لماذا نحارب “أميركا”؟!

تصوروا لو أن مواطناً من الموزمبيق تناهى إلى سمعه هذا السؤال، سيستفهم حالاً: أي مجنون في هذا العالم يتورط بالنزاع مع أميركا؟!. بالطبع هذا الاستفهام نستثنى منه بعض الحالمين، لأنهم يعتقدون أن البنية الثقافية العربية عدائية بطبعها تجاه الغرب بلا أدنى سبب. ولا ينحصر الأمر بهذا التبسيط المجاني، بل يعتقدون، كذلك، أن أميركا تحاول جعل الشرق الأوسط نموذجاً” يابانياً” إلا أن هذا الأخير يتسم بالممانعة الشرسة، الأمر الذي فوّت عليه الفرصة الذهبية لهذا النموذج.

 لكن – كما يقول علي القادري- أن هذه الأسئلة لو كانت  تطرح ضمن الفضاء التداولي الأسيوي لما استغرب أحد؛ ذلك إن اليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان ( بل حتى فيتنام)، سنجد فيها نماذج مشرقة  حول” حسنات الغرب وصحبته النافعة”. الغرب يدعم هذه الدول عسكرياً، وهذه الأخيرة تنتج سلعاً مدنية تصدرها للغرب، في مقابل جعلها” طوقاً عازلاً” أمام تمدد الصين. بل حتى الصين لم يجد الغرب مشكلة في تخصصها ببعض الصناعات المدنية( إلا أن الأميركان جنّ جنونهم بحيازة الصين التكنولوجيا المتطورة).

بالعودة إلى سؤالنا المطروح: لماذا “نحارب” أميركا؟!. يقول علي القادري ما مضمومنه: أن الفارق بين بلدان شرق أسيا وبلدان الشرق الأوسط، ليس فارقاً مؤسسياً، لكي نحكم بسر التفوق الآسيوي، وإنما الفارق الجوهري بالقيمة المختلفة، التي تنظر لها أميركا، بين المنطقتين: شرق أسيا ينتج قيمة اقتصادية مهمة عبر تكثيف الصناعة وزيادة الإنتاج، أما القيمة التي تخلقها أميركا في الشرق الأوسط، هي المزيد من العسكرة والمزيد من القتل!. فمن هذه القيمة تربح أميركا.

 إن دول “الطوق العازل” في شرق أسيا منحتها أميركا هامشاً من الاستقلال المدعوم اقتصادياً، لكن هذه الدول لم تناط بها مهمة تخريب الصين( فالموضوع أكبر من طاقاتها بكثير، وإنما يكفي أن تقف حائلاً أمام صعود الصين). في الشرق الأوسط، المغضوب عليه، ثمةّ معسكرين متحالفين أنيطت بهما مهمّة لعب دور ” الطوق العازل”، وهما إسرائيل و مشايخ الخليج، ليس للوقوف بوجه ” صعود” الدول العربية( لأنه لا يوجد صعود ولا بطيخ!)، وليس لمحاصرة “البضائع والسلع العربية” ( حتى السراويل الداخلية لا يصنعها العرب)، وإنما لتحطيم المحطم، لتقسيم المقسّم. من هنا يتضح الفارق بين القيمتين.

 على سبيل المثال: مادامت مشايخ الخليج تنفذ دورها التخريبي بحرفية عالية فلا جناح عليهم في حرب اليمن، فليقتلوا ويهدموا البنية التحتية على رؤوس أهلها، فلينشروا وباء الكوليرا ويقتلوا أطفال اليمن، المهم أن مهمتهم التخريبية تجري ضمن السياق المطلوب. فليشرّد الفلسطينيون من ديارهم وأن ” تُمنَح” لهم بقعة أرض ليعيشوا فيها بسلام، بعد أن اكتشف مشايخ الخليج أن اليهود ” أبناء عمومتنا” ( فضربة الحبيب زبيب). لا بأس أن تدمّر المليشيات الأميركية والخليجية دولة سوريا، المهم في الأمر أن بشّار الأسد دكتاتور!، وما يجري في سوريا من خراب عالمي يتحملّه بشار الأسد، ولولا عناده لأكل السوريون المنّ والسلوى.

 من يريد فهم ” النموذج” الياباني فلينتظر إلى سوريا والعراق واليمن وليبيا، لينظر كيف نحارب الغرب!!. من يبحث عن هذا النموذج الغيبي فلينظر إلى مصر “كامب ديفيد” التي قُذفت في المجهول، فلينظر إلى كل العهود والمواثيق الدولية التي تعمق “صحبتنا مع الغرب”. فلينظر إلى معظم “قادة العرب” السابقين هل كان أحدهم يجرؤ على مخالفة القنصل الأميركي!.

إذن، مرة أخرى، هل سمع أحدكم يوماً ما أن العرب يريدون “محاربة” أميركا؟!، هل هناك بشر يقطن في الشرق الأوسط لا يتمنّى هذه العبارة:( لدينا النفط ولديهم التكنولوجيا؛ نتبادل منافعنا سوية بلا حروب). حتى إيران وكل خطاباتها المشحونة تجاه أميركا، لا تريد سوى أن تعترف بها أميركا كدولة أقليمية نافذة.

إذا أردت أن تزيّف الوعي، ماعليك سوى الانشغال بالأسئلة الهامشية؛ فبدلاً من السؤال( ماذا تريد أميركا من الشرق الأوسط) بقدرة قادر ينقلب السؤال المموّه والمسموم( لماذا نحارب الغرب!!). لكن هل هناك فائدة مرجوة لمن غُسلت أدمغتهم بأحلام اليقظة وهم يغمغمون بالنموذج الياباني؟ أشك في ذلك، لكن وبذات الوقت أتمنى أن أكون حالماً ومخطئاً لكي استيقظ يوماً ما على هذا “النموذج”، فالأحلام سلوة عزاء للمفلسين!.

أقرأ أيضا