السلطات «تطعن» الحريات مجددا في العراق

بعد أيام على قرار المحكمة الاتحادية القاضي بحجب التطبيقات التي تتضمن الإخلال بالآداب، صوبت وزارة الاتصالات نحو ملف الحريات مجددا، من خلال تقديمها طلبا لحجب تطبيق التيك توك، ما أثار انتقادات واسعة من ناشطين وحقوقيين رأوا في الخطوة تقييدا ومساسا بالحريات العامة وحرية التعبير، في وقت أكد خبير قانوني، أن حجب هذه التطبيقات من صلاحيات وواجبات الوزارة بناء على طلب القضاء.

ويؤكد عضو تحالف الدفاع عن حرية التعبير، علي عبد الزهرة، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “قرارات وزارة الاتصالات والمحكمة الاتحادية تمس الحريات بشكل مباشر، وتقيد وسائل التعبير عن الرأي، التي كفلها الدستور العراقي والمواثيق الدولية”.

وأعلنت وزيرة الاتصالات هيام الياسري، أمس الأول الاثنين، تقديمها طلبا لمجلس الوزراء لحجب تطبيق التيك توك، فيما شددت على “ضرورة تعاون ممثلي الشعب بمجلس النواب على حجب مثل هذه التطبيقات”.

ويضيف عبد الزهرة، أن “حجب هذه التطبيقات هو في حقيقته محاولة لتحجيم مساحة الحريات والفضاءات المتاحة لتكون منصات تعبير عن الرأي والرأي الآخر”.

وعما إذا كانت تحمل محتوى يمس الآداب العامة، يتابع: أن “هناك آليات لضبط هكذا محتوى، وليس حجب التطبيقات بشكل كامل، لأن العلة في عدم وجود قوانين تنظيمية، فالأصل هو الإباحة ويكون التقييد استثناءً، لكن قرار الحجب ينسف القواعد القانونية ويجعل التقييد والمنع هو الأصل”.

ويشير عبد الزهرة، إلى أن “المؤسسات الحكومية مطالبة بعدم انتهاك الدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقع عليها العراق، بما يضمن حرية التعبير عن الرأي ووسائل التعبير واختيار المنصات اللازمة لذلك، لا أن تكون خصماً لكل صاحب رأي، وتحاول بشتى الطرق تضييق الخناق عليه”.

ويتحدث عن “خسارة العراق واردات مالية كبيرة، مع حجب هذه التطبيقات، خاصة إذا عرفنا بأن الموازنة الأخيرة أدرجت فيها مادة توجب على الحكومة استيفاء ضريبة دخل من مشاهير السوشيال ميديا، وكذلك من التطبيقات ذاتها، لأنها تحصل على واردات مالية كبيرة من الجمهور العراقي، بالتالي للعراق الحق باستيفاء ضرائب على الشركات الأجنبية المالكة للتطبيقات”.

وكانت الهيئة العامة للضرائب قالت منتصف الشهر الحالي، إنها تدرس إخضاع الإعلانات على مواقع التواصل ومن بينها إعلانات الفيس بوك للضرائب بنسبة 30 بالمئة أسوة ببقية الدول، مؤكدة أن هناك قرارا بفرض ضرائب على إعلانات التيكتوكرز والبلوغرز واليوتيوبرية وبعض المشاهير ممن لديهم متابعون.

وفي 14 آذار مارس الجاري، أصدرت المحكمة الاتحادية قرارا بشأن حجب المواقع وشبكات الإنترنت والتواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل الإلكتروني التي تتضمن صناعة ونشر المقاطع المخلة بالأخلاق والآداب والمحتوى الهابط الذي يخدش الحياء والتجاوز على الذات الإلهية وحرمة الكتب المقدسة والتجاوز على الأنبياء والرسل والرموز الدينية والإساءة للأديان والمذاهب والترويج والنشر للفسق والفجور والبغاء والشذوذ الجنسي والتعرض للآخرين والإساءة إليهم.

