الاستفتاء التركي.. الهروب الى الأمام

 

نتائج متعددة تترتب على نجاح الاستفتاء الذي انطلق امس الاحد، على تعديل الدستور التركي الذي سُن بمباركة الجيش عقب انقلاب عام 1980 الذي قاده كنعان أيفرين. والذي يدور تعديله حولتوسيع صلاحيات الرئيس رجب طيب أردوغان الذي أحبط محاولة انقلاب ضده قبل تسعة أشهر،اذ يمكنه أن يبقى نظريا في منصبه حتى عام 2029. ومن شأن المشروع تحويل تركيا من النظام البرلماني الى النظام الجمهوري الذي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة (أي أشبه بالنظامين الأمريكي والفرنسي). الامر الذي من شأنه أن يعيد رسم المشهد السياسي في البلاد بشكل كبير.ويمهد لأكبر تغيير في النظام السياسي لتركيا في تاريخها الحديث.

 

وأظهرت نتائج الاستفتاء أن نسبة المؤيدين للتعديلات الدستورية بلغت 51.23% في المئة ، كما اظهرت النتائج ان الاصوات المعارضة بلغت 48.77 % تتصدر في أكبر ثلاث مدن بتركيا وهي اسطنبول و أنقرة وإزمير، إضافة إلى جنوب شرق البلاد الذي تقطنه أغلبية كردية.

 

وفي حال صادقت السلطات المختصة على نتيجة الاستفتاء فان الرئيس التركي سيكون له سلطات جيدة تشمل الاتي :-

 

أولاً: الانفراد بالسلطة، إذ سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء. وسيكون رئيس الجمهورية رئيس السلطة التنفيذية اضافة الى صلاحياته كرئيس للدولة، وسيكون له الحق في سن قوانين معينة بمراسيم رئاسية.

 

ثانيًا: تمديد مدته من أربع إلى خمس سنوات وستجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية في اليوم نفسه كل خمس سنوات.

 

ثانياً:إستحداث منصبين أو ثلاثة لنواب الرئيس.دون الحاجة إلى موافقة برلمانية، ليكون نائب الرئيس تحت سلطة الرئيس المباشرة ويتولى السلطة عندما يكون الرئيس خارج البلاد أو فاقداً للأهلية.

 

ثالثاً: تعيين أو إقالة الوزراء دون موافقة البرلمان أيضًا وسوف يكون مجلس الوزراء خاضعاً لسلطة الرئيس وليس البرلمان.

 

رابعاً: اختيار عدد كبير من كبار القضاة بشكل مباشر وغير مباشر للهيئات القضائية مثل: مجلس القضاة والمدعي العام والمحكمة الدستورية.

 

خامساً: حل البرلمان؛ما يؤدي احمتالية تكرار انتخابات مبكرة رئاسية وبرلمانية في آن واحد.

 

سادساً: إصدار مراسيم بشأن المسائل المتعلقة بالسلطات التنفيذية وهي صيغة غامضة تجعل من غير الواضح أي المجالات تقع تحت طائلة تلك المراسيم الرئاسية وأي منها تُنظم من خلال القانون الصادر عن البرلمان.

 

سابعاً: إعداد الموازنة الاتحادية وتقديمها إلى البرلمان للموافقة عليها.

 

ثامناً: يكون الرئيس مسؤولاً عن الأمن القومي ويصبح القائد العام، وسيقوم بتعيين رئيس الأركان العامة وجميع أعضاء مجلس الأمن القومي تقريباً، كما سيختار الرئيس كبار مسؤولي الشرطة والمخابرات ويكون للرئيس السلطة الحصرية في إعلان حالة الطوارئ.

 

تاسعاً: سيظل الرئيس قائداً لحزبه السياسي بمعنى امكانية احتفاظه بعضويته الحزبية؛ ما يزيد من نفوذه على السلطة التشريعية.

