أزمة خليفة السيستاني (5)

 

الكتابة في حقل المرجعيات الدينية، ليس ترفاً أو ورعاً أو بحثاً عن هدفٍ ما، بقدر ما يجلبُ هذا الحقل من متاعبٍ ومسؤولية حيال المعلومات التي يتمُ ضخها لذهنية القارئ الكريم. لم يتم اختيار العنوان (أزمة خلافة السيستاني) كنوع من الإثارة أو الاستثارة، بل هي حتمية واقعية لاحقة، سيعاني منها، التشيع الديني برمته، أي بعد رحيل ضابط الإيقاع النفسي للطائفة الإمامية التي تنضوي بإرادتها أو غيرها، ضمن صراع الإرادات الدولية، بيد أنها مازالت ولو جزئياً على برّ الأمان، بفضل العقلية السيستانية القاطنة في عمق التشيع العالمي في (النجف الأشرف).

 

لا أمجد أو أُهلل لمرجعية السيستاني، بل ثمة هواجس ومخاوف أسئلة، تجتاحُ كل مخيلة مسؤولة إزاء مستقبل بلادها وطائفتها المتهالكة في حروب النيابة، حروبٌ أمراؤها، لا تستطيع مجمل الزعامات التقليدية الوقوف ضدها، وذلك يعود للهيكلية النفسية لذوات المرجعيات الثلاث الأُخريات. ناهيك عن الاختراق الواضح لمرجعيات (ولاية الفقيه) لأغلب الحوزات العلمية النجفية، عبر كسب شباب المعرفة الدينية عن طريق الراتب الحوزوي وتوفير الملاذات الآمنة والمترفة لهم، بحيث تجعلهم الحاجة أو الفائقة، في خانة الانسياق اللاشعوري صوب مرجعيات ممثلي (المرشد الأعلى)، التي تعمل بدورها على تصنيعهم، وقودَ حربٍ لمعارك سياسية مؤدلجة، ليس للنجف فيها ناقةً ولا جمل. ذات حديثٍ جمعني والمرجع الأعلى على هامش زيارة شبابية، جعلتني كلما أروم الذهاب إليه، أقتنصُ منه تصريحا صحفيا دون أن يشعر بي، بحيث ينتابني شعور الانتصار على مجمل ضوابط مكتبه القاسية صوب الزائرين له والمتحادثين معه، قلتُ له (سيدنا أن العراقيين يشتمونك)، فقال بهدوء كيّس (أنت ومجمل العراقيين تبرئكم ذمتي، يا ولدي أنا أحاول الحفاظ على عراقكم من تدخلات دول الجوار والإرهاب، بيد أنكم تشتموني، أنا أحبكم يا ولدي، أحبكم كثيراً، بل أكثر من نفسي)، ليبكي حينها جميع العاطفيين، بينما خرجتُ أنا مسرعاً إلى كتابة ذلك في مقال جاء بعنوان (دقيقتان مع السيستاني)، نشرته قبل سبع سنوات، أو يزيدون. فعلى مدار (27) عاماً من فترة زعامتهِا لخط التشيع العام، أضحت السيستانيـة، سلوكاً ومنهجاً، موائماً لمختلف مجريات الطائفة، في العراق، وبلدان العالم الأخرى، على الرغم من نزر تحفظاتي اليسيرة، التي أبديها على بعض مواقفه الداخلية، لكني أراه بمجمله العام، خطيئةً وحسنات، بيـد أن خطيئتهُ مازالت تؤرقُ مناخ تمدننا في العراق.

 

أقرأ أيضا