كيف يحتوي الكبار الازمة ويقفوا مع الشعب

 

بعد هذا التوقف القصير كان في ذهني عدد من المواضيع التي كنت اروم البدء بكتابتها، منها ما يتعلق بالوضع داخل العراق، لكني اليوم وجدت نفسي اقفز على الاجندة التي اعددتها الى موضوع اخر يتعلق بحدث وقع في امريكا وكانت له تداعيات على المجتمع الامريكي، ما أن رصدها القادة السياسيون بدءا من الرئيس اوباما الى الرئيس السابق جورج بوش الى  اعضاء الكونغرس الى قادة الرأي والمنظمات والقواعد الشعبية ووسائل الاعلام كافة حتى بدأوا بالتصدي لها والعمل على احتوائها والتقليل من اثارها السلبية.

 

اربعة حوادث قتل وقعت في  مناطق متفرقة، احدها في ولاية لويزيانا وكانت عبارة عن اطلاق 4 عيارات نارية من قبل الشرطة  ضد رجل اسود فاردوه قتيلا، والحدث الثاني كان في دلاس بولاية  تكساس كان ايضا ضد رجل اسود اخر كان يقود سيارته وبصحبة زوجته وقد اطلق عليه رجال الشرطة 5 عيارات نارية فقتلوه. كلا القتيلين لم يقاوما الشرطة ولم يكونا اثناء الحادث في وضع يهدد حياة رجال الامن  ليستدعي اطلاق النار عليهما.

 

صُنِفَ الحادثان تحت القتل بسبب العنصرية او الكراهية التي يضمرها بعض السكان البيض لمواطنيهم السود. لم ينته الامر لهذا الحد بل تبعه رد فعل مضاد تجسد في نصب كمينين منفصلين لدوريتين من الشرطة نتج ،عنهما قتل 8 من افراد الشرطة بالاضافة الى الجرحى وكان  منفذ الجريمة رجل اسود. الامر الذي استدعى من الرئيس اوباما للحديث مرتين وادانة، مرتكبي جرائم القتل بحق افراد الشرطة والقى، في نفس الوقت، باللوم على السلوك المتسرع لافراد الشرطة  في اطلاق النارعلى  الضحايا. ولم يكتف الرئيس بهذا بل ذهب الى مدينة دلاس بولاية  تكساس لحضور الحفل التأبيني الذي اقامته الولاية لاستذكار افراد الشرطة الذين قتلوا اثناء الواجب، ولقاء عوائلهم. حضر الحفل التأبيني الرئيس السابق جورج بوش والقى الرئيسان كلمتين تضمنتا الثوابت التي يدعو لها دائما ويؤكد عليها جميع القادة السياسيين في كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطيي، رغم خلافتهم السياسية في كثير من القضايا . هذه الثوابت هي وحدة الشعب الامريكي ونبذ الفرقة، ومبدأ التعايش السلمي الذي ينص عليه الدستور بين افراد المجتمع . ومما جاء في خطاب الرئيس اوباما اذ يقول ” انا ادرك كيف يشعر الامريكيون، جئت الى هنا لكي نقول لا لليأس، جئت الى هنا لكي نظهر اصرارنا على اننا لسنا منقسمين كما يبدو للاخرين . في اعقاب اطلاق النار راينا رئيس البلدية وهو رجل ابيض ورئيس الشرطة الرجل الاسود والذين ينحدرون من خلفيات متباينة لم يعملا فقط على استعادة الامن ومساعدة المدينة التي اهتزت بسبب هذا الحادث، لكنهما عملا بقوة وبحكمة على  توحيد المدينة. وفي نفس الوقت التقيت بالكثير من العوائل التي فقدت اشخاصا عزيزين عليها  وقد لمست  كيف ان روح الوحدة التي ولدت من رحم الماساة  بدأت تتلاشى وتحل محلها العودة الى العادات القديمة واللامبالات. نحن عائلة واحدة نحتاج الى المساواة في تعاملنا مع بعضنا البعض وفي احترامنا لبعضنا البعض”.

