لماذا تبدو فكرة (تحالف الضحايا العالمي) ضرورية؟

 بعد مرور عامين على إطلاقي فكرة “تحالف الضحايا العالمي” من خلال صحيفة “العالم الجديد”، أود التأكيد مجددا على ضرورتها الآنية. إن فكرة الخيانة المتأصلة في توجه القوى القائدة للنظام الدولي تنبع من توازن المصالح الذي لا يمكن تبريره من وجهة نظر اخلاقية. لذا، يبدو ساذجا مقدار الثقة التي يضفيها الضحايا على مرجعية اخلاقية دولية يتحرر من سلطتها الأقوياء.  

خطاب الضحايا يكرر في لوم عميق فكرة ان القوى الدولية السائدة متواطئة على الدوام في الابادة، او مشاركة فيها من خلال الصمت والنسيان. لنتأمل تكرار ذلك في النظام الدولي الذي أنتج الحرب العالمية الاولى او الثانية او في فترة الحرب الباردة، او في عالم ما بعد سبتمبر 2001 وحقبة الحرب على الاٍرهاب، و أخيرا عالم داعش التكفيري.  

مثال الابادة الجماعية الأرمنية قبل قرن من الزمن ليس سوى اختبار أولي، جانب من الخطاب التركي الرسمي التملصي في اللحظة الأردوغانية يلقي باللوم في أبادة الارمن على من حرض العثمانيين وحكومة تركيا الفتاة من القوى الأوربية القائدة للنظام الدولي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) آنذاك.

هناك بالطبع اعتراف ألماني رسمي حالي بمسؤولية ألمانيا الجزئية عما حدث للأرمن في عام 2015، مع تسليم بوقائع التاريخ التي تقول بإن السفير الألماني في تركيا نجح في ان يقنع حكومته بالوقوف الى جانب حكومة تركيا الفتاة للاستفادة من دفع الارمن الى صحراء العراق لتؤمن الحكومة الألمانية اليد العاملة مجانا من اجل تنفيذ مشروع سكة حديد بين بغداد واسطنبول (الحلقةالاثمن في أسطورة سكة حديد بغداد/برلين). بل وجد جنود ألمان في القرى التركية شاركوا في ابادة الارمن وتجارة السبايا الارمنيات آنذاك! (بنية الاسترقاق الشبيهة باسترقاق الايزيديات اليوم).

بريطانيا العظمى بدورها باعت الارمن مقابل مصالحها في قبرص، كما باعت اليهود المشرقيين والعرب بعد الاستقلال عّن الامبراطورية العثمانية وخانت الاشوريين في العراق في أمثلة اخرى مقابل مصالحها. اما الأميركيون، مقصد كل إقلية مضطهدة، فلم يوقعوا على اتفاقية ابادة الجنس البشري لعام 1948 الا في عام 1988، واوباما الديمقراطي الذي وعد اثناء ترشيحه كسيناتور بالاعتراف بالإبادة تجنب ذكرها في خطبه حين اصبح رئيس أقوى دولة في العالم.

ليس هذا الموقف استثنائيا، ففي الإبادات الاخرى أمثلة شبيهة تؤشر الموقف الانتهازي للدول الكبرى. الأميركيون أنفسهم تغاضوا عما فعله نظام البعث بالاكراد في الثمانينيّات والشيعة في التسعينيات، فقد كان التوازنات تتطلب ذلك، دعموا النظام البعثي في مواجهة ايران ثم انقلبوا عليه عند نهاية الحرب عندما هدد مصالحهم في الخليج العربي. وكذلك فعل الاتحاد السوفيتي الذي رفض اي نقد من هذا الجانب لنظام البعث من قبل الشيوعيين العراقيين على جرائمه التي لا يمكن تبريرها. كان هذا نظاما فتك بالشيوعيين لكنه يتصدى للإمبريالية، هكذا كانت موجهات خطاب الكرملين التي لا تعبأ بمصائر الشعوب.

وفِي التسعينات برز مثال قبيح في القارة الافريقية، صمت غربي عن فظاعات ما حدث من الابادة الجماعية في راوندا، والامم المتحدة وضعت رجلا على رجل تتفرج. والفرنسيون اصحاب مبادىء الاخاء والمساواة زودوا الاباديين بالاسلحة.   في سياق فظاعات داعش ضد الاقليات في سوريا والعراق وضد الايزيديين بشكل خاص في سنجار، جاء التدخل الدولي بعد الابادة، وبقي مصير السبايا الايزيديات يخضع لتوظيف خطاب داخلي/دولي، دونما تحرك فعلي.   لذا، نؤكد مجددا، بعد ان أطلقنا فكرة “تحالف الضحايا العالمي قبل عامين بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لأبادة الارمن،  على إن المراهنة و الثقة بالمجتمع الدولي ستكون في مستوى ثان لاحق لتشكيل لوبي عالمي للضغط من اجل الاعتراف العالمي الذي يحمل اثارا رمزية تتعلق بشفاء الذاكرة الجريحة اكثر من مردوداتها على صعيد القانون الدولي، وإن العكل المشترك العابر للحدود السياسية بين الضحايا خليق بتأسيس أرضية تمنع الإبادة المقبلة.   أدعو الاصدقاء من الناشطين وصناع السلام من الارمن والايزيديين والشبك وسائر الاقليات التي تعرضت للإبادة الى العمل المشترك لبناء هذا التحالف من صناع السلام: لا بد مِن إطلاق تحالف الضحايا في مواجهة قوى الإنكار والمصالح الدولية والنخب الاثنوطائفية (شركاء الابادة).  

رابط عن إطلاق فكرة تحالف الضحايا العالمي في صحيفة “العالم الجديد”:

سلوم يطلق عبر (العالم الجديد) تحالفا عالميا للضحايا

أقرأ أيضا