ملفات معقدة بين الجارين.. لماذا يكتفي العراق بـ”التفرج” على الانتخابات التركية؟

مع اقتراب تركيا من حدوث تحوّل جذري في سياستها، بسبب الانتخابات الرئاسية التي ستجري فيها…

بعد أكثر من عقدين على هيمنة رئيس الجمهورية التركية، رجب طيب أردوغان، على المشهد السياسي في البلاد، تقف أنقرة على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخها السياسي، مع تدني حظوظه أمام معارضيه الذين بدوا أكثر تماسكا من أي وقت مضى في الانتخابات الرئاسية التي ستجري بعد غد الأحد، فيما يقف العراق، صاحب الملفات المعقدة مع الجارة الشمالية، متفرجا دون تنسيق للمواقف مع أي مرشح، ومراكزه تخلو من نشر أي دراسة حول طبيعة تعاطيه مع المرحلة الجديدة، ما عزاه مراقبون للشأن السياسي إلى ارتباط البلاد بسياسة المحاور وعدم امتلاكه أي قرار أو رؤية لعلاقاته الدولية، فضلا عن أزماته الداخلية التي تبعده عن الخوض في هكذا ملفات دولية. 

ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، لصحيفة “العالم الجديد”، إن “المشهد السياسي العام في العراق، وباعتبار أن الحكومة العراقية مشكلة حالياً من قبل قوى الإطار التنسيقي، والتي هي ضمن المحور الصيني، الروسي، التركي، والإيراني فهذا يعني أن الحكومة الحالية تدعم فوز أردوغان، في حين تبدوا المعارضة التركية مدعومة من قبل المحور الآخر (الأمريكي، الأوروبي)”.

ويعزو الدعمي، عدم اهتمام الحكومة بالداخل التركي أو بعموم القضايا الخارجية، إلى “المشاكل والأزمات التي تمر بها على مختلف المستويات”، لافتا إلى أن “الطبقة السياسية العراقية لا تفكر بالقضايا الاستراتيجية ومتابعة الأحداث في دول المنطقة ولما لها من تأثير على الوضع الداخلي، فهي تفكر فقط في مصالحها السياسية والشخصية”.

ويتابع “خصوصاً وأن فوز أي مرشح في الانتخابات التركية، سيكون له انعكاس على الوضع العراقي السياسي والأمني والاقتصادي، لاسيما ملف المياه والتدخل العسكري، لكن الكثير من المواقف السياسية للعراق ترسم خارجيا وليس داخلياً”.

ومن المفترض أن تجرى انتخابات الرئاسة التركية، بعد غد الأحد الموافق لـ14 أيار مايو الحالي، وسط منافسة حادة بين الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان، ومرشح المعارضة المدعومة بطاولة سداسية، كمال كيلتشدار أوغلو. 

ويرتبط العراق بملفات معقدة مع تركيا، تبدأ بملف المياه وقطع حصة العراق من نهري دجلة والفرات، حيث بلغ الجفاف مستويات قياسية في العراق بسبب انخفاض مناسيب المياه، ما يهدد ملايين العراقيين، بحسب تقرير نشرته “العالم الجديد” يوم أمس.

ويعد الملف الأمني من أهم الملفات الشائكة بين البلدين، في ظل وجود عشرات القواعد العسكرية في شمال العراق، فضلا عن استهداف الطائرات التركية لمواقع عراقية تدعي انتشار عناصر لحزب العمال الكردستاني المعارض.

وحاولت تركيا الدخول إلى قضاء سنجار في نينوى، إبان الحكومة السابقة، لكن سرعان ما تدخلت الفصائل المسلحة ووصلت إلى القضاء، في خطوة استباقية واستعدادا لمواجهة أي تدخل تركي في القضاء، وكانت ذريعة تركيا في حينها بأن القضاء أصبح معقلا لعناصر العمال الكردستاني.

وإلى جانب هذه الملفات، يبرز الملف السياسي، حيث قام أردوغان بدعم بعض القوى السنية في العراق، والمتمثلة برئيس المشروع العربي خميس الخنجر ورئيس حزب تقدم ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورعا الصلح بينهما، ما نتج عنه تحالفهما وتشكيل تحالف السيادة. 

ومن المشاكل أيضا بين العراق وتركيا، هو قضية منع تركيا من تصدير نفط إقليم كردستان بقرار من هيئة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية،استجابة للقضية التي رفعها العراق ضد تركيا منذ العام 2014، بشأن صادرات نفط إقليم كردستان، التي تمررها تركيا عبر خط ميناء جيهان.

إلى ذلك، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “العراق لا يريد أن يظهر على أنه منغمس بالشؤون الداخلية للدول المجاورة، كما أن طبيعة المشاكل والأزمات التي يمر بها العراق، أحد أهم الأسباب التي تمنع العراق من مراقبة الانتخابات التركية”.

ويبين الشمري، أن “العراق لا يريد خسارة أي من المرشحين للانتخابات التركية، خصوصا إذا ما اظهر تصريحات رسمية حول تلك الانتخابات، كما أن طبيعة المعادلة السياسية في العراق تحتم الحذر في التعاطي مع هذا الملف، وقد يكون هناك اهتمام على المستوى الرسمي، لكن غير منظور”.

ويضيف، أن “وزارة الخارجية معنية بهذا الأمر من خلال دائرة دول الجوار بمراقبة تطورات الأحداث السياسية، ثم تقدم تقارير لصناعة القرار العراقي وصانع السياسة العامة في الدولة العراقية”.

ويختم رئيس مركز التفكير السياسي، قوله إن “الأزمة التي يمر بها العراق تحتم عليه وضع استراتيجية وطريقة تعامل جديدة إذا ما فاز أوردغان أو منافسه، لكن في النهاية مرتبط بموقف رسمي، لغاية الإعلان عن هذه النتائج”.

ووفقا للقرار، فقد توقف ضخ النفط من الإقليم مباشرة، كما أن تركيا أبلغت العراق أنها لن تسمح للشحنات التي تحمل الخام من إقليم كردستان العراق بمغادرة ميناء جيهان الساحلي دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد، وهو ما نتج عنه توقيع أربيل اتفاقا مع بغداد لاستئناف تصدير النفط مجددا.

وتناولت “العالم الجديد”، مسألة علاقة الأحزاب الكردية بتركيا، وأتضح حسب التقرير المفصل، أن الحزبين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني)، يميلان إلى المعارضة، لكونها ركزت على بدء هدنة وتغيير علاقة تركيا الخارجية القائمة على التدخل العسكري، سواء في العراق أو ليبيا أو سوريا أو غيرها.

يشار إلى أن من أبرز الأهداف التي ترفعها أحزاب الطاولة السداسية بشكل واضح هي إسقاط أوردغان، والعودة بالبلاد من النظام الرئاسي الذي أقر في عام 2018، إلى النظام البرلماني.

وكان أوردغان قد أجرى تعديلا على الدستور، وحول النظام من برلماني إلى رئاسي، وفاز بمنصب الرئيس في انتخابات أجريت عام 2018، في دورة ثانية له.

إقرأ أيضا