هل تنقذ الستراتيجية الوطنية التعليم من الإنهيار التام؟

أعادت الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم، التي أطلقها رئيس الحكومة، الحديث عن مشاكل هذا القطاع المهم…

أعادت الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم، التي أطلقها رئيس الحكومة أمس الإثنين، الحديث عن مشاكل هذا القطاع المهم وما يعانيه من إهمال، إذ كشف مدرسون وأكاديميون عن وجود خطط لتدمير التعليم الحكومي بهدف الدفع باتجاه التعليم الأهلي، فيما عدوا الحديث عن تطوير التعليم بأنه “شعارات” مكررة تطرحها كل حكومة دون أن تتحقق.

ويقول المدرس هادي عبدالرزاق، من إحدى مدارس جانب الرصافة ببغداد، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “هناك تراجعا كبيرا حدث في مستوى التعليم بالمدارس الحكومية، ليس في بغداد فحسب، بل بعموم المحافظات، ولهذا أغلب الأهالي اصبحوا يعتمدون بشكل أساسي على المدارس الأهلية، التي أصبحت تنتشر بشكل كبير داخل الأحياء السكنية”.

ويضيف عبدالرزاق، أن “تراجع مستوى التعليم في المدارس يعود لسببين رئيسين، الأول عدم وجود أي تحديث على المناهج الدراسية، وعدم تطوير قدرات المدرس من خلال دورات التدريب والتطوير، فهناك الكثير من المدرسين لا يعرفون كيفية إيصال المعلومة للطالب، خصوصاً أن غالبية الكوادر التدريسية حالياً هم من فئة الشباب، الذين لا يتملكون خبرة حقيقية في التدريس”.

ويبيّن أن “هناك بعض الكوادر التدريسية للأسف تتعمد عدم إيصال المعلومة للطلاب وشرح المادة بشكل جيّد من أجل إجبار الطلاب على الدروس الخصوصية، أو التسجيل في المعاهد التي أصبحت تنشر داخل الأحياء، والتي تعود أغلبها للمدرسين والمشرفين التربويين، والتي تعمل دون أي موافقات رسمية”.

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أطلق يوم أمس الأثنين، الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم، (2022-2031)، وكشف عن خطة لابتعاث 5000 طالب للدراسات العليا إلى خارج العراق، في مختلف الاختصاصات والمجالات.

كما أكد أن الاستراتيجية رسمها خبراء في الوزارات القطاعية المعنية، بالتعاون مع خبراء دوليين ومؤسسات ومنظماتٍ دولية، في مقدمتها البنك الدولي واليونسكو واليونيسيف.. وسيستعيد نظامنا التربوي والتعليمي عافيته.. ونهدف إلى وضع نظام تعليمي وتربوي يسهم في ترسيخ مفاهيم التآخي والتعايش والقبول بالآخر.

يشار إلى أن التعليم في العراق، شهد تراجعا كبيرا في السنوات الماضية، نتيجة للإهمال الحكومي وشبهات الفساد التي تحوم حول مشاريع تطويره، وخاصة بناء مدارس جديدة بعد ارتفاع عدد الطلبة والزيادة السكانية، حيث وصل عدد الطلبة في كل صف دراسي لأكثر من 50 طالبا، في مدارس أغلبها متهالكة.

وبالتزامن مع عدم تطوير قطاع التعليم في العراق، برزت المدارس الأهلية كبديل عن المدارس الحكومية، وباتت أعدادها كبيرة جدا ومنتشرة في أغلب الأحياء السكنية في جميع المحافظات.

وانتشرت في العراق، ظاهرة الحصول على شهادات عليا من بعض البلدان، أبرزها لبنان وتركيا وإيران، فضلا عن أوكرانيا وروسيا والهند، مقابل مبالغ تعتبر منخفضة، بعد تعثرهم في الحصول عليها داخل العراق نتيجة لمعدلاتهم الواطئة.