 

عاشراً: في ظل وجود ثغرة سيطلب الرئيس تفويضاً ثالثاً إذا أجريت انتخابات برلمانية قبل انتهاء فترة ولاية الرئيس الثانية على الرغم من أن التغييرات المُقترحة تفرض فترة مدتها خمس سنوات تبدأ في العام 2019 (عندما تصبح معظم التغييرات نافذة المفعول).

 

 

وبالنسبة للتغييرات التي ستحدث في البرلمان:

 

أولاً: زيادة عدد الأعضاء من 550 إلى 600 عضو.

 

ثانياً: عدم امكانية البرلمان أن يفتح تحقيق في اتهامات تتعلق بالرئيس أو نائب الرئيس والوزراء إلا بأغلبية/ ثلاثة أخماس الأصوات 60%. ، بعد ان كانت باغلبية 50+1

 

ثالثاً: سيحرم البرلمان من حقه في استجواب الوزراء او المطالبة بتحقيقات في ادائهم، ولكن سيحتفظ بحقه في بدء اجراءات تنحية الرئيس أو التحقيق معه بموجب تصويت اغلبية النواب. وستتطلب احالة الرئيس الى القضاء موافقة ثلثي النواب.

 

رابعاً: سيكون من حق رئيس الجمهورية حل البرلمان ، هو ما يعني مزيداً من التعقيدات.

 

 

المعارضة والموالاة

 

يدافع انصار التعديلات بانها ضرورية لإصلاح الدستور الحالي، الذي أعده جنرالات في أعقاب انقلاب عسكري وقع عام 1980، لمواجهة تحديات أمنية وسياسية تواجهها تركيا وتفادي الحكومات الائتلافية الهشة التي شهدتها البلاد في الماضي. وأن مثل هذا التعديل الدستوري ضروري لمنح تركيا سلطة تنفيذية قوية ومستقرة في وقت تواجه فيه البلاد تحديات أمنية واقتصادية. غير أن المعارضين الذين عزموا على الطعن بنتيجة الاستفتاء ينددون بتعديل دستوري “مفصل على مقاس أردوغان” الذي يتهمونه بالجنوح إلى التسلط وزيادة الاستبداد وخصوصا بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز الماضي، معتبرين ان تلاعباً في صحة البطاقات يوازي اربع نقاط مؤية .كما انهم يرون إن النظام الرئاسي نظام جيد اذا طبق في بلد تعمل فيه ادوات فعالة للرقابة والتحقق كالولايات المتحدة، حيث برهن القضاء المستقل على استعداده للوقوف بوجه دونالد ترامب واثبتت الصحافة الحرة قدرتها على محاسبته حول سياساته المثيرة للجدل.ولكن في تركيا، التي شهدت تدهورا في استقلالية القضاء والتي تقبع الآن في المرتبة 151 من 180 بلدا في سلم حرية الصحافة حسب منظمة مراسلون بلا حدود،فإن تمرير الدستور الجديد سيقضي على الديمقراطية،خصوصا وان الاستفتاء جرى في ظل حالة الطوارئ منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة مما سيعرض الاستفتاء للاتهام بأن الناخبين لن يكونوا احرارا للتصويت.

 

والى ان تصادق المحكمة العليا على نتائج الاستفتاء فان انقساماً شعبياً حاداً تسببت به التعديلات الدستورية من جهة،وستؤدي الى تدهور العلاقات التركية – الاوربية بشكل اكبر على المدى القريب والمتوسط ،خصوصاً وانها– حملة الاستفتاء-اثارت موجة انتقاد حادة بين الجانبين عندما حظرت دول بالاتحاد الأوربي ومن بينها ألمانيا وهولندا وزراء أتراك من تنظيم تجمعات لتأييد هذه التعديلات، ورد عليها الرئيس التركي بانها “أفعال نازية” وإن تركيا قد تعيد النظر في العلاقات مع الاتحاد الأوربي بعد سنوات كثيرة من سعيها للانضمام إليه.

 

أقرأ أيضا