقوض من جهود البنك المركزي بضمان استقرار أسعار الصرف.

من جانبه، يؤكد الباحث والمتخصص في الشأن الاقتصادي ملاذ الأمين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “هناك من يستغل هذه الأوضاع بطرق احتيال جديدة، ويحاول الاستفادة من الفرق بين سعر الدولار الرسمي وسعره في السوق السوداء لاسيما أن الفرق مغرٍ بالنسبة، لهم إذ وصل إلى أكثر من 20 ألف دينار لكل 100 دولار، وهذا الفرق ليس بالهين لاسيما إذا كان المبلغ كبيرا”.

ويضيف الأمين، أن “طرق الاحتيال مثل هذه تسهم في إضعاف مركزية الدولة وتؤثر على السوق العراقية المالية، إذ كان يفترض بالبنك المركزي دراسة السوق بشكل معمق دراسة علمية حقيقية لسعر الدولار قبل تسعيره، وعلى الحكومة والبنك إعادة حساباتهما في التعامل مع الدولار”.

ويلفت إلى أن “هذه الطرق إذا ما تم إنهاؤها تسهم في إفشال إجراءات الحكومة وتقلل من فرص نجاحها وستولد فكرة لدى المواطن بالتشكيك في إجراءات الدولة وتقوض من شخصيتها”.

وكان البنك المركزي، أصدر في 22 من الشهر الحالي، الحزمة الثانية من الإجراءات الخاصة بالحوالات وبيع الدولار، وتضمنت: تنظيم تمويل التجارة الخارجية من الصين بشكل مباشر وبعملة اليوان الصيني، تقديم تسهيلات للتحويلات المالية إلى الولايات المتحدة وأوروبا بالآلية نفسها لاحقًا، الوثائق المطلوبة للتقديم للتحويلات المالية الخارجية المذكورة آنفًا: قائمة (فاتورة) تجارية فقط، أو أوّليات الاعتماد المستندي، على أن يُقدّم الزبون للمصرف لاحقًا ما يثبت دخول البضاعة.

ومنذ أشهر، تدخلت واشنطن للحد من تهريب الدولار من العراق، ما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار في السوق المحلية لمستوى قياسي بلغ 170 ألف دينار لكل مائة دولار، بسبب تراجع مبيعات البنك المركزي من الدولار، نظرا لخضوعه لنظام “سويفت” المالي الدولي.

وما يزال سعر صرف الدولار في السوق المحلية يتجاوز الـ150 ألف دينار لكل 100 دولار، بفارق بلغ أكثر من 20 ألف دينار بينه وبين السعر الرسمي وهو 131 ألف دينار لكل مائة دولار.

وحول إمكانية إيقاف هذه العملية من قبل الأجهزة المعنية، يعلق الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، على هذه الطريقة، بأن “قيام أشخاص معينين بالسفر ليوم واحد من أجل الحصول على المبلغ المحدد من البنك المركزي للمسافرين إجراء سليم ولا توجد فيه أي جنبة قانونية ممكن أن تعرضهم للمساءلة”.

ويضيف التميمي، أن “هؤلاء الأشخاص يسافرون فعليا ويمتلكون تذكرة رسمية، كما أن القانون لم يحدد مدة السفر سواء كانت يوما أو أكثر أو أقل، فهذا يعتمد على التذكرة والجواز”.

جدير بالذكر، أن البنك المركزي أعلن في 11 من الشهر الحالي، عن اتفاقه مع المصرف الأمريكي الشهير، جي بي مورغان، على أن يكون وسيطا، لإيصال مبالغ التجار العراقيين إلى الصين وتغطية استيراداتهم، بعد أن كان البنك يتعامل مع مصارف في الإمارات والأردن، وبحسب تقرير “العالم الجديد” فأن الاتفاق الجديد سيحد من الفواتير المزورة التي كانت منفذا لتهريب العملة لخارج البلد.

يذكر أن مزاد العملة في البنك المركزي، كان يعد من أبرز منافذ تهريب العملة، نظرا لتقديم فواتير استيراد مزورة وبمبالغ عالية، فيما تصل البضائع دون ما قدم في الفاتورة بنسبة كبيرة جدا، وذلك بتأكيد من نواب وجهات رسمية أخرى، فضلا عن مقاطعة بيانات وزارة التخطيط بشأن البضائع المستوردة في القطاع الخاص مع مبيعات البنك المركزي، وأتضح أن الفرق كبير جدا، ما يعني أن الدولار الفائض يذهب للتهريب.

إقرأ أيضا