“تقاسم الحصص” يغير الخارطة العسكرية.. فماذا وراء “لجنة الجادرية”؟

لم تسلم المؤسسة العسكرية من تدخلات الكتل السياسية، ومحاولة فرض كل كتلة سطوتها على مناطق…

لم تسلم المؤسسة العسكرية من تدخلات الكتل السياسية، ومحاولة فرض كل كتلة سطوتها على مناطق معينة من البلد عبر تعيين قادة أمنيين مرتبطين بها، وفقا لمصدر أمني رفيع، حيث كشف أسماء التغييرات في وزارة الدفاع على أساس “تقاسم الحصص”، وهو ما قابله خبراء أمنيون ونواب برفض بات، وأكدوا أن الولاء أصبح للقادة السياسيين وليس للوطن، وفيما اتهموا الكتل السياسية بإرهاق المؤسسة العسكرية بتدخلاتها، أشاروا إلى قيام جهة سياسية بإنشاء لجنة لاختيار القيادات العسكرية، مقابل إظهار ولائهم لها.

ويقول مصدر أمني رفيع، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تغييرات كثيرة تشهدها وزارة الدفاع، على مستوى القادة العسكريين، وهذه التغييرات تم تنفيذ معظمها على أساس تقاسم الحصص بين الكتل السياسية، حيث تم تغيير مناصب القادة وليس إحالتهم للإمرة أو التقاعد”.

ويضيف المصدر، أن “التغييرات تضمنت، تعيين اللواء الركن كامل صالح بمنصب نائب قائد الدفاع الجوي، بعد أن كان يشغل منصب قائد الفرقة 15 بالجيش، فيما جرى تعيين اللواء الركن قتيبة الجبوري بمنصب قائد الفرقة 15، بعد أن كان يشغل منصب معاون مدير الاستخبارات العسكرية، وهو ما عاد بالفائدة لجهة سياسية متنفذة”.

ويتابع أن “التغييرات شملت أيضا، تعيين العميد الركن ياسر الشمري، بمنصب معاون مدير الاستخبارات العسكرية، بعد أن كان يشغل منصب نائب قائد الفرقة السادسة بالجيش، كما تم تعيين العميد الركن نصر برهان، بمنصب نائب قائد الفرقة السادسة، بعد أن كان رئيس أركان الفرقة 14 بالجيش”.

ويستطرد أن “اللواء ركن أكرم صدام مدنف، جرى تعيينه بمنصب قائد عمليات غرب نينوى، بعد أن كان يشغل سابقا منصب قائد عمليات البصرة وأحيل للإمرة في زمن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، على خلفية أحداث محافظة البصرة وحله للنزاعات العشائرية بطريقة عشائرية وليس عبر القانون”، مبينا أن “منطقة عمليات غرب نينوى، تغطي الشريط الحدودي بين العراق وسوريا من ناحية نينوى، وقد ذهب المنصب لجهة سياسية متنفذة”.

وبشأن التغييرات التي ستجري في الأيام المقبلة، يؤكد المصدر، أن “الأيام المقبلة ستشهد تغيير قائد الفرقة الثامنة بالجيش، والمرشح للمنصب، وهو اللواء الركن فائز المعموري، الذي كان يشغل منصب مدير الاستخبارات العسكرية بحكومة الكاظمي واتهم بالقضية الشهيرة آنذاك، وهي تهريب متهم، والتي تدخل فيها حينها جهاز مكافحة الإرهاب”، موضحا أن “هذه الفرقة تنتشر في كركوك، وضمن قاطعها تغطي الحدود بين أربيل والسليمانية، إضافة إلى مواقع انتشار الحقول النفطية”.

