الانتخابات الامريكية ودور الاعلام فيها

 

أراد لها الاباء المؤسسون، ومن جاء بعدهم، ان تكون مختلفة عن دول العالم الاخرى في اشياء كثيرة، في نُظُمِ تعليمها، في اقتصادها وفي عمرانها، في شوارعها ومدنها الكبيرة وفي بيوتها الخشبية. في العابها الرياضية.

 

أغلب الشعوب تلعب كرة القدم بالاقدام الا الامريكان، يسمونها Foot ball (كرة قدم)، لكنهم يلعبونها بالايدي. أما ديمقراطيتها فان الجزء الاهم فيها وهي انتخابات الرئاسة، فان لها قوانينها وضوابطها التي وضعها المؤسسون، بعد نيل استقلال البلاد من بريطانيا. ويختلف نظام الانتخابات فيها عما ما موجود في معظم دول العالم. لا تتفاجأ اذا سألت بعض الامريكان، بغض النظر عن مستواهم التعليمي او الثقافي، عن الآلية التي تجري فيها الانتخابات وكانت اجابتهم اما بعدم معرفتها او الالمام بشكل كامل في موضوع الانتخابات.

 

لكي تكون مرشح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة لعام 2016، عليك ان تحصل على دعم غالبية المندوبين – وهم الاعضاء الذين خدموا الحزب واتصفوا باخلاصهم له، يتم ترشيحهم في المؤتمر الحزبي للولاية، او انتخابهم من قبل اللجنة المركزية للحزب في كل ولاية لتمثيله في المؤتمر الوطني العام شريطة ان لايكونوا نوابا او شيوخا في الكونغرس الحالي – ويبلغ عددهم 2472 مندوبا. اما المرشح الديمقراطي فعليه الفوز بغالبية اصوات المندوبين وعددهم 4765 مندوبا في المؤتمر الوطني للحزب.

 

هؤلاء المندوبين الذين رشحتهم الاحزاب – الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي – يجري التصويت عليهم، بشكل غير مباشر، من قبل الناخبين في الانتخابات التمهيدية التي يخوضها مرشحو الرئاسة في كل ولاية وقد تظهر اسمائهم تحت اسم المرشح الرئاسي وقد لا تظهر بناءً على الاجراءات المعمول بها في كل ولاية. ويمنح المرشح الرئاسي الفائز في الانتخابات التمهيدية لكل ولاية كافة اصوات المندوبين باستثناء ولايتي مين ونبراسكا فان الية منح الاصوات تختلف عن ذلك. وتنتهي مرحلة الانتخابات التمهيدية بانعقاد المؤتمر القومي لكل حزب حيث يدلي المندوبين  باصواتهم لصالح احد المرشحين على اساس عدد الاصوات التي حصل عليها من قبل الجمهور.

 

أما في الانتخابات النهائية التي تجري  في تشرين الثاني بعد صعود مرشح الرئاسة عن كل حزب، مع  مرشح اخر لمنصب نائب الرئيس، فان الهيئة الانتخابية (Electoral College) هي من يقوم بعملية الاقتراع. والهيئة الانتخابية هي عبارة عن اجراء وضعه الآباء المؤسسون في الدستور كحل وسط بين انتخاب الرئيس عن طريق التصويت من قبل اعضاء الكونغرس وانتخابه عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر من قبل المواطنين. وتتكون هذه الهيئة من مجموعة  من الافراد (الناخبين)  الذين يتم اختيارهم بالاقتراع  في  الولايات من اجل الادلاء باصواتهم لانتخاب الرئيس ونائبه. ويكون  عدد اعضاء الهيئة الانتخابية  في كل ولاية  بقدر عدد النواب والشيوخ الذين يمثلونها في الكونغرس . ويتوجب على مرشح الرئاسة  الفوز باغلبية الاصوات في الولاية وبذلك فأنه سيحصل على جميع اصوات الهيئة لتلك الولاية. يبلغ مجموع عدد ناخبي الهيئة الانتخابية  538 ناخبا وعلى مرشح الرئاسة ان يفوز باغلبية  اصواتهم او على الاقل بـ 270 صوتا لكي يصبح رئيسا للولايات المتحدة الامريكية وفي حالة عدم حصول الرئيس او نائبه على اغلبية اصوات الهيئة يترك الخيار لمجلس النواب بحيث يكون صوت واحد لكل ولاية  وفي هذه الحالة يجب ان يحصل المرشح على اغلبية الاصوات لكي يكون رئيسا للبلاد. يقول المعنيون ان  من الاسباب التي ادت  الى تبني الية الهيئة الانتخابية (Electoral College) وليس الانتخاب المباشر من قبل الشعب، هو لأخراج عملية انتخاب الرئيس من ايدي الاغلبية الشعبية ووضعه في ايدي مجموعة من المواطنين الذين من المفترض ان يكونوا على معرفة ودراية افضل من غيرهم واقل تأثرا بالمصالح الشخصية، وتأثير الحكومات الاجنبية والفصائل السياسية الاخرى.