وأثار قرار المحكمة الاتحادية انتقادات واسعة من ناشطين مدنيين رأوا فيه محاولة لتكميم الأفواه والتضييق على حرية الرأي، مطالبين بوضع معايير ملموسة للتمييز بين النقد والإساءة، في تقرير سابق لـ”العالم الجديد”، غير أن معنيين دافعوا عن القرار وأكدوا أهميته بالسيطرة على المنشورات الخادشة للحياء، والتي تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

من جهته، يرى الناشط المدني عقيل الهاشمي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “حجب تطبيق التيك توك أو أي موقع آخر هو تقييد للحريات وفي حال كانت هناك فعلا ضرورة ماسة لحجبه كما لو أنه يضر الأمن القومي أو يفكك النسيج المجتمعي، كان الأولى بالدولة توفير بدائل حقيقية وليس حلولا ترقيعية بإغلاق هذه المواقع أو التطبيقات بشكل غير حقيقي ودقيق، لأنه بالإمكان تجاوزها عبر برامج الـVPN أو البروكسي”.

ويضيف الهاشمي، أن “الحكومة وعلى مر السنوات الماضية، عملت على تقييد الحريات بشكل يتقاطع مع القوانين واللوائح والتشريعات”، لافتا إلى أن “الأمر لن يتوقف على غلق التيك توك بل سيصل الحجب لمواقع أخرى بحجج واهية من أجل تضييق الحريات على المواطنين والناشطين”.

وكان مركز الإعلام الرقمي في العراق، أكد في شباط فبراير الماضي، أن عدد مستخدمي تطبيق تيك توك في العراق ارتفع إلى 31.95 مليون مستخدم هذا العام بعد أن كان يبلغ 23.88 مليون مستخدم العام الماضي، متفوقا على كل مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى مثل فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب.

من جانبها، تتفق الناشطة إيناس جبار، مع الهاشمي في أن “هذه القرارات تفرض قيودا على الأشخاص وتقيد حرياتهم لاسيما وان العراق بعد عام 2003 سلك مسار الحريات والسماح بحرية التعبير عن الرأي”.

وتضيف، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “كل إنسان لديه مجموعة من الحقوق تحت خيمة كبيرة عنوانها الديمقراطية، سواء باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي أو أي برامج حديثة، فنحن لا نعيش في قطيعة ولسنا معزولين عن العالم الخارجي إنما نمارس ما يمارسه الجميع ونستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بطرق مختلفة”.

وتتابع جبار: “حتى من يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بصورة مسيئة لا يمكن أن نصفه بأنه مخل بالنظام والآداب العامة، فالعالم الافتراضي واسع ومن الطبيعي أن تحدث به بعض الهفوات”.

وبشأن قرارات وزارة الاتصالات والمحكمة الاتحادية، تؤكد جبار أنها “قرارات عقابية وتخنق الحريات بالعراق، وهي ليست المرة الأولى التي تصدر فيها هكذا قرارات فوزارة الاتصالات أصدرت قرارات سابقة أسمتها بالانضباط”، مشيرة إلى أن “هذه البرامج التي تراها الوزارة غير انضباطية، ساهمت بفضح الكثير من الانتهاكات اللي طالت حقوق الإنسان وساهمت في كشف الكثير من قضايا الفساد”.

وتسربت في شباط فبراير من العام الماضي، نسخة من مسودة لائحة تنظيم المحتوى الرقمي، التي أعدت في هيئة الإعلام والاتصالات لغرض إقرارها من قبل مجلس الأمناء في الهيئة، وتضمنت بنودا كثيرة اعتبرت مقيدة لحرية التعبير، منها أحكاما جزائية، تبدأ بالتعهد وحذف المحتوى أو حجب الصفحة المنشور فيها، وصولا إلى إحالة الملف إلى القضاء، فضلا عن وجود غرامات مالية تبدأ بـ500 ألف دينار وتصل إلى 5 ملايين دينار.

لكن الخبير القانوني احمد الباوي، يشير من جهته، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إلى أن “ما قامت به وزارة الاتصالات من حجب لمواقع اباحية أو ذات محتوى غير أخلاقي هو جزء لا يتجزأ من واجباتها وصلاحياتها خاصة مع مطالبة المجتمع بحجب هذه المواقع”.

ويضيف الباوي أن “مجلس الوزراء قد يتجه إلى إصدار قرار بمنع عدة ألعاب الكترونية ذات مستوى سيئ وتستخدم في عمليات غسيل الأموال أيضا إضافة إلى برنامج التيك توك خاصة وانه يستخدم أيضا بعمليات غسيل الأموال”.

ويلفت إلى أن “هذه الإجراءات جاءت بسبب مطالبة الادعاء العام والمحكمة الاتحادية بغلق ومنع هذه البرامج لما تشكله من خطر كبير على المجتمع خاصة مع تزايد الدعاوى في المحاكم الخاصة بمشاكل هذه البرامج”.

إقرأ أيضا