ويلفت إلى أن “التغييرات المرتقبة ستطال أيضا، أمين سر وزارة الدفاع وقائد عمليات نينوى وقائد الفرقة الأولى”، منوها إلى أن “جهة سياسية نافذة تنضوي في ائتلاف برلماني ساهم بتشكيل الحكومة، قامت بإنشاء لجنة لهذا الغرض، أطلق عليها لجنة اختيار القادة والآمرين العسكريين، ويقع مقرها في حي الجادرية وسط العاصمة بغداد، في سابقة هي الأولى من نوعها، وتعمل على مقابلة الضباط الراغبين في الاستفادة من الدعم السياسي للحصول على المناصب الرفيعة، مقابل إظهار الولاء أو الانتماء لها (الجهة السياسية)”.

وتشهد المناصب العليا في الوزارات، بما فيها الأمنية، تقاسما على أساس المكونات الرئيسة (الشيعة والسنة والكرد)، تحت مسمى “التوازن”، وهو ما تضمنه الدستور العراقي، وغالبا ما توزع الحصص حسب الثقل السياسي للكتل السياسية الممثلة لكل مكون، ومدى نفوذها وقوتها في كل دورة نيابية.

ويؤكد اللواء الركن المتقاعد هشام الدراجي، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “أغلب جيوش العالم المتقدمة تشهد تغييرات مستمرة في المناصب العسكرية، إذ يصل العسكري لمرحلة يتوقف خلالها عن الابداع والعمل، تبعا لذلك تستبدل المناصب العسكرية كل عامين، وفقاً لمعايير الكفاءة والتجربة والخبرة العملية”.

وعن تحاصص تلك المناصب يبين الدراجي، أن “المحاصصة تدخل وبقوة في كل الوزارات والمناصب، ولا شك أن الوزارات الأمنية والسيادية تتقاسمها الاحزاب السياسية، وهذا ما لا نؤيده عسكرياً؛ لأن في ذلك اثراً سلبياً على صعيد الولاء للوطن، لتتزاحم الولاءات الشخصية على حساب الولاء الوطني”.

يذكر أن الاستخبارات العسكرية المرتبطة بوزارة الدفاع، شهدت صراعات حادة بشأن تغيير مديرها، وقد كشفت “العالم الجديد” في تقارير سابقة كافة التفاصيل الخاصة بالأمر، فضلا عن كيفية تحويلها من جهاز يملك قوة خاصة به وينفذ عملياته بشكل مباشر إلى جهاز مرتبط بالوزارة، بعد فك أذرعته العسكرية منه.

من جانبه، يرى النائب وعد القدو، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “المحاصصة أصبحت عرفاً في تشكيل أغلب الكابينات الوزارية، وأن ذلك لا يقتصر على وزارات الداخلية والدفاع، أو المخابرات والأمن الوطني، أو بقية المؤسسات العسكرية؛ فقد أرهق ذلك المؤسسة العسكرية، وأدخلها في نفق مظلم لا تستطيع الخروج منه، ودون شك تعبر التغييرات في المناصب عن اختلاف المشهد السياسي، واختلاف العقائد السياسية للقادة”.

ويضيف القدو، أن العراق يحتاج “للخروج من هذا النفق المظلم، لإرادة سياسية وبرلمانية تبعد المؤسسة العسكرية عن التدخلات السياسية، فضلاً عن ذلك نحتاج لمعارضة حقيقية داخل البرلمان، ماسيسهم في مراقبة الأداء الوزاري والحكومي بشكل أكبر، وسيؤسس لمبدأ الكفاءة والخبرة في الحصول على المناصب، عدى ذلك فإن التحاصص في المناصب العسكرية سيستمر، ويستمر معه تسييس القادة والمؤسسة العسكرية”.

وتعد مناطق كركوك ونينوى، من أبرز المناطق الساخنة في البلد، وما زال الصراع السياسي يدور حولها بغية فرض السيطرة التامة عليها من قبل جهات سياسية معينة، وذلك يجري منذ إعلان النصر على داعش.

وكانت “العالم الجديد”، قد سلطت الضوء في تقرير، تم نشره في 7 كانون الأول يناير الماضي، على زيادة التدخل السياسي في المؤسسة العسكرية والأمنية، وكيف تسبّبت بتعطيل بعض القرارات على مستوى القيادات العليا.

إقرأ أيضا