 

ويلعب الاعلام دورا محوريا في تشكيل اتجاهات الرأي العام  من خلال ايصال المعلومات بكل تفاصيلها حول المرشحين، مصحوبة باراء وتعليقات المحللين الاعلاميين و السياسيين لكي تكون الصورة واضحة امام المواطن فيما يتعلق بسيرة كل مرشح من مرشحي الرئاسة. وبشكل عام من يتابع حركة الاعلام في امريكا وما يطرحه عبر وسائله المختلفة سواء في مراحل الانتخابات او غيرها ، يدرك ان الاعلام الامريكي يقوم بدوره الكامل كسلطة رابعة تقوم بتصويب عمل الديمقراطية في هذا البلد. اذ تراه يمارس دوره من خلال المراقبة والتوجيه والنقد وتسليط الضوء على الممارسات السلبية والايجابية في المجتمع وكشف الاسرار التي تنطوي على ممارسات قد تضر به بشكل او باخر كالفساد المالي والاداري. وللاعلام دور بارز في تغطية الحملات الانتخابية للمرشحين، وتنظيم وادارة مناظرات مرشحي الرئاسة الامريكية. وتقوم بهذا الدور محطات تلفزيوية كبيرة مثل الـسي ان ان والفوكس نيوز والـ ان بي سي اذ يقوم مقدمي البرامج السسياسية البارزين بادارة هذه المناظرات من خلال طرح اسئلة متنوعة على المرشحين، يعدها اشخاص مختصون في مختلف الجوانب. وتتعلق هذه الاسئلة بكل موقف اتخذه المرشح من خلال عمله في الحكومة او في الكونغرس. وكل تصريح ادلى به، وكل خطاب القاه في هذه المناسبة او تلك، وكل مقالة كتبها، وكل موقف او اجراء اتخذه من خلال عمله في مجالات السياسة الخارجية والداخلية، في الاقتصاد والصحة والتعليم والقضاء والعمل، وكافة المجالات الاخرى. كل موقف اتخذه في الكونغرس في ما يتعلق بمشاريع القرارات التي طُرِحتْ للتصويت. وعلى مستوى السياسة الخارجية فقد تُطرَح اسئلة على المرشحين تتعلق بموقفهم من الحلفاء التقليدين في الشرق الاوسط والموقف من الارهاب، وماهي ستراتيجية كل مرشح فيما يتعلق بالسياسة المالية داخل وخارج امريكا.وما هو الموقف من الصين وروسيا، وموقف المرشح من الضمان الاجتماعي والتامين الصحي والاجور اليومية للعاملين وفرص العمل والموقف من المرأة ومساواة اجورها بالرجل، والموقف من سياسة الرئيس الحالي، والموقف من البيئة والعنصرية والسيطرة على السلاح والموقف من الاتفاق مع ايران وموقف المرشح من تغير المناخ. ومن هنا ندرك ان الاعلام  يقوم بواجبه المطلوب اتجاه الشعب من خلال كشف الصورة الحقيقية  لكل مرشح حيث يجيب بشكل شخصي ومباشر عن كل الاسئلة التي تتعلق  بسجله الشخصي، والمهني وستراتيجيته في العمل وخططه المستقبلية لقيادة الدولة، وما على الشعب الا ان  يفكر مليا بمصلحته اولا ثم مصلحة البلاد العليا، قبل ان يعطي صوته، في الانتخابات النهائية، لهذا المرشح او ذاك. ترى متى  يدرك العراقيون خطورة اعطاء اصواتهم جزافا يوم الانتخابات لهذا المرشح او ذاك دون معرفة مسبقة بسجله الشخصي وتحصيله العلمي وماذا سيقدم لهم بعد انتخابه؟ اغلب المشاكل التي تعاني منها البلاد هي اعطاء الاصوات لغيري مستحقيها من المرشحين، وايصالهم الى مواقع المسؤولية التي ليسوا اهلا لها.

أقرأ أيضا