فقد “الحروب الجبلية” وقوته الجوية.. كيف تم تدمير القدرات الدفاعية للجيش؟

في ظل التهديدات التركية للعراق، يبرز سؤال حول مقدرة العراق العسكرية لمواجهة أي عملية توغل…

في ظل التهديدات التركية للعراق، يبرز سؤال حول قدرة العراق العسكرية على مواجهة أي عملية توغل أو اجتياح قد تنفذها الجارة الشمالية أو غيرها، حيث أجمع متخصصون بالمجال العسكري، على افتقار العراق للقدرة الدفاعية أمام جيوش المنطقة، وهو ما عزوه لأسباب أبرزها غياب التسليح وإلغاء المدراس العسكرية بعد 2003 ومنها “الحروب الجبلية”، فضلا عن ضعف القوة الجوية، إلى جانب التغيير الذي طرأ على “العقيدة العسكرية” و”الالتزامات الدولية” بتحديد نوع التسليح.

ويقول الخبير الأمني العميد المتقاعد عدنان الكناني خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “الجيش العراقي تعرض إلى مشاكل عديدة بعد العام 2003، وكانت من أبرزها إلغاء مدرسة الحروب الجبلية، فالقتال بالجبال يختلف عن أي أسلوب قتال آخر”.

ويوضح الكناني، أن “الجيش فيه مدارس عديدة لمختلف الصنوف، المشاة والقوات الخاصة وغيرها، وكل واحدة لها تدريب يختلف عن الآخر، لكن الحروب الجبلية تعد من المدارس المهمة، وإلغاؤها جاء بضغط الأحزاب الكردية لتخوفها من تكرار سيناريو النظام السابق ودخول بغداد بحرب مع الأحزاب الكردية، وهذا الاعتقاد خطأ كبير، فقوات البيشمركة باتت قوة عسكرية مرتبطة بالقائد العام للقوات المسلحة والجميع تحت مظلة العراق، بل على العكس، كان من الممكن أن تكون هذه القوة العراقية هي الظهير الساند للبيشمركة”.

ويربط الكناني حديثه بـ”تركيا التي تتوغل في الأراضي العراقية، ولو حاولت تنفيذ اجتياح، فأن العراق لا يملك قوة عسكرية لمواجهة القوات التركية في المناطق الجبلية”.

ويتابع “من المشاكل أيضا، هي تدمير القوة الجوية العراقية، فكل من يقول إن العراق يمتلك قوة جوية هو واهم، وهذه كذبة كبيرة تم تسويقها من السلطة، فالبلد لا يملك سوى بضع طائرات و4 رادارات، في وقت تعد هذه القوة هي عامل النصر بأي معركة”، مضيفا أن “من المشاكل الأخرى هو تدمير التصنيع الحربي، هذه المؤسسة التي كانت ترفد البلاد بالسلاح والعتاد، ولو كانت عاملة بطاقتها لما أحرج البلد بالحرب ضد داعش، وبدأ يطلب السلاح والعتاد من الدول”.

ويؤكد أن “التصنيع الحربي وبعد إعادته للعمل، رصدت لها أموال لتصنيع كتيبة مدفعية، لكن ما جرى هو تصنيع دبابة رفض الجيش استلامها لأنها غير مؤهلة، رغم أن الأموال التي رصدت يمكن أن نشتري بها أسطول دبابات كامل”، مبينا أن “عمل الهيئة اقتصر على تصنيع مسدس بابل، وهذه كارثة”.

ويشير إلى أن “السلاح الباليستي بات من الأسلحة المهمة والواجب توفرها في أغلب البلدان، والعراق لغاية الآن لا يمتلكه، فلو أرادت تركيا اجتياح العراق فأنها لن تأخذ وقتا أكثر ساعتين”.

ويلفت إلى أن “هناك قضية مهمة، توجد لدينا استخبارات عسكرية وجهاز مخابرات، وعلى الجهازين أن يحددا العدو المحتمل للعراق، ووفقا لقدرته العسكرية يجب تطوير قدرات العراق العسكرية”.

ومؤخرا ازدادت حدة الهجمات التركية داخل الأراضي العراقية، فضلا عن التصريحات الرسمية من أنقرة، التي أعلنت بشكل صريح عدم سحب قواتها من العراق، وهو ما قوبل بصمت رسمي عراقي، وبحسب تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، فأن الإطار التنسيقي أكد أن الحكومة ستكتفي بالرد الدبلوماسي فقط ولا يمكن الدخول بحرب أو صراع مع تركيا.

ونفذت تركيا خلال الفترة الماضية، عمليات اغتيال لبعض قادة الألوية من المكون الإيزيدي، وهم في الوقت ذاته ينتمون لهيئة الحشد الشعبي الرسمية، دون أن يكون للعراق أي موقف تجاه هذا التصعيد.