 

اما بوش فقد شدد على وحدة الامل بدل الكراهية وقال” غالبا ما  نحكم على الاخرين من خلال النماذج السيئة لديها اما عندما يتعلق الامر بالحكم على  انفسنا  فاننا نأخذ باحسن ما لدينا. وفي مرات  كثيرة  يبدو ان القوى التي تبعدنا عن بعضنا البعض اقوى من تلك  التي تدفعنا للبقاء موحدين. وبذلك سرعان  مايتحول  الجدال بينا وبسهولة الى كراهية ويتصاعد الخلاف نحو التجرد من الانسانية”. من يدقق في حديث كل من الرئيسين اوباما وبوش سيجد ان كلا منهما يؤكدان على الوحدة ونبذ الفرقة لانهما يدركان ان الكراهية والفرقة وروح الاستقطاب تكون تداعياتها خطيرة على المجتمع الامريكي، لذلك من يتابع تصريحات وخطابات السياسيين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدرك انهم يختلفون في اشياء كثيرة إلا في وحدة البلاد والمساواة ونبذ الفرقة التي لايساوم عليها احد.

 

اما قدر تعلق الامر بوسائل الاعلام فأن معظمها قد  انبرت على اختلاف توجهاتها لهذه الحوادث الثلاث التي كانت بمثابة جرس انذار ينبغي ان ينتبه اليه الجميع كون ما حدث لم يحدث من فراغ بل كان نتيجة تراكمات وسلوك بدافع الكره او العنصرية التي تهدد وحدة المجتمع.

 

وسائل الاعلام مارست دورها كسلطة رابعة  تراقب وتحلل من خلال استضافتها لعدد من المختصين والمحللين في كافة المجالات التي لها  صلة بهكذا قضايا لِتُشْبِعَها  نقدا وتحليلا سواء تعلق الامر بتصرف افراد الشرطة وطريقة تعاملهم مع المواطنين السود أوالموقف الذي كان  عليه الاشخاص الذين قتلوا. هنا عندما يشعر القادة السياسيون ان هناك بوادرأزمة تهدد وحدة البلد وامنه يىندفع الجميع على اختلاف انتمائاتهم السياسية لتطويقها ودراسة اسبابها ووضع الحلول الانية والمستقبلية للحيلولة دون تكرارها. هذه الحالة لا توجد لدى المسؤولين والسياسيين العراقيين بحيث منذ 2003 ولحد وقت قريب عصفت بالعراق الكثير من الازمات والاحداث الدامية دون ان يلتفت اليها احد ولم تشغل حيزا من اهتمام المسؤولين في الحكومات المتعاقبة، الامر الذي كانت معه النتائج كارثية . خسائر بشرية، حيث تشير بعض المصادر الى  ان عدد الشهداء قبل بلغ 251000 شهيدأ هذا بالاضافة الى التدهور الحاد والمُزري في كافة قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتعليم والعمل والصحة والبيئة والخدمات.

 

يحتاج المجتمع من القادة الكبار ان يقفوا معه في محنته، يسمعوا منه، يشعروه انهم دائما قريبين منه يفرحون لفرحه ويحزنون لحزنه. ما من مرة تحدث الرئيس اوباما في مناسبة استذكار ضحايا حادث قتل ارهابي وقع في هذه الولاية او تلك إلا وسالت دموعه على خديه. يحتاج المجتمع من السياسيين ان يذكروه دائما بالقيم والمبادي التي توحده وعدم الانحراف عن الطريق الذي يؤدي الى وحدة المجتمع الذي ليس له خيار اخر غيرها يخرجه من دوامة العنف والتردي . يستنهظوا فيه قيم الخير والمحبة والتسامح ونبذ الفرقة.

 

في نهاية شهر رمضان هزت فاجعة الكرادة مشاعر العراقيين في الداخل والخارج والتي جاءت نتيجة التفجير الارهابي الذي حصد ارواح اكثر من 300 انسان معظمهم من الشباب، وهي الفاجعة الاعنف منذ 2003 حسب وكالات الانباء العالمية. في تلك المأساة التي القت بظلالها على حياة العراقيين وقلبت عيدهم حزنا سواء في داخل العراق او خارجه لم يكن موقف قادتهم السياسيين بمستوى المأساة التي ألمت بالشعب يوم محنته الاصعب، ولم تنل اهتماما كبيرا لا من رئاسة الجمهورية ولا من البرلمان. وهذا ان دل على شئ انما  يدل على ان الساحة السياسية العراقية تفتقر الى القادة الحقيقين الذين يحتاجهم الشعب  في ايام محنه التي لاتنقضي ويفتقدهم في لياليه الظلماء التي لاتنجلي بسبب غياب وحدة الكلمة والولاء المطلق للعراق، وضعف الحس الوطني وعدم تحمل المسؤولية من قبل المسؤولين.

أقرأ أيضا