أزمة خليفة السيستاني (2)

 

للعامل الطبقي، مفعوله داخل المجتمع النجفي الصغير، مقارنة بالمجتمعات الأخرى على نطاق البلاد بأكملها، حيث يبدأ التمايز مكانياً مابين أبنـاء الكوفة والنجف (المدينة القديمة)، حينما يُعتبر أبنـاء الأخيرة أنفسهم، نجفيون أُصلاء، أو ما يطلق عليهم بـ(المشاهدة)، للدلالة على الأصالة والقربِ و الإحتكاك من مشهدِ أمير المؤمنين، في حين يُنعت أهالي الكوفة بـ”المعدان”، بغية تصغيرهم وتحجيمهم، وإعطاؤهم نمطاً وواقعاً اجتماعياً مغايرًا، لا يمت بصلة للمجتمع النجفي الأُم، على اعتبار هويتهم المكانية غير ممهورة بتراث المدينة القديمة، من أحسابٍ و أنسابٍ و أُسر تمتد جذورها في مسالك المعرفة والوجاهة الإجتماعية.

 

هذا التمايز الطبقي الواضح على مستوى عوام الناس النجفيين، ينطبق ذاته على المجتمع العُلمائي والحوزوي تحديداً، لا سيما أن المجتمع الأخير خليط وهجين من مختلف جنسيات وأعراق العالم المحكومين بضابطة الإنتماء المذهبي لا غير، ومقصدهم إلى النجف، لا يتعدى هدف المعرفة الدينية ومواصلة الإرتباط المعرفي بالمدرسة الإمامية عن قربٍ وكثب. لكن يبقى سر التصنيفات الطبقية، حبيس “الدهاليز المظلمة” كما يصفها العلامة حسن كشميري، داخل المؤسسة الدينية الشيعية العليا. تصنيفاتٌ تؤشـر على أولوية الفئة “الأعجميـة” من طلبةٍ وعلماء في تسيّدهم للميدان العلمي، ثم تليها الفئة “العراقية الخالصة” التي تحاول منافسة الفئة الأولى، ودائماً ما تخسر في نزالات الزعامة الحوزوية، ثم تعقبها فئة “مهجنة” من تُركٍ وأفغانٍ وعرب وهويات أخرى، بزغ منها بمحض الصدفة، فقيـهٌ عُـد بمصاف المراجع المتقدمين اليوم في عالم التشيع الديني وهو الشيخ (محمد إسحاق الفياض) ذو الهيئة والهـوية الأفغانية، فضلاً عن كونه أحد الورثة الحاليين لأصولية مدرسة أبو القاسم الخوئي. فمن فـرادة مرجعية (الفياض) أنها محط إلتقاء المرجعيات المتخاصمة ، إذ يرى فيه الصدريون، المرجع الهادئ والوقور، الذي لا تدور حوله أيةِ شُبهـةٍ أو علامـةِ استفهام، منذ أيام صراعهم مع السلطات الصداميّـة، ويبنون رؤيتهـم تلك، على قولٍ لمرجعهم الشهيـد (محمد محمد صادق الصدر) بـ “أن الشيخ الفياض مرجعٌ طيب القلب”، فضلاً عن حضور وريث الخط الصدري، السيد مقتدى الصدر، لـدرس المرجع الأفغاني، بُعيـد إغتيال والـده.

 

في حين يحظى ذات المرجع بقـرابـةٍ وحضورٍ عاليين، لدى المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، حيث قيـل أن الأخيـر تكفل لسنواتٍ برعاية مرجعية الفياض مالياً، ومازال ولغايـة اليـوم، يتكفل مكتبه، بدفع رواتب طلبة الشيخ الفياض، لكونهِ ليس ذا مقـدرة مالية على دفع معظم مستلزمات طلبتهِ الحوزويين. قـربهِ من المرجع السيستاني، بحد ذاتهِ، يكشف عن حضوره الموجب داخل المرجعيات النجفية الأخرى، التي أكدت و أمهرت على إجازةِ إجتهاده الفقهي، بيـد أن الشكـوك تحـوم على عدم أعلميتهِ على أقرانهِ من المتصديّن الآخرين، وذلك يعود إلى العامل الطبقي لدى مجاميـع أهل الخبرة داخل المؤسسة الدينية نفسها، والذي أكـد لي أحدهم ذات يوم بـأن “الطالب الأفغاني لن يكون مرجعاً أعلى حتى لو أجازت له السماء بذلك”.

 

أقرأ أيضا