وفي ما يخص سيطرة العراق على أجوائه، فأنه اتجه أواخر العام الماضي، إلى شراء 5 رادارات من فرنسا وأمريكا، وباشر بنصب جزء منها بعد أن وصلت للبلد عبر ميناء أم قصر، وكانت “العالم الجديد” من أوائل الصحف التي كشفت التفاصيل الكاملة لهذه الرادارات، وتبين أنها خاصة بالكشف عن الحركة المنخفضة.

من جانبه، يؤكد الخبير الأمني جليل خلف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “وزارة الدفاع العراقية بعد انسحاب القوات الأمريكية عام 2011 كانت لا تمتلك أي منظومة وتسليح الجيش كان ضعيفا وهذا كان متعمدا، فلم يكن الجيش كامل التسليح حتى لا يستطيع الدفاع عن نفسه”.

وعن إمكانية حيازة العراق صواريخ باليستية، يشير إلى أن “العراق لا يملكها لأن عقيدته دفاعية وليست هجومية، كما أن هذه الصواريخ باهظة التكاليف، كما أن سياسة التسليح في العراق لا تخطط لامتلاكها، فسياسة العراق الآن سلمية مع جميع الدول رغم الاعتداءات والتجاوزات المتكررة من تركيا وإيران وحتى من الكويت، كما أن العراق لديه اتفاقيات إستراتيجية مع أمريكا ويمكن الاستعانة بها في حال وجود أي خطر يهدد أمنه”.

ويلفت إلى أن “العراق كان بلدا مصنعا للأسلحة والعتاد، إذ يأتي بعد مصر في التصنيع العسكري، ولدينا أكثر من ١٥٠ مصنعا بينها للصناعات الثقيلة، لكن وبعد الاحتلال الأمريكي سرقت كلها وبيعت للدول المجاورة وكل منتسبي التصنيع العسكري تم تسريحهم ولم تستفد الدولة من أي خبرة يمتلكونها”.

يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، اجتمع بعد تسمنه منصبه، مع رئيس وأعضاء لجنة التسليح في وزارة الدفاع، حيث شهد الاجتماع استعراض الخطط التسليحية المعتمدة خلال السنوات السابقة بدءا من عام 2004، كما وجه السوداني بإجراء إعادة نظر شاملة في مساراتها، وإعادة النظر بآليات التعاقد في ضوء الأولويات المدروسة وأن يجري تقديم الدفاع الجوي في جانب التسليح والتجهيز.

وكشفت “العالم الجديد”، في تقرير سابق، عن أن طائرات سوخوي سو25 الروسية، التي وصلت إلى العراق عام 2014 إبان فترة الحرب على تنظيم داعش، كانت متهالكة و”خردة”، ولاسيما أنها كانت من ضمن عقد وقعه العراق مع روسيا عام 2012.

ووفقا للتقرير السابق، فإن هذه الطائرات التابعة للقوة الجوية العراقية، اختفت من القواعد العسكرية، ولم يعد لها أي ذكر بعد أن دخلت طائرات أف 16 الأمريكية للخدمة.

من جانبه، يرجع الخبير الأمني، معتز محي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، “تراجع الصناعات العسكرية وعدم امتلاك العراق لمنظومات جوية أو تطوير المنظومة العسكرية، إلى عدم تطوير التسليح وخاصة سلاح الدفاعات الجوية الذي امتنعت الولايات المتحدة عن تزويد العراق به، خوفا من تسرب معلومات الأسلحة وتهريبها لجهات حزبية ودولية”.

ويضيف محي، أن “كل جيش في العالم يمتلك قوات متخصصة ومدربة على القتال في الهضاب والجبال والأنهار، ولأننا لا نمتلك ذلك، فقد عانت القوات العراقية في جبال حمرين ومكحول”.

ويشير إلى أن “غياب هذه المقومات يجعل من العراق عرضة للاختراق وحتى الاحتلال فهو ضعيف في الدفاع عن أراضيه وسيادته فالحدود نلاحظها مفتوحة ولا توجد أنظمة حديثة لمنع التسلل أو لصد الهجمات التركية شمالي العراق وإنشاء قواعد عسكرية كبيرة”، مؤكدا أن “غياب هذه المقومات يجعلنا نتجه للعنصر البشري الذي لا يمكنه أن يؤدي واجباته بشكل تام”.

يشار إلى أن العراق أبرم عقدا مع روسيا عام 2012، لتزويده بـ24 طائرة سوخوي 25، لكن الصفقة لم تنفذ في حينها ولم يتسلم العراق أي طائرة حتى عام 2014 في خضم الحرب مع داعش.

وكان العقد مع روسيا من أبرز عقود التسليح التي أثارت لغطا كبيرا بسبب شبهات الفساد التي رافقته، وكانت قيمته 4 مليارات دولار، وتضمن طائرات ومنظومة صواريخ وأسلحة متنوعة، وتم اعتباره من أكبر عقود التسليح التي أبرمتها روسيا.

إقرأ أيضا