وعند كتابة “الدراسة خارج العراق” في محرك البحث غوغل، ستظهر مئات الجامعات التي تقدم عروضها لأجل نيل شهادات عليا، وتحمل أسماء متنوعة، وأغلبها تعتمد الدراسة عن بعد “أون لاين”، وذلك مقابل 2000- 4000 دولار.

من جهتها، تذكر تدريسية في جامعة بغداد، أشارت إلى اسمها بـ(ن، ح) خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “واقع الجامعات الحكومية لا يختلف كثيراً عن واقع المدارس، التي تشهد تراجعا في مستوى التعليم، والاعتماد بشكل أساسي على الجامعات الاهلية، فهناك إهمال كبير للجامعات حتى على مستوى البنى التحتية، فالأبنية أصبحت متهالكة دون وجود أي اهتمام حكومي حقيقي”.

وتضيف أن “الجامعات الحكومية وللأسف الشديد أصبحت تعاني بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة من وجود فساد إداري، من خلال أخذ الرشاوى مقابل إعطاء درجات نجاح لبعض الطلبة، وكذلك لم يعد خافيا وجود علاقات غير مشروعة بين بعض الأستاذة والطالبات، وهذا الأمر أصبح ينشر بشكل كبير دون أي رادع حقيقي، بل هناك حماية لبعض الأستاذة بسبب الانتماءات السياسية”.

وتبين أن “أغلب المبادرات الحكومية للاهتمام بالتعليم في الجامعات هي مجرد شعارات ونحن نسمع بها منذ سنين، دون أي شيء ملموس، بل إننا نعتقد هناك تعمد بإفشال الجامعات والمدارس الحكومية، من أجل توجّه الناس بشكل أكبر للقطاع الأهلي، الذي تمتلكه بصراحة الجهات المتحكمة بواقع التربية والتعليم ذاتها”.

وانتشرت ظاهرة التدريس “الخصوصي” في العراق بشكل كبير بعد العام 2003، نظرا لتحسن الوضع الاقتصادي لأغلب العوائل، حيث باتت قادرة على دفع مستحقات المدرس، والتي كانت بأسعار مقبولة آنذاك، لكن سرعان ما تحول الأمر إلى شبه إلزامي لطلبة الصف الثالث المتوسط والسادس الإعدادي، نظرا لكون طلبة المرحلتين يؤدون امتحانات وزارية “بكالوريا”.

 وفي السنوات الأخيرة، انتشرت ظاهرة معاهد التطوير والدورات، حيث يشترك في كل معهد عدد من المدرسين ويجمعون الطلبة في قاعات مخصصة للدراسة، وتبدأ أغلب هذه الدورات في العطلة الصيفية التي تسبق بدء العام الدراسي، وذلك بهدف تهيئة الطالب للمرحلة الوزارية المقبل عليها.

ومن المشاكل التي تواجهها المدارس الحكومية في العراق، هي الاكتظاظ وعدم وجود مبان كافية وقلة التجهيزات الأساسية مثل مقاعد الجلوس، وقد انتشرت مؤخرا في مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات كثيرة من داخل بعض المدارس في الوسط والجنوب، تكشف عن عدد الطلاب الكبير في القاعة الدراسية الواحدة وخاصة الأول الابتدائي، مع عدم وجود مقاعد الجلوس وافتراش الطلبة للأرض.

 وقدّرت الوزارة في العام 2018 حاجة التعليم إلى أكثر من 20 ألف مدرسة في عموم البلاد، وسط انتشار صور نظام التعليم الثنائي والثلاثي وحتى الرباعي في المدرسة الواحدة، ومدارس الطين التي بلغت بحسب إحصائية سابقة لوزارة التخطيط ما يقرب من 11 ألف مدرسة، الأمر الذي يظهر حجم المأساة والفساد الذي تسبب بأمية تجاوزت الـ20 بالمئة، ونحو 3 ملايين طفل متسرب من المدارس.

وكانت “العالم الجديد”، كشفت في تقرير مطوّل ومرفق بشهادات صوتية، ظاهرة تحرّش الاساتذة بالطلبات في الجامعات، حيث روت الطالبات ما تعرضن له. 

إقرأ أيضا