ملاحقة فريق الكاظمي.. خطوات “ثأرية” أم إجراءات قضائية؟

أرجع مراقبون، القرار القضائي بملاحقة مستشار رئيس الحكومة السابق، مشرق عباس، إلى عملية “ثأر” من…

أرجع مراقبون، القرار القضائي بملاحقة مستشار رئيس الحكومة السابق، مشرق عباس، إلى عملية “ثأر” من حكومة مصطفى الكاظمي، شملت الفريق الأضعف بحكومته ولم تشمل الأطراف العاملة معه والمقربة من الإطار، ما دعا الإطار التنسيقي الراعي للحكومة الحالية إلى نفي التدخل السياسي في الأوامر القضائية أو قيامه برفع دعاوى، مؤكدا أن ما يجري هو إجراءات قضائية بحتة.

ويقول الباحث في الشأن السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “فريق الكاظمي (وزراء ومستشارين ودرجات خاصة) ينقسم إلى قسمين، الأول هو الذي يرتبط بأحزاب السلطة، والثاني هو الذي لا يرتبط بها ولا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد، والملاحظ هو أن الفريق الأول لم تصله الحكومة أبداً على الرغم من أن بعضهم متورط بشكل واضح في الفساد والفشل، والسبب في ذلك هو أن أحزابهم وكتلهم السياسية التي كانت مشتركة في حكومة الكاظمي هي نفسها التي شكلت حكومة السوداني، ولذلك لا يجرؤ أحد على محاسبتهم وملاحقتهم”.

ويبين حيدر، أن “السوداني أشار إلى هذه الحقيقة قبل أيام عدة في أحد حواراته المتلفزة”، لافتا إلى أن “الملاحقات القانونية انصبّت على النوع الثاني من الفريق، وذلك لسببين؛ لأنهم غير مدعومين لا من الدولة ولا الدولة العميقة، ووجدت فيهم مؤسسات الدولة أفضل كبش فداء يمكن أن يذروا فيه الرماد في العيون بخصوص ملف مكافحة الفساد الذي لم يتبين منه شيء ملموس حتى الآن”.

ويضيف، أن “الحكومة كانت بحاجة إلى من تشيطنه من أجل أن تظهر للرأي العام بصورة الملاك، فلم تجد غير النوع الثاني من الفريق، وطبعا لا أحد يمكن أن ينزه أحدا من كل الذين اشتركوا في العملية السياسية منذ 2003 حتى الآن، لكن السؤال؛ لِمَ فريق الكاظمي تحديداً، ولماذا النوع الثاني منه تحديداً، وإلا فإن زعماء الأحزاب والكتل والقوى السياسية التي أدارت الدولة خلال العقدين الأخيرين عليهم مؤشرات فساد وفشل عظيمة فملفاتهم موجودة في النزاهة وفي القضاء وأن نسبة فساد فريق الكاظمي إلى نسبة فسادهم لا تتجاوز الواحد من الألف واقل، فلماذا لم يحرك أحد ملفاتهم”.

ويتابع الباحث في الشأن السياسي، أنه “لا ننسى إن وراء الملاحقات رائحة انتقام واضحة من أطراف شكلت حكومة الكاظمي ثم تضررت منها، وإلا فمن من القوى السياسية لم تشترك وتدعم تشكل حكومة الكاظمي وقتها، وأنا شخصياً أدعم مقترح علي علاوي وزير المالية في حكومة الكاظمي بشأن الدعوة لإجراء تحقيق دولي في كل ملفات الفساد وبشكل علني وواضح وشفاف ليتبين للعراقيين الذي بكى ممن تباكى، ومن أجل أن لا يتم تسييس ملفات الفساد والفشل لتصفية الحسابات بين السياسيين وضد بعضهم البعض الآخر”.

وكانت هيئة النزاهة، أعلنت يوم أمس، صدور أمر قبضٍ وتفتيشٍ بحقِّ المستشار السياسيّ لرئيس مجلس الوزراء السابق، على خلفيَّة الامتناع عن كشف الذمة الماليَّة، من دون عذر مشروعٍ، وبين أن الأمر القضائي صدر استنادا إلى المادة (19/أولاً) من قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم (30 لسنة 2011) المُعدَّل، التي نصَّت على إيقاع عقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنةٍ لمن امتنع عن تقديم استمارة كشف الذمة الماليَّـة من دون عذر مشروعٍ.

وبحسب المعلومات التي رافقت صدور البيان، فأن مستشار رئيس الوزراء المعني ببيان النزاهة، هو مشرق عباس.

يذكر أن كشف الذمة المالية، سياق متبع في كل حكومة جديدة تتسلم مهامها، لكن لا يجري بعد انتهاء مهام الحكومة تقييم أو تقديم كشف ذمة مالية جديد أو محاسبة أي وزير أو رئيس حكومة.

يشار إلى أن نوابا ومحللين سياسيين، أكدوا سابقا لـ”العالم الجديد”، أن كشف الذمة المالية للوزراء والمسؤولين في كل حكومة، هو “إجراء شكلي” لا يحد من الفساد وسرقة المال العام، الذي يجري بطرق ملتوية عديدة، مؤكدين أن هذا الإجراء لا يعني بالضرورة نزاهة من يكشف ذمته المالية.

من جهته، يوضح المحلل السياسي علي البيدر، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “فريق الكاظمي، كما يبدو، وصل إلى مستويات قياسية من الاستئثار بالسلطة والهيمنة على كامل الدولة والقيام بعدة خروقات قانونية، حتى وصلت إلى التأثير على جوانب شخصية وعناوين قيادية بارزة، وتسببت تلك الخطوة بضغينة من قبل بعض الأطراف السياسية المتنفذة، التي تدفع حالياً لمعاقبة فريق الكاظمي”.

ويبين البيدر، أن “فريق الكاظمي عمل على الكثير من العداوات الشخصية مع الأطراف السياسية، ولهذا فإن ما يحصل حالياً هي ردود أفعال على تصرفات هذا الفريق عندما كان يمسك ويهيمن على السلطة، كما أن استهداف هذا الفريق بسبب ضعف رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي”.

ويضيف، أن “الهدف من ملاحقة فريق الكاظمي، إيصال رسائل من قبل بعض الأطراف السياسية، إلى أي شخص وجهة تأتي لتمسك الحكم في المرحلة المقبلة، وتعتقد بأنها أكبر من أن يتم إضعافها ومحاولة تقليل نفوذها في الدولة العراقية، كما انه وارد جداً ملاحقة الكاظمي نفسه خلال الفترة المقبلة وليس فريقه فقط، خصوصاً أن بعض الأطراف توجه له اتهامات بتورطه بحادثة المطار”.

يشار إلى أن الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، اتهمت بالعديد من صفقات الفساد، وكانت أبرزها ما بات يعرف بـ”سرقة القرن”، وهي سرقة 2.5 مليار دولار من أمانات هيئة الضرائب العامة، وجرى حديث عن تورط وزراء ومقربين من رئيس الحكومة، لكن لم يتخذ أي إجراء وسلمت الحكومة مهامها إلى السوداني بشكل رسمي، من دون محاسبة أي مسؤول فيها أو استدعائه من الجهات المختصة. 

وغالبا ما يكشف النواب عن وجود ملفات فساد بمبالغ طائلة في مختلف مفاصل الدولة، وبعضهم يدعمها بالوثائق، كما تصدر هيئة النزاهة الاتحادية وبشكل مستمر، بيانات عن اكتشافها ملفات فساد أو إصدار أحكام بحق مسؤولين سابقين، لكن أغلبهم في المحافظات أو إداريين في بعض الوزارات.

جدير بالذكر، أن منظمة الشفافية الدولية، وفي تقريرها العام الماضي، بشأن الدول الأكثر نزاهة والأقل، حصل العراق في المرتبة 157 من أصل 180 دولة. 

بالمقابل، يرى القيادي في الإطار التنسيقي علي الفتلاوي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ما يجري من عملية ملاحقة قانونية وقضائية لوزراء وفريق الكاظمي، ليس فيه أي أجندة سياسية إطلاقاً، بل هذه الملاحقة تتم وفق تحقيقات مهنية تجري من قبل جهات قضائية مختصة”.

ويبين الفتلاوي، أن “الإطار التنسيقي لا يتدخل بعمل النزاهة والقضاء إطلاقاً، ولا يحرك أي ملف ضد أي شخصية لأسباب سياسية أو شخصية، بل هو يدعم جميع الإجراءات القضائية، بحق أي مقصر أو متهم بأي ملف فساد وغيره”.

ويتابع، أن “الكاظمي وفريقه عليهم الكثير من المؤشرات والملاحظات وهناك شبهات في الكثير من أعمال هذا الفريق، وما يجري حالياً هو كشف جزء بسيط من هذه الخروقات والشبهات”، لافتا إلى أن “هذه الإجراءات قضائية تحقيقية بحتة، وليست فيها أي أجندة سياسية”.

يشار إلى أن رؤساء الحكومات السابقة، جرى توجيه اتهامات عديدة لهم من قبل نواب وسياسيين، أبرزها التسبب بهدر المال العام عبر الصفقات والسرقات الكبرى، إضافة إلى تهاونهم بملفات أمنية خطيرة، ومنها دخول داعش للبلد إبان فترة تولي المالكي لدورته الحكومية الثانية عام 2014، وهذا الأمر جرى التحقيق فيه وصدر تقرير عن اللجنة التحقيقية المشكلة لمعرفة الأسباب، لكن لم يفعل ولم تجر إدانة شخصيات على مستوى رفيع.

كما اتهم رئيس الحكومة الأسبق، عادل عبدالمهدي، بقمع متظاهري تشرين الأول أكتوبر 2019، ما حمله المسؤولية الكاملة عن مقتل نحو 600 متظاهر وإصابة 25 ألفا آخرين، لكن لم يتم التحقيق بالأمر وأغلق الملف سريعا وما زال عبدالمهدي يمارس دوره السياسي في بغداد.

إقرأ أيضا